الأربعاء, أبريل 24, 2024
الرئيسيةأخبار وتقاريرالعالم العربيالوجود الإيراني في اليمن ... إلی أين؟

الوجود الإيراني في اليمن … إلی أين؟

0Shares

بقلم: نجاح عبدالله سليمان

 

خلال الحرب العراقية الإيرانية، وقف النظام اليمني بکل قوة مع النظام العراقي، وکان ذلک بداية خلاف تأسست عليه العلاقات اليمنية- الإيرانية، إذ ساد اعتقاد بأن الأوساط الإيرانية بدأت في تصفية حساباتها مع الأنظمة والدول التي وقفت ضدها في الحرب، ومن ثم بات تقويض النظام السياسي اليمني هدفاً إيرانياً. وهنا استغل حسين الحوثي الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة الذي کان في بداية الأمر فکرياً أکثر منه ماديّاً، إلا أنه تحول إلی دعم مادي وعسکري بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق، والفورة التي شهدها النفوذ الإيراني.

استثمر النظام الإيراني التنوع المذهبي والتقارب النظري- علی الأقل- بين المذهبين الشيعي في إيران والزيدي في اليمن لاستقطاب هذا المذهب، وجرّه إلی المحور الشيعي علی رغم البعد الظاهر بين المذهبين، لذلک نجد أن ارتباط الحرکة الحوثية بالنظام الإيراني قام علی أسس دينية مرجعية، لکنها لا تخلو من ارتباطات تتعلق بالتوجّهات السياسية.

لذلک فالتدخل الإيراني في اليمن ليس وليد اليوم، بل بدأ في عام 1982، فعندما أنشأت إيران «حزب الله» في لبنان أنشأت في اليمن في العام نفسه حرکة «أنصار الله»، وقامت هذه الحرکة بأول عملية إرهابية في صنعاء بتفجير سينما بلقيس في عام 1983، وکشفت التحقيقات حينها عن الحرکة وارتباطها الوثيق بإيران، ومنذ تلک اللحظة والدعم الإيراني يتواصل ويتعاظم لهذه الحرکة، إلی أن وصل الآن إلی مرحلة الدعم الشامل عسکرياً وسياسياً.

حتی 2011 لم يکن من السهل التيقّن من حجم النفوذ الإيراني في اليمن، علی رغم وضوح بعض معالمه التي کانت محصورة في الأدوات الناعمة، الإعلامية والسياسية والثقافية، لکنها بدأت تتکشف أکثر مع تسارع الأحداث في اليمن والمنطقة عموماً، وقد کشف تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن، الصادر بتاريخ 26 کانون الثاني (يناير) الماضي، أن النفوذ الإيراني في اليمن لم يعد قضية إقليمية بقدر ما أصبح قضية عالمية، حين ذکر «أنه وثَّق مخلفات قذائف ومعدات عسکرية متصلة بها، وطائرات عسکرية مسيّرة من دون طيّار ذات أصل إيراني جُلبت إلی اليمن»، وأن الفريق استنتج أن جمهورية إيران لا تمتثل للفقرة (14) من القرار 2216 (2015)، وتم إمداد جماعة الحوثي بقذائف تسيارية قصيرة المدی من نوع برکان 2ح، وصهاريج تخزين ميدانية لمؤکسد سائل ثنائي الدفع للقذائف، وطائرات عسکرية مسيّرة من دون طيار من نوع (أبابيل- T قاصف1).

کانت نتيجة بسط السطو الإيراني نفوذه في اليمن منذ أکثر من عقدين من الزمن، زرع الميليشيات الإرهابية وتمويلها مثل الميليشيات الحوثية التي تمثل أحد أبرز أذرع النفوذ الإيراني في الخارج، ويتواصل دعم النظام الإيراني حالياً الحوثيين بالسلاح والصواريخ، إضافة إلی دعمهم سياسياً وعسکرياً حتی سيطروا تدريجاً علی صنعاء في أيلول (سبتمبر) 2014. والنتيجة أنه ما إن تتدخل إيران في بلد إلا وتحوله إلی قاعدة لاستهداف الأمن القومي العربي مخلفة الفوضی والدمار في کل مکان، مثلما حدث في العراق وسورية واليمن ولبنان.

إن التدخل الإيراني في اليمن عبارة عن مخطط توسعي طائفي، هدفه إخضاع المنطقة لنفوذ ولاية الفقيه من خلال إسقاط الدول لتحل محلها الطوائف، واستبدال الجيوش بالميليشيات الدموية التي تقتل وتدمر الإنسان العربي، وذلک بارتکاب إيران عبر أدواتها الحوثية جرائم القتل والهدم والتفجير والتخريب ضد اليمنيين في شکل ممنهج ومدروس، إضافة إلی نشرها الأفکار الطائفية لتمزيق النسيج الاجتماعي ونسف التعايش السلمي، فالتدخلات الإيرانية عبر أدواتها الحوثية تتسبب بکارثة إنسانية حقيقية، مخلفة آلافاً من القتلی والجرحی، ولم تکتفِ إيران بتفخيخ العقول، بل زرعت عبر أدواتها الحوثية الآلاف من الألغام التي تحصد أرواح الأبرياء في شکل يومي في العديد من المدن والأرياف التي عجزت عن البقاء فيها، في ظل صمت عجيب لمنظمات حقوق الإنسان.

يقيناً أن الأطماع الإيرانية لم تکتفِ بتدمير اليمن، بل تسعی إلی نقل التجربة إلی کل الدول العربية وتهديد الأمن الإقليمي والدولي، من خلال تهديد الملاحة الدولية عبر زرع الألغام البحرية واستهداف السفن التجارية بالصواريخ الذکية التي تأتي من إيران، واستهداف المدن السعودية بالصواريخ الإيرانية الصنع وخبراء ميليشيات حزب الله.

قد يحتمل الوضع الإيراني في سورية صمتاً تکتيکياً نوعاً ما، بيد أن أمر اليمن لا يتحمّل أي مناورة، فإذا ما لاح خطر علی سطوة جماعة الحوثيين الموالية لإيران داخل المشهد اليمني، فإن طهران تدفع باتجاه حسم حازم سريع ينهي بالدم ظاهرة انقلاب سابقة من قبل علي عبدالله صالح علی حلفائه قبل رحيله. تعرف طهران أن جماعة الحوثيين لم تکن لتتمدد من منابعها في صعدة شمالاً، وتزحف باتجاه الجنوب مروراً بالعاصمة صنعا،ء لولا التحالف الخبيث الذي قام بينها وبين القوات التابعة للرئيس اليمني السابق. سبق أن خاض علي عبدالله صالح ستة حروب ضد تلک الجماعة حين کان رئيساً، بيد أن مکيافيلية الرجل الشهيرة نقلته من موقع العداء إلی موقع الحليف مع تلک الجماعة، بما سهّل لها ما لم تکن يوماً تحلم به من سيطرة کادت تکون شبه کاملة علی اليمن.

بعدها أطبقت إيران علی اليمن من خلال هذا التحالف الجهنّمي. لم تکن علاقات صالح بطهران ودية، ولا تنسی له وقوفه إلی جانب الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في حربه ضد إيران في ثمانينات القرن الماضي، لکن «الغاية قد تبرر الوسيلة»، فهدف إيران في الإطلالة مباشرة علی السعودية يستحق تحالفاً ظرفياً موقتاً مع علي عبدالله صالح، وأن انتهاء هذا الحلف حتمي حين تُحقق الغاية ويُستغنی عن الوسيلة.

يبقی أن التدخل الإيراني ستکون له تداعيات سلبية علی اليمن، أولها زيادة وتيرة الصراع، والشواهد علی ذلک کثيرة، فالأسلحة الحديثة التي تملکها جماعة الحوثي، وبکميات کبيرة، مصدرها إيران، وقد فرضت واقعاً جديداً علی الأرض، کما أن قدرة الجماعة علی استخدام هذه الأسلحة، زاد من قدرتها علی تقويض سلطة الدولة. کما أن ظهور جماعة الحوثي، بهذه القدرة العالية في التوسع والسيطرة، يؤکد أن إيران حققت أول أهدافها بإنشاء جماعة تتماثل مع «جيش المهدي» في العراق، و «حزب الله» في لبنان، مما يعني نجاحها في التوسع في المنطقة، وبالتالي ترسيخ أقدامها، وإحداث معادلات جديدة للتوازن الإقليمي. وتطمح إيران، التي تدعم الحوثيين، إلی توسع الجماعة أکثر بالسيطرة علی مناطق جديدة والتحکُّم علی الأرض لتوسع النفوذ الإيراني بالتبعية، بعد أن انتقل بعض أفراد جماعة الحوثي أخيراً إلی مدينة عدن في إطار توسيع نفوذها جنوباً. وما يزيد من شدة التأثرات السلبية، هو توغل إيران نحو الصراع الدائر بين مراکز القوی في الداخل اليمني، حيث توجد شواهد تؤکد أن توسُّع الحوثي وراءه أيضاً دعم من قيادة وقواعد حزب المؤتمر الشعبي، في إطار تصفية حساباته مع حزب الإصلاح لموقفه في إزاحة نظام علي عبدالله صالح من الحکم أثناء الثورة الشعبية، وما تلاها، ما يعني وجود تأثير إيراني قوي في اليمن، فإلی أين يمضي؟ ومتی يتوقف؟

 

نقلا عن الحياة اللندنية

مقالات ذات صلة

الأكثر قراءة