مقالات

التوغل الإيراني في أسبابه ونتائجه

 

الحياة
10/6/2016

بقلم: خالد غزال

 لا ينفصل التصعيد الإيراني عن جملة الصراعات المعتملة داخل منظومة السلطة العليا. فالانتخابات التي أجريت في الأشهر الأخيرة لمجلس الخبراء والبرلمان أتت بنتائج مغايرة لما کان المرشد يرغب فيه مع فريقه ومع الحرس الثوري الذي يخضع له.
يدرک أقطاب السلطة الإيرانية، محافظين ومعتدلين، أن ترجمة التوازن الداخلي الجديد لمصلحة الإصلاحيين، عملياً، قد تتسبب بنزاعات لا تبقی مضبوطة داخل الإطار السلمي، مما يعني تعريض إيران الی ما بات يعرف بـ «السورنة أو اللبننة»، وهو احتمال ناجم عن طبيعة التناقضات داخل المجتمع الإيراني وبين مکوناته العرقية والإثنية والطائفية. لذا سعی الجميع، ولا يزالون، لإبعاد کأس الانفجار الداخلي الی أقصی مدی. وعلی غرار جميع الأنظمة التي تعاني أزمة داخلية مستعصية، عملت إيران علی نقل الأزمة وتصريفها خارج حدودها، فمدت أذرعها الی العراق وسورية والبحرين واليمن ولبنان، حيث لا خلاف في المصالح بين المحافظين والإصلاحيين تجاه التدخل في هذه البلدان. لذا لا يتوقع أن تعمد إيران الی الحد من تدخلها في المرحلة المقبلة، طالما أن مکاسب تتصل بتأجيل الانفجار الداخلي تتحقق من هذا التوسع.

لکن الأمر الأخطر الناجم عن التدخل الإيراني في أکثر من قطر عربي، وخصوصاً منه في العراق وسورية، فهو المتصل بالأبعاد الاستراتيجية والأهداف السياسية المباشرة. تقوم الأيديولوجيا الإيرانية علی نظرة الی العالم العربي ليس انطلاقاً من هويته القومية والوطنية، بل من خلال الانتماء المذهبي والطائفي للفرد العربي.

منذ قيام الثورة الإيرانية، ترافقت سياستها تجاه المنطقة مع استحضار الصراعات المذهبية ذات الأبعاد التاريخية، وکأن الثورة أتت لتنتقم من التاريخ القديم، فسعّرت من الخطاب المذهبي، ونصّبت الولي الفقيه ولياً علی المسلمين جميعاً، واضعة لغماً من خلال تسييد المذهب الشيعي علی سائر المذاهب السنية.

وعندما احتل الأميرکيون العراق، تقاطعت المصالح الأميرکية والإيرانية عند هدف أساسي عنوانه تحطيم الدولة العراقية من خلال إلغاء الجيش ومؤسسات الدولة، والتوجه نحو تقسيم العراق علی أساس طائفي وعرقي. يتوافق هذا التوجه مع الاستراتيجية الإيرانية التي تعيد تصنيف العرب علی قاعدة هوياتهم الطائفية وجعل المواطن منتمياً الی المکونات العصبية من قبلية وعشائرية، وهي استراتيجية تهدف في الأساس الی منع قيام دولـة ذات مقومات سيادية وسلطة علی الأرض.

أمکن للتحالف الأميرکي – الإيراني تحقيق هذا الهدف، فتحولت الدولة العراقية الی دويلات، وانفجرت فيها الصراعات المدفونة والمکبوتة، مما جعل کل مکوّن عراقي في حاجة الی خارج يدعمه. لذا لم يکن غريباً أن تتنطح إيران للهيمنة علی العراق المقسّم تحت عنوان حماية الطائفة والمقامات، کما لم تر إيران في انحياز الطوائف السنية الی تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» أي أخطار، بل علی العکس، رحبت بهذا الانحياز وساعدت علی تمکين «داعش» من السيطرة علی أقسام واسعة من الأراضي العراقية، مما يعطيها المبرر الأکبر للوجود العسکري داخل العراق، تحت حجة ادعاء محاربة الإرهاب.

أما في سورية، فالتوجه الاستراتيجي للهيمنة علی البلد هو نفسه التوجه في العراق. يعطي التدخل الإيراني عنواناً له حماية المقامات الدينية والطوائف المنتمية الی المذهب الإيراني. اما التمسک ببقاء الرئيس الأسد، فهو نابع من کون الرئيس ينتمي الی المذهب الذي ترعاه إيران وتدعمه، وسط بلد يغلب علی سکانه المذهب السني. لذا ترکز إيران علی تسييج وبناء دويلة ذات طابع مذهبي صاف في سورية، لها امتدادات لبنانية بحکم الجغرافيا، وتصر علی دور کبير لميليشياتها، بما يؤجج النزاع المذهبي علی الـــمدی الأبعــد، ويفکک الدولة السورية بالکامل.

لم يکن للاستراتيجية الإيرانية أن تنجح خطتها التفکيکية حتی الآن، لولا التناقضات التي تعتمل داخل المجتمعات العربية الناجمة عن العسر في الاندماج الاجتماعي، وعن سيطرة الاستبداد ومسؤوليته في الإعاقة، إضافة لاستعصاء هذه المجتمعات عن الدخول في الحداثة والإفادة من منتجاتها. لذا يبدو الصراع مديداً ومنجدلاً بين السعي الی إزالة التدخل الإيراني من جهة، وإعادة استنهاض مشروع وطني وقومي في المنطقة من جهة أخری.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى