الجمعة, أبريل 26, 2024
الرئيسيةأخبار وتقاريرتقاريرالنازحون في سوريا ربما يكونون قد فقدوا ديارهم إلى الأبد

النازحون في سوريا ربما يكونون قد فقدوا ديارهم إلى الأبد

0Shares

حين تمكَّنت أُم حكمت من العودة متسللةً إلى مدينة حلب السورية، موطنها الخاضع حالياً لسيطرة قوات النظام، وجدت كلمةً واحدة مكتوبة بالطلاء الأحمر المرشوش على منزلها: «مُصادَر». نفس الشيء حدث في متجر العائلة ومنزلٍ آخر لها. ومن المُرجَّح أن تكون مزرعتهم في جنوب المدينة قد صودِرَت أيضاً في منطقةٍ استعادتها قوات النظام السوري مؤخراً.

أصبح هذا هو الواقع الجديد الذي يعيشه النازحون السوريون الذين دعموا المعارضة المسلحة، التي تتحدى الرئيس السوري بشار الأسد، أو الذين عاشوا في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة. وبعدما صاروا مشتتين الآن بعيداً عن منازلهم، يواجهون احتمالية عدم القدرة على العودة إليها أبداً، حسب ما وثقت وكالة The Associated Press الأميركية.

نَزَح نحو نصف سكان سوريا الذين كان عددهم قبل الحرب 23 مليون نسمة، وتُعَد الأغلبية العظمى من هؤلاء النازحين من المسلمين السنَّة، الذين كانوا من أوائل المنتفضين ضد النظام في عام 2011. وفَرَّ نحو 6 ملايين شخص إلى الخارج، بينما نَزَحَ 6.6 مليون داخل سوريا.

واقع غريب قد يصبح مستقبلهم

ويتكدَّس نحو ثلث النازحين في مناطق ما زالت خارج سيطرة النظام في شمال سوريا، مثل محافظة إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة، ومنطقة مجاورة خاضعة لسيطرة تركيا. وفي ظلِّ نزوحهم من مناطق مختلفة من أنحاء البلاد، عليهم التكيف مع مجتمعٍ هجين جديد غريب عليهم يضم سُكان مدن سابقين وسكان أرياف سابقين، جاهلين ومتعلمين، ليبراليين ومحافظين جنباً إلى جنب في مخيماتٍ من الخيام أو المنازل المستأجرة، بلهجاتٍ وأطعمة وعاداتٍ مختلفة.  

 

والشيء المشترك بينهم جميعاً هو إدراكهم أنَّ ذلك قد يكون مستقبلهم.

وقال حكمت في حديثٍ أجراه مؤخراً بمدينة جرابلس الخاضعة لإدارة تركيا الواقعة في شمال سوريا: «أرى أنَّ ذلك الأمر طويل الأجل، فهو ليس مجرد سنة أو سنتين ونعود، كلا! فكل ممتلكاتنا اختفت».

تحدَّث حكمت بشرط الكشف عن اسمه الأول فقط من أجل حماية عائلته؛ لأنَّ بعض أقربائه ما زال بإمكانهم دخول المناطق الخاضعة لسيطرة النظام.

وبينما تستعيد الحكومة سيطرتها على مناطق المعارضة في أقصى الجنوب، يزداد عدد النازحين باستمرار. ويقول بعض مسؤولي الأمم المتحدة: إنَّ عام 2018 شهد أكبر موجة نزوح منذ بدء الحرب في عام 2011. وقد دعت الحكومة أولئك الذين غادروا ديارهم إلى العودة، لكنَّ الانتصارات العسكرية غالباً ما تعقبها هجماتٌ انتقامية ومصادرات أحادية الجانب للممتلكات من جانب ميليشيات النظام.

قانون جديد يسمح بالمصادرة

من جانبٍ آخر، يسمح قانونٌ جديد للملكية يُعرَف باسم القانون رقم 10 للنظام السوري، بمصادرة الممتلكات التي يعتبرها مهجورةً في المناطق المخصصة للتنمية. وصحيحٌ أنَّ عمليات المصادرة بموجب القانون لم تبدأ بعد، لكنَّ النظام السوري خصَّص بالفعل بعض الضواحي التي استعاد السيطرة عليها في العاصمة السورية دمشق لإعادة تنميتها، ما يعني أنَّ العديد من المنازل ستكون عُرضةً للمصادرة؛ لأنَّ سكانها قد غادروا، ومعظمهم ذهب إلى الشمال.

وقد أثار ذلك اتهاماتٍ بأنَّ القانون جزءٌ من تصميمٍ لتخطيط سوريا جديدة على المستوى الاجتماعي، وهو ما ينفيه النظام السوري.

لكن النظام ينفي

إذ قال نجدت أنزور، نائب رئيس البرلمان السوري، لوكالة The Associated Press الأميركية للأنباء: إنَّ المعارضة تسعى لتحويل القانون رقم 10 إلى أداةٍ لـ»الابتزاز السياسي». وقال: إنَّ الذين ينتقدون قطاع الإسكان غير المنظم هم أنفسهم الذين ينتقدون الآن القانون الذي سيُطبَّق في جميع أنحاء سوريا. وانتقد المعارضة والدول الغربية قائلاً: إنَّها تشوه القانون لتعطيل عملية إعادة الإعمار.

بيد أنَّ الخطوط العريضة لتنفيذ تحوُّلٍ ديموغرافي واضحة.

تغيير ديموغرافي وتنكيل بالمعارضة

إذ يُسيطر النظام السوري الآن على ما يزيد بقليل على 60% من الأراضي السورية، وما زال هناك سُكانٌ سُنَّة في تلك المناطق، رغم عدم وجود أرقام مؤكدة لأعدادهم. لكنَّ السكان السُنَّة تقلصوا إلى حد كبير في قلب سوريا، الذي يضم ساحل البحر الأبيض المتوسط ​​وحزام المناطق الحضرية المتقدمة الأكثر ازدهاراً، ويمتد من حلب شمالاً حتى دمشق. وفي أثناء تلك العملية، عزَّز النظام قاعدة دعمه التي تتركز عادةً بين الأقليات التي تعتمد على الأسد.

وقال حكمت، الذي كان طبيب أشعة، إنَّه يعتقد أنَّ مؤيدي النظام المعروفين باسم «الشبيحة» قد صادروا منزله في حلب انتقاماً؛ لأنَّ مقاتلي المعارضة هزموا أفراد ميليشيات الشبيحة بحلب وصادروا منزل قائدها في عام 2012، حين انفصل الجزء الذي  يسكن فيه حكمت من المدينة عن سيطرة النظام.

 

ومنذ فرار حكمت من حلب في عام 2016، حين استعادت قوات النظام السيطرة على أجزاء المدينة التي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة، اضطُّر إلى الانتقال مرتين قبل أن ينتهي به المطاف في جرابلس. بينما اضطُّر بعض النازحين إلى الانتقال 20 مرةً، مبتعدين أكثر عن منازلهم.

«محافظة جديدة» في الشمال أصبحت وطنهم الجديد

والآن يتعامل حكمت مع الحياة في المنطقة التي يشير إليها هو وغيره من النازحين باسم «الشمال الريفي» كما لو كانت محافظةً جديدةً تقريباً.

تحسَّر حكمت على فقدان حلب التي كانت موطناً لمختلف الطوائف والديانات؛ إذ كانت عيادته في أحد الأحياء الراقية بالمدينة، وكان رئيسه أرمينياً بينما كان زملاؤه مسيحيين. أمَّا الآن في جرابلس، فهو يدير دار أيتام لرعاية الأطفال النازحين من حلب، ويخشى من أن ينسوا هنا حياة المدينة.

حتى اللهجة الحلبية تتلاشى

 

 

إذ قال إنَّ الأطفال يفقدون لهجة حلب المميزة، التي تُمثِّل آخر صلةٍ لهم بمسقط رأسهم. جديرٌ بالذكر أنَّ حلب تشتهر بأنَّها عاصمة الغذاء في سوريا بسبب أطباقها المجهزة بإتقان؛ لذا مثَّلت العادات الغذائية في المدينة الجديدة صدمةً لبعض الأطفال.

إذ ضحك بعضهم على مدرس نزح من شرق سوريا لتناوله طبقاً تقليدياً من الأرز واللحم بأصابعه.

وسط المخيم وبلا وظيفة

وما زال عمر العروب، الذي أُجلِيَ قبل أكثر من 14 شهراً من منزله في مدينة حمص السورية، عاجزاً عن إيجاد وظيفة. يُذكَر أنَّ حمص كانت قلب الانتفاضة ضد الأسد، لكنَّها صارت الآن شبه خالية من سُكانها السُنَّة.

يعيش العروب (20 عاماً) في مخيَّمِ بجرابلس مع مئاتٍ من النازحين الآخرين من حي الوعر بمدينة حمص. كان هذا الحي هو آخر منطقة في المدينة سقطت في أيدي النظام السوري بعد سنواتٍ من القصف والحصار، الذين سبَّبا دماراً ودفعا السكان إلى حافة المجاعة.

الانضمام لجماعة مسلحة وبناء منزل

وقال إنَّ العمل الوحيد في جرابلس هو الانضمام إلى إحدى الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا. فأحد جيرانه الذين انضموا إلى هذه الجماعات يجني 90 دولاراً شهرياً، وبدأ في بناء منزل.

وأضاف: «الجميع يبني الآن منازل؛ لأنهم أدركوا أنَّهم سيبقون هنا لفترةٍ من الوقت».

تكدس وخدمات لا تطاق

 

 

بينما لا تستطيع أم خالد النازحة حديثاً أن تفهم ما صارت عليه الحياة. إذ وصلت أم خالد في شهر أبريل/نيسان إلى مدينة الباب الخاضعة لإدارة تركيا، بعدما فرَّت من سيطرة النظام على منطقة الغوطة، وهي منطقة زراعية في ضواحي دمشق كانت مزدهرةً نسبياً.

ووجدت أنَّ التكدُّس في خيمةٍ ضيقة مع مئات الأشخاص الآخرين وقلة الخدمات أمراً لا يُطاق. وقالت أم خالد التي ترتدي نقاباً وقفازات: إنَّ سُكان مدينة دوما التي تعد مسقط رأسها وتقع في الغوطة أكثر مُحافظةً، وإنَّ الرجال يفرضون رقابةً صارمة على النساء.

وأضافت: «هذه الحياة ليست لنا. سُكَّان دوما صارمون ورجالنا صارمون… ستنشب مشكلاتٌ بين الأشخاص المختلفين بسبب العقليات المختلفة».

اختلاف الثقافات قد يسبب مشاكل

وهناك نازحٌ آخر وهو عبدالكافي الحمد، مدرس لغة إنكليزية يبلغ من العمر 33 عاماً، وواجه كذلك اختلافاتٍ ثقافية بعد فراره من حلب إلى إدلب، آخر معاقل المعارضة المتبقية؛ إذ قال إنَّ الناس في إدلب يزورون منازل بعضهم بعضاً بانتظام، في حين أنَّ سكان حلب أكثر خصوصية؛ لذا كان جيرانه الجدد متحيرين.

وقال عنهم: «يقولون لماذا لا يزوروننا؟ هل هم منزعجون؟».

وقد برزت في حديثه لهجة حلب كذلك، ما دفع طلابه إلى إطلاق النكات.

«لماذا لم تدافع عن حلب؟»

كل ذلك كان على ما يرام، لكنَّه قال إنَّه شعر بجرحٍ نفسي حين اتهمه سكانٌ محليون في إدلب بالعزوف عن الدفاع عن حلب، وشكَّكوا في تضحياته في مزايدةٍ على مَن دفع ثمناً أكبر من أجل القضية.

وحين قرر عبدالكافي وزملاؤه إحياء ذكرى طردهم من حلب، طلب منهم بعض السكان المحليين عدم فعل ذلك، خوفاً من أن يجلب التجمُّع غاراتٍ جوية من جانب قوات النظام.

وقال إنَّ هذه التجربة جعلت منه أكثر تعاطفاً مع الوافدين الجدد؛ إذ يستمر آلافٌ آخرون في النزوح إلى إدلب، معظمهم من السُنَّة والمُفقَرين والمناهضين بثبات للنظام.

وأضاف أنَّ القدوم إلى هنا «أهون من الذهاب إلى جحيم النظام. فالتغيير الديموغرافي… هو أسوأ شيء حدث في سوريا، أسوأ بكثير من الدمار».

 

نقلا عن موقع عربي بوست

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة