الثلاثاء, مايو 7, 2024
الرئيسيةأخبار وتقاريرالعالم العربيکيف يخاطر المتطوعون لإيصال الطعام إلی نصف مليون محاصر بالغوطة؟

کيف يخاطر المتطوعون لإيصال الطعام إلی نصف مليون محاصر بالغوطة؟

0Shares

 

في أحد أقبية الغوطة، تَحلَّق مجموعة من الأهالي المحاصَرين حول 3 شباب يوزعون عليهم ساندويتشات لبنة وشاي، ورغم بساطة الوجبة فقد بدت مثل وليمة فاخرة؛ نظراً إلی ظروف المحاصَرين الذين لم يأکلوا شيئاً منذ أکثر من 20 ساعة.
ساندويتش اللبنة، الذي يلتهمه الأطفال والشيوخ بنهم، کاد يکلِّف شابين حياتهما، فيما يشبه العملية الانتحارية استطاعا الخروج من الأقبية رغم قذائف الطائرات والمدافع، والتحرک وسط أطنان من الإسمنت والخراب حتی أحد المخازن؛ من أجل تأمين کيلوغرام من دقيق الشعير ولبنة وشاي، ثم العودة إلی مقرهم سالمين غانمين، کما تصف الناشطة بايان.
 
في القبو، خبزوا الشعير وأعدوا الساندويتشات. اعتقد المحاصرون أنهم سينعمون أخيراً بلحظة هناء، لکن ذلک کان من المحال؛ إذ علی بُعد 100 متر فقط من مخبئهم ألقت طائرة قذائفها، رغم الهدنة التي اتفق عليها مجلس الأمن يوم السبت 24 فبراير/شباط 2018.

من لم يمُت بالقصف.. مات جوعاً!

“شو بدنا نطبخ اليوم؟”، السؤال يبدو لنيفين بعيداً جداً، تتذکر کيف کانت تسمعه کل يوم من جدتها وأمها، وکيف استخدمته هي فيما بعد مع أسرتها.
السؤال صار يُوجعها اليوم، کما تکتب علی صفحتها بـ”فيسبوک”. المحاصَرون في الأقبية صاروا يطرحون السؤال، ليس للاختيار، وإنما بسبب أن توفير لقمة قد أصبح شبه مستحيل، المخازن التي اعتادوا رؤيتها مملوءة بخيرات أراضيهم فرغت، والمحلات أقفلت، وتمر ساعات طويلة قبل أن تصلهم مساعدات أو تبرعات فيما يشبه المعجزة.
وکان مجلس الأمن الدولي قد وافق، مساء السبت 24 فبراير/شباط 2018، علی قرار بوقف الأعمال القتالية في سوريا بشکل فوري، مدة 30 يوماً.
ونصَّ القرار علی وقف الأعمال القتالية بسوريا، وخاصة في مدينة الغوطة، التي يشن نظام الأسد، علی مدار أکثر من 10 أيام، هجمات عليها، خلَّفت مئات القتلی والجرحی، وأيضاً علی إدخال المساعدات الإنسانية لکلِّ المناطق المحاصَرَة في سوريا، ومن ضمنها الغوطة.
ورغم القرار الصادر، فإن نيفين وأهلها المحاصَرين لم تصل لهم أية مساعدات؛ لا أکل ولا تدفئة ولا ماء صالحاً للشرب، مما يصعب عليهم عملية البقاء علی قيد الحياة، لتردِّد الناشطة السورية مقولة أحد الشعراء: “من لم يمت بالقصف مات بغيره”.
ويتساءل سکان الأقبية في الغوطة کم من الوقت سيستطيعون تحمُّل الجوع والعطش والبرد، خاصة الأطفال والشيوخ منهم، “الساعة الثانية وسبع عشرة دقيقة بتوقيت الغداء العالمي.. صحة وهَنا”، تعلق نيفين علی صفحتها بمرارة.

بعض الأمل وسط الخراب..

