الإثنين, مايو 6, 2024
الرئيسيةمقالاتالصوت الذي سمعه الشاه متأخرًا!

الصوت الذي سمعه الشاه متأخرًا!

0Shares

كانت قلوب الشعب الإيراني ما زالت مكلومة من مذبحة 8 سبتمبر 1978 (الجمعة السوداء)، ففجأة، في 4 نوفمبر من نفس العام، أدى مشهد آخر على شاشات التلفزة إلى اجتياح الألم لقلوب المواطنين. حيث قام ضباط الأحكام العرفية في عهد الشاه بإطلاق النار المباشر على التلاميذ والطلاب المعتصمين خلف الأبواب المغلقة في الجامعة.

وتجدر الإشارة إلى أن أعضاء هيئة التدريس بالجامعة اعتصموا في 28 أكتوبر 1978 في الجامعىة لمدة أسبوع، فيما يعرف بـ " أسبوع التضامن الوطني". وكان الهدف من هذا الاعتصام المطالبة بإلغاء الأحكام العرفية والإفراج عن السجناء السياسيين، ومعاقبة مرتكبي المذابح، وحل الحرس الجامعي، وعودة الأساتذة والطلبة المفصولين إلى الجامعة". وفي 4 نوفمبر، اقتحم الحرس الملكي الجامعة عندما انضم التلاميذ لهذا الاعتصام وبدأ في ارتكاب المذبحة. وتم بث أفلام من هذه المذبحة على شاشات التلفزة، وشاهد المواطنون هذه المشاهد في ذهول شديد يوحي بأن حدقة العين تكاد تخرج من أجسادهم غير مصدقين ما يحدث من جرائم ضد الإنسانية، وسرعان ما اندلعت الانتفاضة. 

وفي أعقاب هذه المذبحة، سقطت حكومة شريف إمامي التي استمرت لمدة 57 يومًا، وفي 6 نوفمبر 1978 تولت  حكومة أزهاري العسكرية، إلا أن الانتفاضة ضد الشاه كانت قد دخلت مرحلة اللاعودة. وتملك اليأس من الشاه بشكل واضح. ويعتبر تصريحه أثناء لقاءه بالسفير البريطاني آنذاك، بارسونز معبرًا للغاية، حيث قال:   

"نحن نذوب مثل الثلج الملقى في الماء ".

وحلت الحيرة بالشاه والتزم الصمت من العار الذي لحق به كما هو الحال مع خامنئي اليوم، فلا هو قادر على الاستمرار في القمع ولا قادر على أن يقف مكتوف الأيدي. وحل الشاه " حزب رستاخيز (البعث)"  المفضل له في 3 أكتوبر.  وقام أهالي همدان بهدم تماثيله في مفترق الطرق والساحات.  واضطر الشاه إلى الإفراج عن 1226 سجينًا سياسيًا  في 26 أكتوبر. وفي 5 نوفمبر، تم بث رسالة إذاعية تلفزيونية مفادها  " لقدسمعنا صوت ثورتكم". وفيما يلي جزء من هذه الرسالة:

أيها المواطنون الأعزاء، في ظل الانفتاح السياسي الذي حدث تدريجيًا منذ عامين، قمتم يا شعب إيران المجيد بالثورة على الاضطهاد والفساد. ولا يمكنني بوصفي ملكًا للبلاد وفردًا إيرانيًا منكم ألا أؤيد ثورة الشعب الإيراني. 

وبوصفي ملكًا لكم حلف اليمين ليحافظ على سلامة أراضي البلاد، والوحدة الوطنية والمذهب الشيعي الإثنى عشري، أكرر قسمي مرة أخرى أمام الشعب الإيراني  وأتعهد بعدم تكرار أخطاء الماضي على الإطلاق، ومن الممكن تعويض الأخطاء بكل الطرق. وأتعهد بتشكيل حكومة وطنية قائمة على الحريات الأساسية وإجراء انتخابات حرة ونزيهة في أقرب وقت ممكن بعد استتباب الأمن والهدوء، حتى يتم تنفيذ الدستور بشكل كامل فدية للثورة الدستورية. وإنني أيضًا أدركت رسالة ثورتكم أيها الشعب الإيراني. 

فأنا حارس الملكية الدستورية، وهي نعمة إلهية منحها الشعب للملك، وأضمن أن أحقق لكم ما ضحيتم من أجله، وستكون  الحكومة الإيرانية المستقبلية قائمة على الدستور والعدالة الاجتماعية والإرادة الوطنية، وبعيدة عن الاستبداد والاضطهاد والفساد.  وفي ظل الوضع الراهن يقع الحفاظ على النظام والهدوء على عاتق القوات الملكية المسلحة التي كانت دائمًا تعتمد على الشعب الإيراني والوفاء بما اقسمت عليه وما زالت؛ بالحفاظ على هويتها الوطنية للحيلولة دون سقوط وانهيار إيران.

 

وفي 11 نوفمبر، قرأ كارتر تقرير سوليفان واستنتج أنه من غير الممكن بقاء الشاه في السلطة.

ومنذ ذلك الحين فصاعدا، كان المواطنون العزل يشتبكون يوميًا في مختلف المدن الإيرانية مع ضباط الأحكام العرفية للشاه وحكومة أزهاري، ولم يمر يوم واحد إلا وسُفكت دماء أبناء إيران في الشوارع . ووصلت هذه الحكومة أيضًا إلى طريق مسدود ولم تستطع أن تنقذ الديكتاتورية من الانهيار. 

وفي 15 ديسمبر، أعد جورج بول، عضو مجلس الأمن القومي الأمريكي والمستشار السياسي للرئيس الأمريكي كارتر، تقريرًا أثناء زيارته لإيران، ورد في جزء منه ما يلي: 

"سقوط الشاه أمر لا مفر منه، ويجب على الشعب الأمريكي الإسراع في توفير وسائل انتقال السلطة ".

وقبل زيارة جورج بول لإيران، كان كل من وزير الخزانة الأمريكي آنذاك، بلومنتال وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، روبرت بيرد، قد زاروا إيران أيضًا وأجريا تقييمات مماثلة للأوضاع في إيران.

وفي 29 ديسمبر 1978، تضرّع الشاه لشاهبور بختيار وشكل حكومة مؤقتة.

وفي 1 يناير 1979، استقال أزهاري من منصبه كرئيس للوزراء، وقال  الشاه في حديثه لبعض الصحفيين أنه سيذهب إلى الخارج للاستراحة إذا كان الوضع مناسبًا.

وكانت هذه المحادثة مقدمة لهروب الشاه من إيران. وبعد أن أقامت أمريكا مؤتمر غواديلوب لتحديد وضع الشاه وإجراء بعض اللقاءات مع ممثلي خميني، قررت انتقال السلطة سلميًا، واتفقت مع قادة الجيش، ومن بينهم الجنرال قره باغي، رئيس أركان الجيش في ذلك الوقت في عهد الشاه، على أن يحول دون وقوع انقلاب عسكري.

وفي 11 يناير 1979، أعلن وزير خارجية كارتر، سايروس فانس، عن ضرورة أن يغادر الشاه إيران وتشكيل مجلس ملكي كبديل له.

وفي 16 يناير 1979، هرب الشاه من إيران. وفي هذا اليوم، احتفل الناس في جميع أنحاء إيران وهدموا  تماثيل الشاه في العديد من المدن. وهذه هي المرة الثانية التي يهرب فيها الشاه طوال حياته. وكانت أول مرة هرب فيها في 16 أغسطس 1953. وشنت وكالات الاستخبارات البريطانية والأمريكية انقلابًا فاشلًا على الدكتور محمد مصدق. وأجبر فشل هذا الانقلاب الشاه على الهروب إلى إيطاليا.    

وتذكرنا نهاية الشاه وانهيار ديكتاتوريته بكرات الثلج التي ألقيت في الماء. وتوضح لنا هذه الحقيقة أن الملالي أيضًا سوف تكون نهايتهم مثل نهاية الشاه. فالديكتاتوريات لن تصمد طويلًا أمام الإرادة القوية للشعب المنتفض. حيث أن العلامات والشواهد التي نشاهدها في الأيام والأشهر الأخيرة لنظام ولاية الفقيه؛ تؤكد في  كثير من الحالات على تشابهها لتجارب وإنجازات الثورة المناهضة للملكية.

وجدير بالذكر أن الذكرى السنوية لهروب الشاه من إيران مبشرة بفرار الملالي من إيران في المستقبل القريب.

 

 

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة