الخميس, مارس 28, 2024
الرئيسيةأخبار إيرانولکن ماذا عن الـ"هولوکوست الإيراني"؟

ولکن ماذا عن الـ”هولوکوست الإيراني”؟

0Shares
درج
6/2/2018
 
بقلم: بادية فحص
 
أصدرت المحکمة الثورية في الجمهورية الإسلامية، منذ أيام، حکماً بالسجن لمدة سبع سنوات ونصف السنة، علی السيدة منصورة بهکيش، بتهمة التحريض علی النظام والتآمر علی أمن البلاد، مضافاً إلی حکم سابق قضی بحبسها خمس سنوات مع الشغل والنفاذ. وبذلک تواجه بهکيش إحدی الناشطات الأکثر شهرة وعناداً في مجال حقوق الإنسان في إيران، حکما مبرماً بالسجن لمدة 11 سنة.
تنشط بهکيش في جمعية "مادران عزادار- أمهات في حداد"، التي انبثقت عن جمعية "مادران خاوران- أمهات مقبرة خاوران"، وهي تعکف منذ ست سنوات علی إعداد ملف حول إعدامات حقبة الثمانينيات، أو ما يُعرف بالهولوکوست الإيرانية.
يطلق الإيرانيون اسم الهولوکوست علی موجة الإعدامات العاتية، التي ضربت کل الأطياف المعارضة لحکم الملالي، والتي بدأت سنة 1983 وانتهت سنة 1988، وأسفرت عن إعدام آلاف المعارضين. حينها، کان النظام الإسلامي في سنوات حکمه الأولی، والحرب مع العراق في أوجها، والخلاف مع منظمة مجاهدي خلق علی مکتسبات الثورة قد وصل إلی مرحلة العسکرة. فلم يجد لحماية نفسه من الضربات التي يتعرض لها، سوی سلاح الإعدام، فأعدم کل من سولت له نفسه المعارضة.
حصدت الهولوکوست الإيرانية وفق أهالي المفقودين 30 ألف ضحية، کانت تهمهم هي الانتماء إلی منظمة مجاهدي خلق ومنظمة فدائيان خلق إضافة إلی تيارات قومية ويسارية وشيوعية. وفي سنة 1988 وحدها، تم تنفيذ حکم الإعدام بحق 4 آلاف سجين رأي خلال شهرين فقط.
کانت جثث الضحايا تدفن تباعاً في مقبرة جماعية، تقع في جنوب شرق طهران تسمی مقبرة خاوران. کانت الجثث تنقل إليها ليلاً، حيث ترمی فوق بعضها بعضا في خنادق طولانية حفرت مسبقاً، ويهال التراب عليها بواسطة الجرافات، لتصبح قبوراً بلا شواهد لآلاف المعارضين والشبان والشابات الذين انتزعوا عنوة من أحضان عائلاتهم، أو اعتقلوا في أماکن عملهم أو في فصولهم الدراسية أو أثناء تنقلهم أو في أي مکان آخر.
کانت الإعدامات تنفذ بشکل سري جداً في قواعد للبسيج علی أطراف طهران. کل صباح يتم نقل مجموعة من المعارضين في باصات النقل العام، معصوبي الأعين موثقي الأيدي، من دون التفکير بتقديمهم للمحاکمة أولاً. کانت الشبهة دليلاً کافياً لإدانتهم بجرم التآمر علی الجمهورية الإسلامية، واتخاذ قرار بإعدامهم. وکانت ترسل قوائم بأسمائهم إلی الإمام الخميني الذي کان يوقع عليها من دون التحقيق فيها.
في البداية، واجه الأمن الإيراني صعوبة في تنفيذ الکم الکبير من أحکام الإعدام، فلجأ إلی الرمي بالرصاص، باعتباره أسرع الطرق وأسهلها. وحين تنبه سکان الأطراف إلی أصوات الرصاص، التي کانت تردد في سماء طهران علی مدی ساعات النهار، انتقل الأمن إلی الإعدام شنقاً حتی تعبت أعواد المشانق، کما يقال.
ظل الحديث عن إعدامات حقبة الثمانينات سراً من أسرار الجمهورية الإسلامية، من يخرقه يلقی المصير المشؤوم. إلی أن أطلقت السيدة نيرة جلالي والدة منصورة بهکيش، مبادرة فردية للبحث عن مکان المقبرة الجماعية، التي دفنت فيها جثث المعارضين، ومن بينها جثث أبنائها الأربعة وابنتها وصهرها، الذين أعدموا سنة 1988. کانت جلالي التي ارتبط اسمها بملف مفقودي الثمانينيات، وتحول إلی رمز لأکثر القضايا تعقيدا في حياة الجمهورية الإسلامية، قد شعرت باکرا بالفاجعة، التي ألمت بأسرتها.
تقول ابنتها منصورة إن والدتها ذهبت بعد أيام قليلة من اعتقال أولادها إلی سجن "إوين" لتقديم طلبات زيارة فتمّ طردها. ثمّ عادت في اليوم التالي، فأخبرها رجال الأمن أنه من غير المسوح مقابلة السجناء، وطردوها مرة أخری. بعدها قررت أن تتقصی بنفسها عن مصير أبنائها، وقد أوصلها البحث إلی شخص علی اطلاع بما يدور في سجن "إوين"، فأخبرها أن النظام قرر إبادة المعارضين في السجون ولن يخرج أحد منهم حياً، وإذا کانت تريد معرفة مصير أبنائها فليس لها إلا المقابر.
کانت وجهتها هذه المرة مقبرة بهشت زهراء في جنوب طهران، رافقها في رحلة البحث هذه مجموعة من النساء اللواتي فقدن أعزاء لهن خلال موجة الإعدامات، فتوزعن إلی مجموعات، للقيام بمسح شامل لشواهد القبور، علهن يحصلن علی خيط أمل. وهناک التقت بأحد موظفي سجن "إوين"، الذي أخبرها عن مقبرة خاوران، والتي سرعان ما اهتدت إليها.
من مقبرة خاوران بدأت جلالي، تعري انتهاکات الثورة الإسلامية، وتکشف يوماً أثر يوم هول الجريمة المنظمة التي ارتکبت علی مدی خمس سنوات بحق المعارضين، فأسست جمعية "أمهات مقبرة خاوران" التي کانت المنبر الأول والوحيد لعائلات الضحايا، واستطاعت في فترة قياسية تحريک الرأي العام وتخويف النظام، فرد النظام بمنع الأمهات زيارة المقبرة حتی في الأعياد، ومن تکسر الحظر يلاحقها الأمن ويقتادها إلی السجن.
مضی علی وفاة جلالي أربع سنوات، رحلت من دون أن تهتدي إلی قبور أبنائها الأربعة وابنتها وصهرها، کان زوجها قد سبقها بسنوات بعد انهياره نفسياً، من فرط حزنه علی أولاده، قبل رحيلها سلمت جلالي الراية لابنتها منصورة، التي تقود جمعية "أمهات في حداد".
في العام 2009 بدأت منصورة بهکيش بتنظيم زيارات يومية للأمهات إلی مقبرة خاوران، والمطالبة هناک بمعرفة مصير الضحايا، وبعد فوز الشيخ حسن روحاني برئاسة الجمهورية، وجهت إليه رسالة اعترضت فيها علی تعيين مصطفی بور محمدي وزيرا للعدل في حکومته کونه من المتورطين في ملف الإعدامات. وطالبته بتحريک الملف، خصوصاً بعد تسريب أحمد منتظري، شريطاً تسجيلياً ينتقد فيه والده الشيخ علي حسين منتظري، هذه الاعدامات ويصف منفذيها بالمجرمين، ويؤکد أنه في 1988 تمّ إعدام أکثر 3 آلاف سجين رأي.
حتی الآن لم يعترف النظام بالعدد الحقيقي لضحايا إعدامات الثمانينيات، وهو بالکاد يعترف بحصولها، ويدعي أن هذه الأخبار ما هي إلا اختلاقات مخيلات مريضة تريد تشويه الثورة، ويعتقل کل من يحاول تحريک الجمر تحت رماد هذه القضية، من بينهم منصورة بهکيش.
 أغلب منفذي إعدامات الثمانينيات أو الهولوکوست الإيرانية، مازالوا علی قيد الحياة، ومنهم من صار وسطيا مثل وزير العدل الحالي مصطفی بور محمدي، ومنهم من يتمتع منذ ذلک الوقت بنعيم السلطة مثل موسوي خوئيني ومحمد اسماعيل ششتري وعبداله نوري، ومنهم من ترشح لرئاسة الجمهورية مثل ابراهيم رئيسي، ومنهم من مات بدون محاسبة مثل صادق خلخالي وموسوي أردبيلي.
مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة