الجمعة, أبريل 19, 2024
الرئيسيةأخبار وتقاريرالعالم العربيكيف تحول الفساد إلى لعنة على العراق؟

كيف تحول الفساد إلى لعنة على العراق؟

0Shares

بقلم: ستروان ستيفنسون

كان من المفترض على العراق ، ذلك البلد العائم على بحر من النفط ، إعادة بناء بنيته التحتية التي دمرتها الحرب واستعادة اقتصاده، لكن مواقع البناء لا تزال معطلة، حيث ينتشر في أفق بغداد منظر الرافعات الصدئة، كما أن الطرق والجسور مهترئة وممتلئة بالحفر، فيما لا يزال انقطاع التيار الكهربائي هو السائد، حيث يعاني الشعب العراقي من عدم وجود تدفئة في الشتاء وعدم وجود مكيفات في درجات حرارة الصيف الحارقة.

وفي حين يعتمد الأثرياء على مولدات مملوكة للقطاع الخاص بما يكفي للحفاظ على ثلاجاتهم وشحن هواتفهم المحمولة، ومع تدهور البنية التحتية في بغداد، تستمر معاناة سكانها جراء التضخم، يضاف إليها تدفق اللاجئين الفارين من مناطق الصراع في الشرق الأوسط، فخلال الغزو الأمريكي عام 2003، كان عدد سكان بغداد 4.7 مليون نسمة، فيما يبلغ اليوم أكثر من 8.2 مليون نسمة.

العراق بلد محطم، وتعرضت بنيته التحتية للدمار بسبب عقود من العقوبات والحرب إبان حكم الرئيس السابق صدام حسين والغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 والتمرد العنيف الذي أعقب ذلك، عندما استولى تنظيم الدولة الإسلامية على أكثر من 40٪ من الأراضي العراقية في عام 2014، لتؤدي الحملة الناتجة لسحق هؤلاء الذين يرتدون ملابس سوداء إلى تدمير شبه كامل للمدن العراقية القديمة في الفلوجة والموصل والرمادي.

يعتقد الاقتصاديون في الشرق الأوسط أن البلاد بحاجة إلى حوالي 100 مليار دولار (70.7 مليار جنيه إسترليني) لإعادة البناء، وقد تفاقمت محنتها بسبب الوباء وانهيار أسعار النفط، الذي تدهور نتيجة الإغلاق العالمي، في الوقت الذي تعتبر فيه عائدات النفط ضرورية للعراق.

وبالعادة يجري تمويل برنامج الحكومة الشامل لدعم الغذاء الذي يوزع القمح والأرز والسكر والزيت النباتي على الشعب العراقي كل شهر، والآن وبسبب عجز الميزانية، واجهت الحكومة العراقية تحديات في دفع رواتب موظفي الخدمة المدنية وكذلك معاشات التقاعد لمواطنيها المسنين.

لا يمكن إلقاء اللوم في سبب تفكك العراق على صدام حسين وغزو بوش وبلير عام 2003 الذي أدى إلى الإطاحة بالنظام، فقد أدت ولاية رئيس الوزراء نوري المالكي، التي كانت دمية في يد النظام الإيراني ، والتي استمرت ثماني سنوات من عام 2006 إلى عام 2014 ، إلى زرع بذور الطائفية، والذي نتج عنه اندلاع حرب أهلية منخفضة المستوى، ومهد الطريق لداعش لغزو البلاد إنطلاقاً من سوريا .

وأدى التمرد الذي أعقب ذلك، والفساد في قطاع الصناعة من قبل النخبة السياسية في العراق إلى شل البلاد وجعل كل التعهدات بإعادة بناء الاقتصاد والنهوض بالبلاد بلا جدوى.

ومما يجدر الإشارة إليه عملية القبض على أحمد نجل المالكي في بيروت في عام 2014 بعد أن وجد أفراد الأمن اللبنانيون بحوزته أكثر من 1.5 مليار دولار نقدًا، وهي أموال يعتقد أنه تم نقلها من العراق.

وخلال اعلان له عن مشروع قانون جديد لمعالجة الفساد المستشري، كشف الرئيس العراقي برهم صالح أن السياسيين في البلاد قد اختلسوا 150 مليار دولار (106 مليار جنيه إسترليني) منذ غزو الحلفاء في عام 2003، وأفاد حينها بأن الأموال المنهوبة أتت بشكل أساسي من عائدات النفط ، وبعضها تم استخدامه لتمويل الإرهابيين والمتمردين.

وقال الرئيس صالح إن القانون الجديد سيسعى إلى تعاون الحكومات الأجنبية لاستعادة الكثير من هذه الثروة المسروقة التي تم تهريبها إلى خارج العراق، مسلطاً الضوء على الأوضاع في مدينة البصرة جنوب العراق، التي تعطلت بفعل الاحتجاجات منذ 18 شهرًا.

على الرغم من أن البصرة هي عاصمة النفط في العراق ومينائها الرئيسي، إلا أن مواطنيها يعيشون في أحياء فقيرة قذرة، ويلقون باللائمة في محنتهم بشكل مباشر على الفساد السياسي، وبالفعل فقد فر محافظ البصرة السابق ماجد النصراوي من البلاد بعد أن فتحت هيئة النزاهة العراقية تحقيقا يتعلق بتورطه في قضايا فساد.

للأسف، فإن مشروع قانون الرئيس صالح لمكافحة الفساد لديه احتمالات ضئيلة في أن يصبح قانونًا، وبموجب الدستور العراقي، فإن السلطة منوطة برئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وحكومته، التي تضم ائتلافًا غير مستقر من الفصائل الموالية للغرب، وأخرى موالية لإيران.

ويُنظر إلى الكاظمي على أنه موالي لواشنطن أكثر منه مواليًا لطهران، وهو ما قد يثبت أنه كعب أخيل، فهو داهية وعلماني، وعكس تعيينه كرئيس للوزراء ازدراء الرأي العام المتزايد لتدخل الملالي الإيرانيين في العراق.

لكن خلافا للقادة العراقيين السابقين مثل المالكي، لا يوجد لدى الكاظمي حزب سياسي يمكنه الحصول على الدعم في أوقات الشدة، ما يشير إلى أنه في ظل الوضع المالي السيئ للعراق يتعين عليه الاعتماد على واشنطن للحصول على الدعم الاقتصادي، محذرًا أعضاء البرلمان من أنهم إذا فشلوا في دعم حزمة الإصلاح الخاصة به، فقد تسحب إدارة بايدن التمويل في المستقبل.

لكن مهمة الكاظمي لم تصبح أسهل إذا ما أخذنا بعين الاعتبار حقيقة أن سنوات من سوء الإدارة والفساد جعلت العراق هدفاً سهلاً لطهران، التي سرعان ما سيطرت على عدد كبير من الميليشيات الشيعية، حيث قامت بتدريب وتسليح وتشكيل أكثر من 150.000 منهم في – الحشد الشعبي، وذلك عقب دورها في المساعدة على هزيمة داعش.

تطورت بعد ذلك شبكات الحشد الشعبي إلى فصائل أمنية وسياسية واقتصادية مهمة تتنافس على السلطة في الدولة العراقية، ممثلوهم في البرلمان يدينون بالولاء المباشر للنظام الديني في طهران، بينما لا يستطيع الكاظمي تجنبهم، لكن دور قوات الحشد الشعبي في إطلاق النار على مئات المدنيين العزل الذين شاركوا في الاحتجاجات المناهضة للحكومة أدى إلى مطالب متكررة بطرد إيران ووكلائها من العراق.

وإلى أن يتمكن العراقيون من التخلص من قبضة الملالي واستعادة السيطرة على شؤونهم الخاصة، سيضطر الكاظمي إلى السير على حبل مشدود سياسيًا، وذلك في حال تمكنه من تأمين دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للإصلاحات الرئيسية، فقد تكون لديه فرصة لتنفيذ بعض التغييرات، بما في ذلك تشريعات الرئيس صالح لمكافحة الفساد.

وفي إطار ذلك، يجب أن تكون أولوياته الرئيسية إصلاح الخدمة المدنية بشكل جذري، وطرد الفاسدين غير الأكفاء واستبدالهم بموظفين مدربين، وعليه أن يخصص نسبة ثابتة من عائدات النفط لمشاريع إعادة الإعمار، وأن يضمن إخراج عملية إعادة إعمار العراق من أيدي الوزارات الفاسدة وإسنادها لمجلس إعمار قانوني مستقل.

كما يتوجب عليه إنشاء قوة شرطة مالية تتمتع بصلاحيات واسعة للتحقيق والاعتقال وإنشاء محاكم خاصة لمكافحة الفساد، كما يجب عليه إصلاح الجهاز القضائي وإدخال معايير صارمة للكفاءة والنزاهة بحيث لا يمكن أن يتدخل فيها السياسيون ذوو النفوذ.

لن تؤدي مثل هذه الإصلاحات إلا إلى تقويض ما هو عالق على السطح من فساد، لكنها قد تعيد العراق وشعبه إلى طريق الازدهار المستقبلي بعد عقود من الحرب والفساد.

 

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة