مناورات مكشوفة
استخدم نظام الملالي في إيران كافة تكتيكاته، واتخذ مختلف إجراءاته لإطفاء بؤرة التوتر في آبادان اثر انهيار مبنى متروبول، بدء من إرسال حرسه الخاص ومرورًا بإقامة مراسم حداد، وذرف دموع التماسيح على الضحايا.
انتشر قطعان الباسيج، بدأت إذاعة وتلفزيون النظام، اللذان يطلق عليهما المواطنون “عارنا” بثًا مباشرًا لوقائع مسرحية الحداد إلى جميع أنحاء البلاد، اعتلى عضو مجلس خبراء النظام المعمم حيدري المنصة ليتحدث عن “البصيرة التي يتحلى بها أبناء أبادان” وقوبل بصرخات “يا عديم الشرف” التي أطلقها الأهالي، مما اضطر التلفزيون لقطع البث المباشر .
انقلب السحر على الساحر حين رفع أهالي آبادان شعارات “هيهات منا الذلة” و”ليرحل الملالي” وهاجم الشباب القوات القمعية بشعار “أقتل من قتل أخي” لتتحول أرض آبادان إلى ميدان معركة، كر وفر بين المواطنين والقوات القمعية.
استخدم النظام تجاربه في الخداع لاحتواء المجتمع ومنع الانتفاضة، بعد إدراكه عدم جدوى القمع وحده في الحد من ردود الفعل الغاضبة، لكن تطورات الأوضاع في أبادان أظهرت غياب الدقة في تقييماته، فقد بلغت الظروف والأوضاع المتفجرة في المجتمع وتأثير قوة الطليعة في دفع الأمور نحو الانتفاضة الحد الذي لا تجدي معه المناورات.
أعادت ردود فعل أهالي آبادان إلى الأذهان الثغرات التي يقع فيها النظام خلال مناوراته لإطفاء بؤر التوتر التي تشهدها البلاد وتطويق الانتفاضات لمنع انتشارها في مناطق أخرى من البلاد، ففي كانون أول الماضي أرسل خامنني عناصره إلى أصفهان لحرف مسار احتجاجات المزارعين وإبداء التعاطف معهم، لكن رياح الأحداث لم تكن كما أرادته سفنه.
أدت فجوات إجراءات الملالي في اصفهان إلى ردود فعل عكسية، احتج مئات الآلاف من الناس على مجرى نهر زاينده روى الجاف، مما ألقى الرعب في قلوب قادة النظام، وعندما أرسل خامنئي القوات القمعية لمنع تجمع احتجاجي في الأسبوع التالي، قوبلت قواته بمقاومة المواطنين الذين أحرقوا سيارات ودراجات القوات القمعية.
تنتهي مناورات الملالي ومحاولاتهم حرف مسار الانتفاضات في ظروف ومناخات الغليان الشعبي إلى فشل ذريع، فيما يؤدي القمع العاري إلى مزيد من التجذير ورفع أسقف مطالب التغيير، مما يدلل على بلوغ انسداد أفق الحل أمام نظام ولاية الفقيه ذروته، ولم يبق أمامه سوى التهيؤ للتعامل مع نتائج ما اقترفه على مدى العقود الماضية.
