الأربعاء, مايو 1, 2024
الرئيسيةمقالاتنبراس في الظلام

نبراس في الظلام

0Shares

بقلم: عباس داوري
 
في يوم 20 كانون الثاني عام 1979 كانت جمعية الطلبة المسلمين في فرنسا قد عقدت جلسة لمناشدة إطلاق سراح بقية السجناء السياسيين في سجون الشاه. فحضرت أنا أيضًا هذه الجلسة بعد أن سافرت إلى باريس لإنجاز مهمة هناك. في مدخل الجلسة وبجانب منبر الخطاب كانت صورتان كبيرتان لمسعود تلفتان النظر كرمز للسجناء السياسيين. عندما دخلت الجلسة كان المرحوم حسين رجوي والد مسعود يلقي الخطاب في الجلسة.كان يردد خلال حديثه أشعارًا أنشدها والد الشهيد على ميهن دوست في رثاء ابنه. كان الدكتور صالح رجوي هناك أيضًا.

لأسباب مختلفة لم أكن أقدم نفسي لهم ليعرفوني وكنت أتابع من زاوية من القاعة ما يجري فيها. عند ما كان المرحوم والد مسعود رجوي يتحدث تذكرت أنا تلقائيا بمجريات وأحداث عام 1975 وهي تتعاقب مرورًا بذاكرتي… ففي شهر أيلول عام 1975 نقلوني من سجن «عادل آباد» بشيراز إلى سجن اللجنة المشتركة لـ «سافاك» (مخابرات الشاه) والشرطة في طهران واقتادوني إلى الزنزانة الثالثة من القفص السادس. ومنذ يوم 20 تشرين الأول عام 1972 الذي كنت قد فارقت فيه مسعود في سجن «قصر» لم أكن أره من جديد. كما وبسبب ظروف السجن في شيراز كنا نجهل ما يجري في السجون الأخرى. وبالرغم من المراقبة الشديدة للسجناء من قبل «سافاك» حتى لا يتكلم السجناء ولا يسمع السجناء الآخرون صوتهم¡ فكنا عادة نجهر بإطلاق كلمة أو عبارات في قفص يضم عدة زنزانات ليتعرف علينا الآخرون. فأنا وبعد دخولي الزنزانة ناديت الحارس عدة مرات بلكنتي الخاصة. بعد مرور أيام على ذلك، رأيت على جدار مرافق السجن اسمي الحركي الذي كان يعرفه عدد قليل فقط في المنظمة وبجانبه رسالة قصيرة قائلة (تعال وخذ من تحت الباب). لم أكن أريد أن أقتنع بأنهم نقلوا مسعود أيضًا إلى سجن اللجنة وهو الذي كتب هذه الرسالة ، لأني كنت أستطيع بحد ما أن أتصور ماذا سيفعلون به في سجن «اللجنة .»

ولكن أعمال وتصرفات العدو اللدود وقوانينها كانت موجودة خارج رغباتنا وكان عدو الشعب يرتكب جرائمها بلا هوادة … كانت ضغوط السافاك على مسعود تشدد وتكثف يومًا بعد يوم ليتمكن من إخماد هذه الشعلة المتقدة في حركة نضال الشعب الإيراني. سمعنا يومًا ما أن المدعو «عضدي» رئيس المستجوبين في سجن اللجنة وبتلك الجسامة الشيطانية التي كانت تتسم بها قد ضرب بوحشية على رأس مسعود وأسقطه على الأرض، فبذلك كان مسعود وبتحمله أبشع أساليب التعذيب الجسدي والنفسي قد أبقى شعلة المقاومة متقدة بأيديه… في أوائل شهر آذار (مارس) عام 1977 نقلوني إلى فناء سجن اللجنة وهم كانوا قد ألقوا لباس السجن على رأسي. فقال لي المدعو «منوتشهري» (منوتشهر وظيفه خواه) الجلاد المعروف وبلهجة شقاوية خاصة له: «ارفع غطاء رأسك»… كم أكن أر مسعود منذ ثلاثة أعوام ونصف العام وكنت قد سمعت الأخبار الخاصة بحالات صداعه الشديد الناجم عن ضربات «عضدي» على رأسه وكذلك النزيف في معدته… في قاعة المراسيم الخاصة للسجناء بباريس حدقت عيناي إلى وجه المرحوم حسين رجوي ولكن ذهني كان مشغولاً بذكريات كما لو كانت ماثلة أمام عيني. فإذا بأحد الحضور يقترب مني سائلاً: هل اسمك الحقيقي فلاني؟ سألته: ماذا حدث؟ قال: «اتصلوا من الداخل هاتفيا يطلبون شخصًا بهذا الاسم، أنا أعرف جميع الحضور ولا أعرف سيادتك فقط لأني لم أكن قد رأيتك حتى الآن»… عندما وصلت إلى جهاز الهاتف كان الاتصال قد انقطع. قالوا لي، انتظر، سوف يتصلون مجددًا. كانت لحظات الانتظار تمر بصعوبة ، كنت قلقًا مشغول البال بأنه ماذا حدث؟ حتى رن الهاتف من جديد.

كان أحد الرفاق يصرخ من وراء الخط قائلاً: أطلق سراح جميع الرفاق من السجن… اكتب رقم الهاتف هذا. سوف يصل مسعود إلى موقع هذا الرقم بعد ساعة . إنه يريد أن يتحدث معك… تسمرت في مكاني. لم أكن أصدق ما كنت أسمعه. قلت مرارًا: كرّر، كرّر ما قلت…! كنت أشعر بالقلق والاضطراب في ذهني ولم يكن يهدأ بالي. كنت أحاول أن أتصور في ذهني لحظات مغادرة مسعود السجن. كنت أقول بنفسي: ليتني لم أجيء لهذه المهمة … أية لحظة يمكن مقارنتها مع لحظة خروج مسعود من السجن؟ ليست المسافة بين خارج السجن وداخله بقدر جدار أو عدة أمتار فقط، وإنما هو التاريخ الحديث لشعب انتظر الإفراج عن شخص اتخذ من جسده ونفسه نبراسًا في الظلام الدامس يضيء درب تحرير شعبه. ليتني كنت هناك ورأيت دموع الفرح بأم عيني، ليتني كنت هناك ورأيت وجوه الأمهات اللواتي كن يرين أولادهن في مسعود. لقد تفجرت وتفتحت طاقة هائلة وتورق تاريخ الثورة المستجدة لشعبنا. يا ليت شخصًا كان يستطيع أن يروي ويصّور لي تلك اللحظات الخالدة. بعد أن عدت إلى القاعة ،كانت الجلسة قد انتهت. بحثت عن والد مسعود والدكتور صالح رجوي. فنقلت الخبر إليهما ولكنهما لم يصدقا. قال الدكتور صالح: «إني أراك للمرة الأولي،من سيادتك؟»، قدمت نفسي. فلم يتريثوا وذهبنا جميعًا إلى منزل الدكتور صالح.كان صوته، نعم هو نفسه، صوت مسعود الذي كان يتحدث وراء خط الهاتف.

 

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة