الخميس, أبريل 25, 2024
الرئيسيةمقالاتحديث اليومرئیسي الجلاد ومآل مسرحیة مکافحة الفساد في إيران

رئیسي الجلاد ومآل مسرحیة مکافحة الفساد في إيران

0Shares

بعد أسبوع من الحملة الدعائیة الواسعة لمقابلة تلفزيونية مباشرة مع رئيس القضاء الإیراني، ظهر المعمم رئیسي أخيراً مساء الاثنين الموافق 22 يونیو 2020، لیثبت للجمیع أن البروباغاندا الإعلامیة التي رافقت ظهوره کانت جوفاء ولم تثمر عن أي شيء مفید.

فقد كان من المتوقع أن یطلّ رئيسي الجلاد لیمضي قدماً في مسرحیة مکافحة الفساد التي بدأها قبل فترة وجیزة، ويبدي حزماً في قرع طبولها المقروعة أساساً بهدف تبييض صورته وتلمیع صورة قضاء خامنئي بشکل عام.

لكن علی عکس ما توقعه عامة الشعب وعلی الرغم من تشدّقه بحدیث صریح وواضح، أدلی رئیسي بتصریحات جوفاء تبرر فساد سلطة القضاء وتضیف الشرعیة علی جرائمه.

فقد قال: «في اجتماع لكبار المسؤولين القضائيين منذ فترة وجیزة، أفادوا أن الفساد في سلطة القضاء هو واحد بالمائة فقط. لكننا قلنا إن حتی نسبة واحد بالمائة کثیرة بالنسبة للمجموعة. هذا الملف (ملف طبري) لیس وتیرة، إنه استثناء».

تبریر الحسابات المصرفية السریة للمعمم آملي لاریجاني

ورداً على سؤال المذیع حول 63 حساباً مصرفیاً منسوباً للقضاء، قال رئيسي: «استخدم بعض الناس هذه الحسابات كذريعة للقضايا السياسية. رفعنا تقریراً، ولم نتضرر من هذا التقریر، لأنه أوضح من أين أتت هذه الأموال، وكم تبلغ، وأين تم إنفاقها».

وبهذه الطريقة، لم يشر رئیسي، في مسرحیته المزیفة لمکافحة الفساد، إلی آملي لاريجاني فحسب، بل تستر بشکل کامل علی فضیحة الحسابات السریة الـ 63 ومآل أرباحها.

وعندما سأله المذیع نیابةً عن الناس، لماذا لم یحاکم 125 قاضیاً فصلوا عن الخدمة حسب غلامحسین محسني إیجي، محاکمةً علنیةً إلا واحداً منهم، لجأ رئیسي، مرة أخرى إلی آلیة التبریر قائلاً بأن مخالفات هولاء كانت تأديبية ولم تکن جنائية. أي لم تكن رشوة أو سرقة مثلاً.

وفیما يتعلق بالخصخصة وتهريب السلع وما إلى ذلك، كل ما قاله رئیس القضاء الجلاد، لم یتعدی کونه إشارات کلیة وتكرار لما تكتبه صحف النظام بکثرة، ویعرفه عامة الشعب.

أي أنه لم يقل أي شيء جديد ولم يعلن عن أي خط أو سياسة جديدة، ولم يلم سوى حكومة روحاني بشکل طفیف على الخصخصة وتهريب السلع.

غرض رئيسي من المقابلة التلفزيونية

إذن السؤال هو، ما الغرض من ظهور رئيسي في هذه المقابلة التلفزيونية مع كل ما صاحبها من دعاية مدویة؟

تدلّ تصریحات رئيسي علی أنه أراد إنهاء مسرحیة مكافحة الفساد التي أخذت تؤدي إلی مسارات ضیقة وقضایا بالغة الحساسیة لا یحبذ النظام الإيراني الکشف عنها، کما أراد السیطرة علی مستنقع الفضائح المتعفن الذي عمّت رائحته النتنة الأجواء في الآونة الأخیرة کاشفةً عن جثة القاضي منصوري الذي لقی حتفه بشکل مجهول.

الأمر الذي لم یعد مفاجئاً بالنسبة للآخرین بل غدا تجربة مکررة ومألوفة، حیث یشنّ النظام حملة لمكافحة الفساد أشبه ما تکون بمسرحیة، وما یلبث أن یضطر إلی إنهاء تلك المسرحیة علی عجل لأنها تقود مباشرة إلی رأس النظام وشخص خامنئي بالتحدید.

وفي هذه المرة، أراد خامنئي أن یجعل من المعمم آملي لاريجاني کبش فداء في سبیل تبييض صورة النظام وتلمیع صورة رئيسي من خلال إطلاق مناورة مکافحة الفساد المزیفة هذه، لكن تصریحات رئیسي برهنت عن مدی عجز الولي الفقيه وعدم قدرته على محاولة النیل من آملی لاريجاني.

تجدر الإشارة إلی أنه في نهاية فترة رئاسة آملي لاريجاني للقضاء وعندما حاول الشيخ محمد يزدي، بإیعاز من خامنئي، النیل من آملي لاریجاني وأثار قضیة الفساد المستشري في القضاء، هدده لاريجاني قائلاً بأن "صدري هو مخزن أسرار النظام"، وکانت هذه العبارة القصیرة کفیلة بتراجع یزدي ولجم لسانه.

السبب الآخر وراء إنهاء رئیسي مسرحیة مكافحة الفساد، یکمن في أن الخطوتين اللتين اتخذتا في هذا الاتجاه قد کشفتا عن فضیحة وقذارة وعفن بحجم مقتل القاضي منصوري. وعلى الرغم من أنه لم يتضح بعد بالضبط من قتله وكيف.

ولكن أیاً کانت من العصابات والمافیات الحاكمة، فإن ذلك یکشف عن مصالح ضخمة تتطلب تصفیة هذا المجرم والتخلص منه حتی وإن کان في بلد أجنبي، مما یضاعف احتمال الفضیحة ویزید من التکلفة السیاسیة للأمر، بغیة طمس الأدلة التي تقود إلی الحقائق.

ومن المثير للاهتمام أن الجلاد رئيسي، الذي تشدّق بصراحة وشفافیة في مقابلته المتلفزة لدرجة أنه أطال الحدیث في عدّ محاسنهما، لم يذكر مقتل القاضي منصوري، الذي كان قاضياً في القضاء الإیراني لأكثر من 30 عاماً، كما لو لم يحدث شيء.

نعم، إن النظام هشّ ومتأزم للغایة لدرجة أن هکذا عروض ومناورات من شأنها أن تؤدي إلى انفجار هائل یخرج الأمور عن سيطرة النظام.

وبهذه الطريقة، أنهی رئيسي، بأمر من خامنئي، مسرحیة محاربة الفساد التي بدأها بأمر منه والتي رافقها زخم إعلامي واسع.

لأن هذه المسرحية تسببت في فوضى عارمة عادت علی النظام بعواقب وخیمة لدرجة اضطرت الولي الفقیه إلی سدل الستارة وإنهاء المسرحیة التي کانت أشبه ما یکون بدمل أعمل فیه مبضع حاد فأخرج قیحه وصدیده.

 

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة