أخبار إيرانمقالات

بين قنبلة کيم النووية وقنابل إيران الطائفية

 


نقلا عن “الإتحاد”
13/9/2017
 
بقلم:عبدالوهاب بدرخان

 

تنعکس الأزمة النووية مع کوريا الشمالية أکثر فأکثر علی النقاش داخل الإدارة الأميرکية في شأن الاتفاق النووي مع إيران. ومن الطبيعي أن تدفع الأزمة نحو مزيد من التشدّد الأميرکي، باعتبار أن الصفعة التي تلقتها واشنطن من بيونج يانج ستجعلها أکثر تحفّزاً لتفادي المفاجآت من مصدر آخر. صحيح أن الوکالة الدولية للطاقة الذرّية تراقب تنفيذ الاتفاق وتؤکّد تقاريرها الدورية أن طهران تحترم الالتزامات التي ينصّ عليها، غير أن الوکالة لا تبدو معنية أو مختصّة بالتدقيق في تطوير الصواريخ الباليستية. وبالنظر إلی ما حققته کوريا الشمالية، وإلی علاقتها بإيران وتعاونها النووي معها (وکذلک مع النظام السوري لتجديد ترسانته الکيماوية)، فإن التداعيات الاستراتيجية الخطيرة لنجاح تجربة القنبلة الهيدروجينية، أطلقت نحو طهران إيحاءات مشجعة قد تکون المندوبة الأميرکية لدی الأمم المتحدة نيکي هايلي عبّرت عنها بقولها إن الاتفاق النووي تنتهي مدته خلال عشر سنوات، وإذا بقي من دون تعديل، فقد يتيح لإيران بعدئذٍ أن تشکّل التهديد نفسه الذي باتت تشکّله کوريا الشمالية للمدن الأميرکية.
لا يمکن تعديل الاتفاق من دون مشارکة روسيا والصين وموافقتهما، لکن الظروف تغّيرت، کما أن الأدوار انکشفت وکشفت بدورها تصوّرات أکثر وضوحاً للمصالح والدوافع علی مستوی الدول الکبری، فالرفض الصيني والروسي لبرنامج بيونج يانج کان لفظياً واستمر کذلک بعدما صار خطره قائماً. ذاک أن قنبلة کيم جونج أون قدّمت رادعاً جديداً للولايات المتحدة ونفوذها، ما يعني أنها تلعب لمصلحة الصين وروسيا ولا تشعران بأي خطر عليهما منها، وبالتالي فإن أي «ردع» إيراني إضافي مستقبلاً سيکون مرحّباً به طالما أنه يبنی علی أساس علاقة شبه تحالفية مع هاتين الدولتين، لتصبح بذلک «کوريا الشمالية الجديدة» أو التالية. وإذا کان فلاديمير بوتين غير متحمّس حتی لعقوبات أممية جديدة بل يشارک نظيره الصيني شي جين بينج الدعوة إلی التهدئة لتبديد احتمالات حرب نووية في کوريا، ثم إلی التفاوض لوضع قواعد التأطير الدبلوماسي للمخاطر المستجدّة، فإن الرئيسين الروسي والصيني يستخدمان أيضاً رفض الدول الغربية أي عمل عسکري، ليضعا ترامب وإدارته أمام حرج الذهاب إلی حرب من دون تأييد دولي، حتی لو کان هناک ما يبرّرها.
وکشفت «نيويورک تايمز» أن الأزمة الطويلة زمنياً مع بيونج يانج لم تمکّن واشنطن من تحديد أهداف کيم، فالسؤال: ماذا يريد؟ مطروحٌ منذ عهد والده کيم جونج إيل وجدّه کيم إيل سونج، لکن المؤکّد الآن أنه أکثر عنفاً منهما. باحثون واستخباراتيون واختصاصيون جزموا بصعوبة التعرّف إلی «دوافع» کيم، لکن حصيلة آرائهم تضع لائحة بما هو ممکن أو محتمل منها: المحافظة علی نظامه، والحصول علی القوة النووية لحماية کوريته، والاعتراف بها دولة نووية وندّاً للدول الکبری النووية، واستخدام قنبلته لرفع العقوبات الدولية وللشروع في تطوير اقتصاده، وتهديد الأراضي الأميرکية لفرض انسحاب أميرکي من المنطقة، والاستناد إلی النفوذ النووي لتوحيد شمال کوريا مع جنوبها. رغم بعض الفوارق المتعلقة بالموقع الجغرافي، هناک تشابه في طبيعة النظامين وکذلک بين أهداف کيم وأهداف الخميني وعلي خامنئي، من الحفاظ علی النظام الحالي والسعي إلی «القنبلة» لحمايته وتثبيته، إلی تحصيل النفوذ والارتقاء إلی «دولة عظمی إقليمية»، إلی المطالبة بالانسحاب الأميرکي. غير أن الطموحات الإيرانية أکثر جشعاً، وقد مکّنتها قنابلها الطائفية من التخريب المنظّم لأربع دول عربية والسعي الدؤوب إلی تخريب دول أخری مجاورة.
في اليابان وکوريا الجنوبية يتساءلون حالياً عما ستفعله الولايات المتحدة، وهل أنها لا تزال علی الاستعداد ذاته للدفاع عنهم بعدما أصبحت مدنها تحت التهديد، وهل هناک احتمال لأن تقلّص وجودها أو تنسحب من المنطقة في ضوء ما يتبدّی من تخبّط في استراتيجيات البيت الأبيض وسياساته؟ وکانت الأسئلة نفسها شغلت دول الشرق الأوسط والخليج العربي بعدما أعطت إدارة أوباما إشارات واضحة للانسحاب من المنطقة والتوجّه نحو شرق آسيا، تطبيقاً لاستراتيجية تبنتها إدارات سابقة، وکان واضحاً أن الطرف الأول المستفيد من هذا الانسحاب هو النظام الإيراني، مثلما أن أي انسحاب (ولو غير محتمل بعد) من شرق آسيا سيکون لمصلحة النظام الکوري الشمالي. لعل الأخطر في النظام/ أو اللانظام الدولي الراهن أن روسيا والصين تستسهلان في لعبة النفوذ صعود الدول المارقة واستقوائها، أما أميرکا فلا تزال تدّعي مساعدة الدول المعتدلة والدفاع عنها لکنها تواصل تراجعها.
 

زر الذهاب إلى الأعلى