حديث اليوم

«مجمع تشخيص مصلحة النظام» هاجس الخوف لخامنئي، لماذا؟

 



استدعی علي خامنئي يوم الأربعاء 13أيلول/ سبتمبر أعضاء مجمع تشخيص مصلحة نظامه ليفاتحهم بما ساوره ولايزال من هاجس الخوف فيما يتعلق بهذا الجهاز. ويأتي هذا القلق والذعر في وقت تورط فيه النظام في أزمات داخلية وخارجية عديدة وصفها بعض من رموز النظام بعنوان «أزمة عملاقة». خاصة ونظرا للأزمة الناجمة عن العقوبات الأمريکية الجديدة وما تعرض له الاتفاق النووي من مصير مجهول کان من المتوقع أن يشير خامنئي إليه غير أنه لم ينبس ببنت شفة حول ذلک أبدا مفضلا الترکيز علی مجمع تشخيص المصلحة وما ساوره من هاجس الخوف بشأنه.
وليس من المتوقع أن يکون هدف خامنئي تسليط الضوء علی قضية مجمع تشخيص المصلحة ليواري تلک الأزمات وإنما يثبت الأمر أولا أن الظروف السائدة في مجمع تشخيص المصلحة متأزمة وثانيا أن خامنئي يفکر في سد ما طال نظامه من الثغرة في مجمع تشخيص المصلحة علی وجه التحديد ومن هذا المنطلق أعلن عنه ليکون ضمانا لتنفيذ مآربه.
ويبدو وفي النظرة الأولی أنه وعقب موت هاشمي رفسنجاني وعدم وجوده في رأس المجمع وبعد ما عيّن خامنئي، هاشمي شاهرودي في رأس مجمع تشخيص المصلحة فضلا عن تنصيبه باقي أعضاء المجمع لا يعود يساور خامنئي قلق أو خوف، ولکن ما أدلی به خامنئي يثبت عکس ذلک جملة وتفصيلا.
کما أکد الولي الفقيه في النظام في تصريحات أدلی بها وعلی وجه التحديد قائلا: «علی المجمع أن يفکر ويعمل ويبقی ثوريا» وهي عبارة نشرتها غالبية وسائل الإعلام التابعة لزمرة خامنئي باعتبارها عنوان رئيسيا فيها. وکلما يتشدق الولي الفقيه في النظام المتخلف بـ«الکون والبقاء والعمل کالثوريين»، کلما يبدي ذعره إزاء الثغرة والشقاق في هذا الجهاز فضلا عن قلقه وخوفه إزاء التساقط والخروج من سيطرة ولاية الفقيه محاولا أن يعيد الظروف إلی ما کانت عليه وتحت هيمنته. وتبين تصريحات خامنئي أنه خائف وقلق إزاء خروج أعضاء مجمع تشخيص المصلحة من تحت سيطرته أو تساقطهم علی أرض الواقع، کما تؤثر قرارات صادرة عن المجمع أو حتی بيان أو موقف أو کلام واحد من قبل رئيس المجمع أو أحد أعضائه علی الظروف الهشة للنظام، لاحظوا: «في الحقيقة ليس من المتوقع أن يصدر المجمع أمرا أو قرارا أو ينفذ إجراءا أو يطلق تصريحا يظهر فيها نوع من التناقض مع القيم الرئيسية للثورة وهيکلية الثورة والميراث المبارک للأمام المعظم».
ولکن لماذا يخاف خامنئي من مجمع تشخيص مصلحة النظام وبهذا المدی خاصة في غياب رفسنجاني؟ ويکمن السبب في الترکيبة المتنافرة وغير المتناغمة لهذا المجمع من جهة والظروف الخطيرة التي تسير وبشدة ضد الولي الفقيه ونظام ولاية الفقيه وما تحمله هذه الظروف من مضمون ورسالة من جهة أخری. وليس رئيس المجمع الملا شاهرودي شخصية مفضلة لخامنئي لأنه وفي عهد رفسنجاني کان يقترب من الأخير بالمقارنة بخامنئي، وفضلا عن ذلک عندما کانت قضية الصراع علی رئاسة مجلس الخبراء ساخنة أکد رفسنجاني علی أنه إذا ما يرشح شاهرودي نفسه فلن يرشح نفسه. ولکن لم يقبل خامنئي تعيينه في رئاسة الخبراء مانحا کرسي الرئاسة للملا جنتي رغم کبر سنه ورغم أنه يتولی رئاسة مجلس صيانة الدستور في نفس الوقت ولو کان خامنئي واثقا من شاهرودي لکان حريا به أن يمنحه رئاسة الخبراء بدلا من جنتي لأن مکانة شاهرودي أعلی من جنتي في مراتب الحوزة.
ومن جانب آخر يضم المجمع أشخاصا نظير أحمدي نجاد وروحاني وناطق نوري ممن لا يتطابقون مع خامنئي بشکل تام بالأحری يمکن القول أنهم بمثابة «الأصبع السادس المزعج» لخامنئي حيث لا يمکن بتره ولا بد من تحمله وليس إلا. ونظرا لهذه الترکيبة في مجمع تشخيص مصلحة النظام يمکن بروز الشقة والانشقاق فيه وبالمناسبة ينوي خامنئي الحيلولة دون هذا السير ليضع الحد من دق الإسفين واتساع شدة الشقاق داخل النظام.
ولکن النقطة المطروحة هي أن الشقاق والتساقط لا يقتصران علی «مجمع تشخيص مصلحة النظام». وأکد الملا علم الهدي في صلاة الجمعة الأخيرة بمدينة مشهد في 15أيلول/ سبتمبر بکل صراحة أن خامنئي لم يخاطب «مجمع تشخيص المصلحة فقط وإنما خاطب تيار النخبة السياسية للبلاد. لأنه وللأسف هناک بعض من الشخصيات البارزة في النخبة السياسية في البلاد ممن تغير تفکيرهم السياسي بحيث أنهم يفکرون بطريقة أخری».
ويعتبر مجلس الشوری للنظام واحدا من أهم المراکز للسلطة التي لا يسيطر عليها خامنئي في الوقت الراهن ويقترب رئيس برلمان النظام من القطب المعاکس لخامنئي کما تضم غالبية أعضاء البرلمان أفرادا للعصابات والزمر غير الخاضعة للمجموعة الموالية لخامنئي المسماة بالأصوليين. ويخاف خامنئي إزاء نتائج ناجمة عن احتمال التحاق کل من برلمان النظام ومجمع تشخيص مصلحة النظام بالبعض في مواجهة الولي الفقيه وجهازه الخاص أي أداته الخاصة لفرض سيطرته وهي «مجلس صيانة الدستور» وبات ذلک هاجس الخوف لخامنئي.
تقتصر فلسفة وجود «مجمع تشخيص مصلحة النظام» الذي خلق اسمه وعنوانه من هذا المنطلق ولهذا السبب، علی الحکم حول الخلاف بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور والذي بدأ منذ الأشهر الأولی لحکومة خميني حيث کان برلمان النظام يصادق علی قرار ما طبقا لما تقتضيه الحاجة والضروريات للنظام في حينه ولکن مجلس صيانة الدستور کان يعتبره مناقضا للشرع ويعيد القرار وهکذا لم تکن الخلافات تنحل بينهما. ولکن وبتشکيل «مجمع تشخيص مصلحة النظام» کان المجمع يتدخل في مثل هذه الحالات ويشخص المصلحة (التي لا تعني شيئا إلا الحفاظ علی النظام مما يعد أوجب الواجبات) وذلک بإصدار ما يسمی بحکم شرعي. وما يخاف منه خامنئي هو احتمال بروز خلاف بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور في هذه الظروف ونظرا لترکيبة مجمع تشخيص مصلحة النظام من المحتمل وإلی حد کبير أن يحکم المجمع الخلاف لصالح البرلمان وعلی حساب مجلس صيانة الدستور والولي الفقيه بصريح العبارة. وحاول خامنئي وضع ضوابط جديدة وتحديد أسلوب جديد للعمل مما يؤدي إلی آليات جديدة ليحول دون ذلک الأمر المذکور. وقال خامنئي: «بينما توجد مصلحة هامة يفضل المجمع جراءها قرار مجلس الشوری الإسلامي علی قرار مجلس صيانة الدستور، أن يلاحظ برلمان إذا ما کانت المصلحة بدرجة ثانية أن تکون هامة جدا وموثوقة وواضحة ويصادق عليها الأغلبية الساحقة أو النسبة الملحوظة من أعضاء المجمع وذلک لفترة زمينة معينة ومؤقتة».
وفضلا عن وضع شروط صعبة أضاف خامنئي فيما يتعلق بأي قرار صادر عن المجمع مما يرفض قرار مجلس صيانة الدستور ومن أجل الإصرار والتشديد علی شروطه قائلا: «أن يکون تشخيص المصلحة طبقا لنظرة طويلة الأمد وليست يومية، ومن أجل ذلک ينبغي إجراء دراسات مضبوطة وتامة وموثوقة بحضور فعال لجميع الأعضاء منهم فقهاء مجلس صيانة الدستور».
وهکذا قد غيّر خامنئي موقع مجمع تشخيص مصلحة النظام والذي تمثل في الحکم بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور بل وضع مجلس صيانة الدستور علی رأسه حيث زاد الطين بلة في هذا النظام العائد إلی العصور الوسطی.
ولکن ورغم کل هذه الحالات للاحتيال هل يمکن لخامنئي أن يتأکد علی أنه تمکن من إنقاذ نظامه من الشقاق في هذه النقطة؟ الجواب هو لا! لأن ما يبحث عنه خامنئي هو ليس وضع مثل هذه الضوابط والشروط وتغيير الآليات. وإنما يکمن الجواب في تعزيز موقفه وحل قضية الهيمنة والسلطة في النظام وبعبارة أخری تغيير جاد في موازين القوی لصالح الولي الفقيه، بينما لا تسير الأحداث نحو ذلک وخامنئي هو أعلم من غيره علی ذلک ومن هذا المنطلق يساوره هاجس الخوف بشکل مستمر علی أرض الواقع.

زر الذهاب إلى الأعلى