حديث اليوم

ميزانية عام 2018، ميزانية السلب والقمع



قدم حسن روحاني رئيس الجمهورية في نظام الملالي يوم الأحد 10کانون الأول/ ديسمبر مشروع موازنةعام 2018 لبرلمان النظام الرجعي واصفا المشروع ما تتبلور فيه وعود أطلقها في المنافسات الانتخابية. وإن کان هذا الکلام صحيحا فيعني ذلک أن هذه الموازنة کذب وزيف جملة وتفصيلا.
ويمکن دراسة مشروع عام 2018 للحکومة الثانية عشرة من نواح مختلفة. ومن الناحية الاقتصادية تعتبر هذه الموازنة موازنة غير حقيقية ومفتعلة ومليئة بتضاربات مستعصية، بما في ذلک، تم اعتبار الايراد الرئيسي للحکومة والذي ينجم عن بيع النفط و بنسبة 55دولارا لکل برميل بحيث أن معظم الخبراء والملمين بسوق النفط يرون أنه غير حقيقي إذ يعادل سعر کل برميل النفط الإيراني 54دولارا وتؤکد التکهنات أن متوسط سعر النفط لن يتجاوز 50دولارا.
ومن جانب آخر، تم اعتبار سعر الدولار ما يعادل 3500تومان بينما يعادل سعر العملة 3544تومانا وذلک بالإعلان الرسمي من قبل البنک المرکزي کما يعادل السعر 4200تومان في السوق الحر. ويمهد هذا الکذب في نسبة العملة أرضية مساعدة للدولة للمراباة والفساد من جهة وکسب العوائد المدمرة والمؤدية إلی التضخم عبر بيع الدولار وکسب الأرباح من اختلاف نسبة الأسعار من جهة أخری.
وهکذا ترتفع نسبة الدخل من خلال الضرائب ما يعادل 11بالمائة بالمقارنة مع العام المنصرم حيث تفيد التکهنات أنه يصل إلی 193مليار تومان. ويعتبر هذا الرقم غير حقيقي بامتياز وذلک نظرا للانکماش والسير المتزايد لإيقاف عمل الوحدات الإنتاجية کما تحذر وسائل الإعلام الحکومية من «أن هذه الضرائب تقصم ظهور المهن».
ولا تقتصر التضاربات الإقتصادية لهذه الموازنة المفتعلة علی ما ذکرناه آنفا، ولکننا نکتفي في هذا المقال بإلقاء نظرة عابرة علی مشروع الموازنة لعام 2018 من الناحية السياسية ومن هذا المنطلق ينبغي وصف ميزانة عام 2018 لحکومة روحاني بميزانية السلب والقمع.
وبينما يحذر الخبراء الاقتصاديون من أن «المواطنين ضاقوا ذرعا» ولا يقدر معظم نسمة البلاد علی توفير النزر اليسير لأنفسهم وحتی رغيف خبز أو النشويات، أوقفت حکومة روحاني تقديم الدعم الحکومي لحوالي 23مليون شخص ممن يعادلون 40بالمائة وبهذا الطريق خفض مبلغ 19مليار تومان من المبلغ النقدي للدعم الحکومي. کما تخفض هذه الموازنة الدعم الحکومي للخبز أي النزر اليسير للمواطنين المساکين إلی النصف. ومن جانب آخر ارتفعت الضرائب المباشرة بنسبة 11بالمائة بينما ارتفعت غير المباشرة منها وذلک بارتفاع سعر الغاز 20بالمائة فضلا عن الماء والکهرباء وباقي الخدمات التي تحتکر بها الحکومة.
وما يسلب وينهب علی حساب المواطنين وذلک في غاية القسوة، يصب إلی جيوب الأجهزة والمؤسسات النهابة وفي مقدمتها قوات الحرس کما لا يخشی مسؤولو النظام أن يؤکدوا علی أن حفظ النظام هو أوجب الواجبات والحفاظ علی أمن النظام هو في صدارة جميع الملاحظات.
وتم إعلان تخصيصات قوات الحرس ۲۶۷، ۳۶۶، ۹۷۱میلیار تومان مما يعادل 76مليار دولار باحتساب نسبة 3500تومان لکل دولار. ويعادل هذا المبلغ 48مليار دولار بالمقارنة بميزانية العام المنصرم المعادل ‌۱۵۴، ۶۳۵، ۹۸۹میلیار تومان (باحتساب نسبة 3200تومان لکل دولار) مما يثبت ارتفاعا يعادل 28مليار دولار أي 58بالمائة بالمقارنة بالعام المنصرم.
وفي هذا المجال نغض الطرف عن تخصيصات الجيش وباقي الأجهزة الداعمة للنظام کالأجهزة المخابراتية والأمنية والمشاريع التي يعد معظمها سريا لأنها بحاجة إلی دراسة خاصة ومنفکة. ولکنه تجدر الإشارة إلی مقال نشرته صحيفة خراسان الحکومية (11کانون الأول/ ديسمبر) في هذا الشأن حيث أشار إلی «الأولويات الخمس الأولی للدفاع في البلاد للسنوات الخمس القادمة» وهي کالتالي:
«1. تطوير القوة الصاروخية وتعزيزها
2. تطوير الدفاع الجوي وتعزيزه في مختلف المستويات: قصير الأمد ومتوسط الأمد وطويل الأمد
3. تطوير شبکات الاتصالات الآمنة والثابتة والقابلة للتعامل ذات التقنية المناسبة وتحديثها بهدف إيجاد منظومة القيادة والإشراف بشکل تام
4. جعل بعض منظومات الأسلحة ذکية وقابلة للتحرک وذلک نظرا للتهديدات
5. تطوير إمکانية الحرب الإلکترونية والدفاع الحاسوبية وتعزيزها…»
کما أکد جمالي عضو مجلس شوری النظام خلال تصريح علی أن «الصاروخ وقوة القدس يشکلان الأولويات للميزانية الدفاعية في عام 2018… ونظرا لتأکيدات القائد العام للقوات بشأن القطاع الصاروخي وقوة القدس التابعة لقوات الحرس، إنهما يشکلان الأولوية الرئيسية للميزانية الدفاعية للبلاد. وما نتوقعه من الحکومة في مجال الموازنة الدفاعية هو الاهتمام بقضية الحقوق والمخصصات الخاصة للقوات المسلحة والتي لا بد أن تبلغ نسبتها أکثر من باقي القطاعات بـ20بالمائة».
وفي مقابل هذه «الأولويات» تعتبر بالطبع الموازنة المتعلقة بالشؤون الخدمية کالتعليم والتربية والصحة والعلاج والجامعات کذلک ميزانية الإعمار، فرعية وانخفضت نسبتها وبشدة في بعض الحالات. وعلی سبيل المثال ولا الحصر في موازنة عام 2017 کان قد تم اعتبار 71ألف مليار تومان (ما يعادل 22مليار دولار) لتخصيصات الإعمار حيث انخفضت هذه النسبة إلی 60ألف مليار تومان (ما يعادل 17مليار دولار) أي 23بالمائة. کما يجب أن نأخذ بالحسبان أن معظم هذه النسبة صوري وکاذب وطبقا للأرقام المعنلة من قبل الحکومة تحقق ما يتراوح بين 20 إلی 30بالمائة من تخصيصات الإعمار وبعض الأحيان 12 أو 13بالمائة وباقي المبلغ تم صرفه للتکاليف المطلوبة للحکومة أو بغية تعويض النقص في الموازنة في القطاع التنفيذي وفي واقع الأمر تقربت تخصيصات الإعمار خلال هذه السنوات إلی صفر مما تمخض ولا يزال عن تقويض جميع البنی التحتية للبلاد وتخريبها تدريجيا بدءا من البيئة إلی الطرق والخدمات المدنية.
وتصب الکمية الهائلة من هذه الموازنة إلی جيوب العصابات والملالي والعناصر التي تعتبر تبعة جيش الاحتيال والدجل للنظام. وطبقا لتقرير نشره موقع آفتاب نيوز الحکومي (11کانون الأول/ ديسمبر) تبلغ حصة «جهاز القيادة» (الجهاز القمعي للنظام في الجامعات) من موازنة العام المقبل ما يعادل 142ألف و720مليون تومان.
ووقفا لما نشرته صحيفة اعتماد الحکومية (11کانون الأول/ ديسمبر) فضلا عن التخصيصات الرئيسية «لمنظمة الإعلام الإسلامي» سوف تستلم من موازنة عام 2018 مؤسسات نظير «هيئة أرکان إقامة الصلاة» 22مليار و900مليون تومان، «الحوزة الفنية لمنظمة الإعلام الإسلامي» 84مليار و700مليون تومان و«مرکز الإسوة الإسلامية ـ الإيرانية للتطوير» 7مليار و 920مليون تومان وذلک باعتبارها مجموعات جزئية من منظمة الإعلام الإسلامي.
کما يؤکد مشروع موازنةعام 2018 علی أن تخصيصات «مؤسسة نشر آثار خميني» التي يترأسها حسن خميني تبلغ 71مليار و340مليون تومان وتخصيصات «مؤسسة خميني للتعليم والأبحاث» التابعة للملا مصباح يزدي 28مليار تومان و تخصيصات «جامعة المصطفی» 305مليار و120مليون تومان. ولکن يعتبر کل ذلک جزءا صغيرا من سلب الموازنة من قبل العشرات مما يسمی بالجمعيات والمراکز الثقافية التي تسلب المواطنين المساکين تحت عناوين وأسماء مختلفة.
ومن أجل الحفاظ علی هذه الترکيبة الجبارة التي وضعت أسسها علی الخنق المطلق وسلب لا يطاق للإنسان، يعتبر تعزيز الأجهزة القمعية بالاستمرار واستخدام جميع أساليب القهر السافر ضرورة لا غبار عليها بحيث أن قائد الفيلق المسمی برسول الله في طهران العاصمة الحرسي محمدرضا يزدي أکد في الجلسة العلنية للمجلس البلدي لطهران علی إيجاد «دوريات خاصة» في طهران لمواجهة «زلازل اجتماعية»! وکم سيئ الحظ نظام يحاول الحيلولة دون غليان البرکان بوضع الطين علی فوهة البرکان!

 

زر الذهاب إلى الأعلى