وإذا کان قبو نيفين وأهلها مظلماً وکئيباً، فإن الوضع کان مختلفاً بعض الشيء في قبو الناشطة الإعلامية ورد، شعَّ بعض الأمل بعد وصول تبرعات، شملت بطاريات مشحونة وطعاماً، وأيضاً أدوية وعلاجات أولية.
مع الضوء، شبعت البطون أخيراً، فقد أسهم الشباب في توزيع الدقيق المتبرَع به علی النساء؛ لخبزه علی مدافئ الحطب، وإطعام العائلات الجائعة في الأقبية.
کما تنقل بعض الأطباء بين الأقبية، وقاموا بجولات فحص عام للأطفال، رغم کثافة القصف وخطورة التنقل في الطرقات تحت القصف.
هذه المؤشرات جعلت ورد تشعر ببعض القوة والأمل، کما تقول: “استرجعت قوتي اليوم عندما علمت أن الطعام بدأ يصل للأقبية بهمة شباب غوطتي الأحرار”.
وشارک العديد من سکان الغوطة، وحتی الأطفال، بحملة لتنظيف الأقبية ونظموا غرفة صغيرة لکل عائلة، أغلقوها ببعض الستائر والأقمشة التي تطايرت مع جدران منازلهم جراء القصف.. کانوا يصنعون من “موتهم حياة” تکتب ورد.

ضيوف الفجر

المساعدات التي أبهجت قبو ورد، أسهم في وصولها إليهم متطوعون يخاطرون بحياتهم في سبيل تنفيذ مهمتهم، فمع فجر کل يوم يخف القصف.. يتجمع الشباب المتطوعون في المقر الرئيسي، حيث يتم إعداد المواد الأساسية التي تحتاجها کل منطقة حسب المتوافر، لينطلق کل متطوع إلی منطقته.
رحلة المتطوع تکون محفوفة بالمخاطر؛ فطائرات النظام تتصيد تحرُّک المتطوعين، لتنهال عليهم بقذائفها، “في عنا (عندنا) متطوع انصاب بحروق بوجهو”، يقول متأثراً أحدُ المشارکين في عملية توزيع المساعدات.
المواد الموزعة علی العائلات المحاصَرة لا تقتصر علی الطعام والتدفئة، فقد يحدث أن يحصل الأطفال المحظوظون علی بعض البسکويت واللعب، کما يحکي الفاعل الجمعوي عاطف نعنوع، فقد استطاعوا التغلب علی الخوف الذي يسکنهم من القصف والموت، والوصول إلی أقبية أطفال لم يغادروها منذ أيام، ووزعوا عليهم قطع الحلوی واللعب معهم، “نوزع عليهم بسکويتاً ونلعبن شوي وننسيهن الأسی اللي عايشينو”.
ورغم أن الغوطة محاصَرة منذ 5 سنوات، فإن الکثير من المنظمات استطاعت أن تفتح فروعاً لها في المنطقة؛ من أجل مساعدة المحاصَرين، کما أن بعض التجار استطاعوا عقد صفقات مع النظام؛ من أجل الحصول علی مواد غذائية مختلفة، عبر تقديم عمولات ورشی عن کل کيلوغرام من هذه المواد، مما يجعل سعرها يصل إلی 10 أضعاف السعر الأصلي أو أکثر، “مين قادر منا نحن اللي عايشين حياة طبيعية يشتري کيلو الرز مثلا بـ10 دولارات أو 20 دولاراً؟!”، يتساءل عاطف نعنوع.
مشاغل الکبار وهمومهم هذه لا تعني طفلة عمرها 5 سنين في القبو.. استغلت جو الهدوء وانقطاع القصف للحظات، لتسأل أمها: ماما مابدک تتنفسي؟
لم تعرف أمها بماذا تردُّ عليها، کانت تعرف أن طفلتها تطلب منها بذکاء الأطفال وبراءتهم أن تخرج معها لباب القبو حتی تری الدنيا ونور الشمس، والأم ما بيدها حيلة.. تخاف من عودة شبح الموت المخيم فوقهم، فالهدنة الموعودة کانت مجرد.. “کذبة”، تختم نيفين بمرارة.
نقلا عن هاف بوست عربي

 

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة