مقالات

رسائلنا ما تشاهدونه، لا ما تقرأونه

 
اذاعة آلوان
26/5/2016
 بقلم: لونا وطفة
 انعقدت يوم الثلاثاء في السابع عشر من الشهر الخامس للعام الحالي أولی اجتماعات مجموعة دعم سوريا العالمية في فيينا، والتي تهدفُ کما وردَ في بيانها الرسمي الصادر في التاسع من الشهر، إلی دعم التسوية السياسية في سوريا، ومحاولة فرض هدنة دائمة وشاملة لجميع المناطق، وتعزيز إيصال المساعدات الإنسانية علی نطاقٍ أوسع.
رَأَسَ الاجتماع وزير الخارجية الامريکي جون کيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف. لکن ما آثار سخط السوريين ليس ترأس وزير الخارجية الروسي لهذا الاجتماع، فقد أوضح البيان المشترک أن وجود روسيا هو محاولةٌ للتأثير علی النظام السوري من خلال حليفه، لجهة القبول بالحل السياسي في حال الاتفاق عليه. وبرغم ما تقوم به روسيا من ضربات جوية يومية في سوريا، وتدميرٍ وقتلٍ ممنهج للسوريين في عدة مناطق، وخاصة الشمالية منها، يبقی لروسيا «شئنا أم أبينا» القدرة فعلاً علی التأثير السياسي في القرارات المتخذة للفترة المستقبلية القريبة في سوريا.
ما أثارَ سخط السوريين حقاً، هو وجود محمد جواد ظريف وزير خارجية إيران في هذا الاجتماع، حيث أن إيران لا تملک أي قدرةٍ علی التأثير المباشر علی أي قرار سياسي، ولا تملک الوزن الدولي الذي يسمح لها بفرض وجودها في مثل هذا الاجتماع کما روسيا، علاوةً علی ذلک فهي تشارک باحتلال سوريا وقتل شعبها بما لا يقل عن 70 ألف مقاتل تعددت مصادرهم، ما بين قوات الحرس الثوري والباسيج والميليشيات العراقية والأفغانية واللبنانية والباکستانية والفلسطينية، وفق معلومات مسرّبة من داخل النظام الإيراني قامت بنشرها شبکة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، ولا تزال أعداد المقاتلين المرتزقة في ازديادٍ منذ بداية الثورة السورية وحتی الآن.
ما حدا بکثيرٍ من الناشطين السوريين الذين لازالوا في الداخل السوري لحمل رسائل موجهة لمجموعة داعمي سوريا، مذکرةً إياهم بجرائم النظامين الإيراني والروسي في سوريا، وضرورة محاسبتهم لا دعوتهم إلی هذا الاجتماع، وبأنه وبمجرد دعوتهم، فإن الأجدر أن يسمی هذا الاجتماع: مجموعة مدمري، لا داعمي، سوريا العالمية.
کذلک شارکَ ناشطون إيرانيون بمظاهرات سلمية في العاصمة النمساوية فيينا، رافعين رسائل السوريين وشعاراتٍ ترفض وجود وزير خارجية النظام الحاکم في إيران.
لم تکن الرسائل الموجهة من الداخل السوري سهلةً ککتابة نصٍ ما وطباعته ومن ثم حمله وتصويره کما يتخيل المرء، أو کما يفترض به أن يکون، بل کان الأمر أعقد من ذلک بکثير.
من داخل الغوطة الشرقية وحي القابون الدمشقي، کانت أصوات الناشطين السوريين المتابعين لاجتماعات الدول الأعضاء في المجموعة، تحاولُ أن تجد مکاناً آمناً لتصل إليهم بعيداً عن رصاص الفصائل المتقاتلة هناک من جهة، وبعيداً عن قصف النظام السوري من جهة أخری.
 ومن معرّة النعمان، کانوا لا يزالون ينفضون عن أنفسهم قهر الأنقاض والمجازر، وهم يحملون الرسائل، وينظرون بترّقبٍ إلی السماء المحمّلة بموتهم.
ومن الرقة التي لازالت تتعرض للقصف اليومي والانتهاک وسفک دماء أهلها من قبل داعش التي احتلتها وأعلنتها عاصمةً لها، لم يکن هيّناً إرسال رسالةٍ لأصدقاء سوريا دون التعرض لخطر قصف أو قتل أو اعتقال.
 من حماة وريفها أيضاً، المدينة الواقفة علی رؤوس أصابعها، المتوجسة لمجزرة قد يرتکبها النظام بمعتقليها في سجن حماه المرکزي، دون أن تستطيع حتی أن تعبر عن خوفها من ذلک الأمر، لشدّة الانتشار الأمني الخانق فيها.
کذلک من حلب، المدينة التي لا تزال دامية المقلتين إثر مجازرها التي لم تنتهِ بعد، والتي حاولت هزيمة الموت برسائل تبعثها إلی أصدقاء الشعب السوري، لتقولَ لهم من يقتلها وکيف.
وبالفعل، فقد تناولت صفحات الإعلام الغربي العالمية رسائلَ السوريين من الداخل وتحدثت عنها، ومن بين تلک المواقع فايس نيوز الأوربية، ذا لوکال النمساوية، سيبا الفرنسية. إلا أن المستحيل کان أقوی من وصول رسائل حلب إليهم، فبين کتابتها وطباعتها حدثت مجزرة جديدة في حي السکري، أوقعت ستة أبينة فوق رؤوس قاطنيها دفعةً واحدة، فهرع أهلها لإنقاذ ما يمکن إنقاذه من تحت الأنقاض.
في کل المدن السورية المذکورة، اختارَ الناشطون أن يغيبوا اسم المرسِل عن بريدهم، وأن يکونوا رسائلَ بأجسادهم المعرضة في کل لحظة لخطر القتل الروسي والإيراني، الذي يتشارکُ مع «أصدقاء سوريا» طاولةً واحدةً ومصيراً مجهولاً واحداً، ليثبتوا أن رسائلهم هي ما يشاهده العالم، لا ما يقرأه.
شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى