أخبار إيرانمقالات

لماذا التغيير ممکن في إيران؟

 

 

ايلاف
11/9/2017

 

بقلم:نزار جاف

 

 لم تکن دول المنطقة و العالم تفکر في عهد الشاه بتغيير النظام القائم فيها بل وحتی لم يکن هناک من طرح مجرد تصور بهذا الصدد، رغم إن نظام الشاه کان يؤدي بالاساس دورا سلبيا في غير صالح المنطقة علی وجه الخصوص وکانت تربطه بإسرائيل علاقات حميمة إضافة الی دوره في تقديم دعم للأکراد العراقيين في قتالهم ضد الحکومة العراقية،

لکن وفي عهد نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي قطع العلاقات مع إسرائيل و دعا”نظريا و في إطار الشعارات فقط” الی إبادتها و إزالتها من الوجود، و صار الی حد ما الحاکم بکمره في أربعة عواصم عربية، فإن فکرة تغيير النظام في إيران وإن لم تکن مطروحة من جانب دول المنطقة فإنها وعلی الرغم من ذلک فإن دول المنطقة ترحب ضمنيا بها بل و حتی تتمنی ذلک من أعماق قلوب قادتها!


فکرة التغيير في عهد الشاه لم تکن إقليميا ولا دوليا مطروحة يومها، ولکن الشعب الايراني کان يناضل و يعمل من أجلها بجد و إخلاص، وعندما سقط عرش الطاووس في إيران کانت هناک دول في المنطقة تعيش حالة الصدمة من هول المفاجأة، اليوم و في العهد الديني القائم في إيران، فإن فکرة التغيير ليست مطروحة من قبل الشعب فقط وانما القادة و المسؤولين الايرانيين أنفسهم يتحدثون عنها و يحذرون منها، کما إن فکرة أو نظرية التغيير في إيران، باتت بمثابة خيار دولي مطروح علی الطاولة، وهو ماتعلمه طهران قبل غيرها جيدا و تسعی حثيثا من أجل عدم تفعيله علی أرض الواقع.


دول المنطقة التي عانت الکثير من جراء التدخلات الايرانية السافرة في شؤونها و تلک التصريحات”النزقة”المطلقة من جانب قادة و مسؤولين إيرانيين بشأن تمکنهم من تحقيق ماقد عجز عنه الاباطرة الايرانيين في العهود الغابرة بالوصول الی البحر المتوسط، وهو کلام ينزع العباءة الدينية الخرقاء عن النظام و يکشف معدنه الحقيقي، من إنه يستغل الدين لأهداف سياسية. إيران التي تسير بخطی مستمرة للأمام من أجل تنفيذ مشروعها للسيطرة علی المنطقة کلها بطريقة و أخری، فإنه يجب التيقن من أن هدفها الاکبر و الاهم هو الوصول الی السعودية و السيطرة علی الحرمين الشريفين، وإن تشبثها باليمن الفقير إقتصاديا و الهام و الحساس جغرافيا، و دعمها غير المحدود لجماعة الحوثي، إنما هو من أجل الهدف الاهم أي الوصول للسعودية، ولايجب هنا الاستهانة او التقليل من التصريحات التي تم إطلاقها من جانب قادة في الحرس الثوري بشأن السيطرة علی السعودية و إسقاط نظام حکمها، إذ سبق لهم وان طرحوا الکثير من التهديدات ضد العراق وحققوا مرادهم بطرق مختلفة، لکن ومع کل هذا الخطر الکبير و الجدي المحدق بالمنطقة فإن دول المنطقة لازالت کما يبدو تقف مشدوهة لتری سقوط عاصمة عربية أخری بيد إيران من دون أن تبدي جهدا مضادا في مستوی و حجم الجهد المبذول من جانب طهران.


السؤال الاهم الذي يجب طرحه و مناقشته بدقة هو: هل التغيير ممکن في إيران؟ هل إن هناک أرضية مناسبة لحدوث التغيير؟ سوف لانقوم بالتهويل و تضخيم الامور و جعلها تبدو أکثر مما هي عليه، بل سنحاول مناقشة القضية بصورة منطقية، وسندخل من باب قد يبدو غريبا للبعض لکنه نقطة العطف و الارتکاز المهمة، فقبل بضعة أسابيع، بادرت السلطات الايرانية”الاسلامية” الی القيام بتوزيع حصص من المواد المخدرة علی المدمنين الذين صاروا جيشا يمکن و طبقا للکثير من المؤشرات تقديره بالملايين، علما بأن هذه السلطات قد رفعت و ترفع شعار محاربة المواد المخدرة و المتاجرين بها وإن عقوبتها الاعدام، ولکن أليس غريبا أن تعود السلطات”الاسلامية”، بعد 38 عاما من حربها المعلنة ضد المواد المخدرة و المتاجرين و المدمنين عليها بأن تقوم بنفسها بتوزيع المواد المخدرة علما بأن التبرير الرسمي المطروح لذلک هو لکي يقطعون الطريق علی إستغلال المتاجرين بالمواد للمدمنين، وهو تبرير سمج و مثير ليس للسخرية وانما حتی للشفقة.


في عهد الشاه، کانت السلطات الايرانية تشرف علی توزيع المواد المخدرة”تماما کما يجري الان”، وکان الهدف من هذا الامر واضحا هو أن يبقی الشعب منغمسا و منشغلا بأمور تبعده عن التفکير في النظام و شؤونه، والذي يبدو واضحا من إن”حليمة عادت لعادتها القديمة”، وعاد الشاه المعم للسير علی خطی سلفه الشاه المتوج من أجل درء خطر التغيير عن نفسه خصوصا بعد أن رأی بأم عينيه موقف الشعب منه في إنتفاضة 2009، لکن الذي يبدو واضحا جدا هو إن إيران تکاد أن تعيش ظروف عام 1977 و 1978، التي مهدت للثورة الايرانية، فالشعب الايراني معظمه يعاني من الفقر و الجوع اللذين صارا بمثابة ظاهرتين مألوفتين في إيران، بالاظافة الی ظاهرات أخری نظير بيع الاطفال(سعرهم بموجب بعض التقارير 30 دولار فقط)، و بيع أعضاء الجسد بل و بيع الفتيات، والاهم من کل ذلک إتساع الفوارق الطبقية بصورة غير مسبوقة ولانظير لها حتی في عهد الشاه، ولعل التصريح الاخير للرئيس روحاني وهو يخاطب المطالبين برفع أجورهم و تحسين أوضاعهم المعيشية:”أذهبوا الی بيوتکم”! يمکن إعتباره إشارة أکثر من واضحة عما قد وصل الحال بالنظام الاسلامي في إيران.


هذا داخليا، أما خارجيا، فإن صدور تقرير المقررة الخاصة المعنية بأوضاع حقوق الانسان في إيران التابع للأمم المتحدة، حيث تم ولأول مرة تخصيص عدة مواد فيها لقضية مجزرة عام 1988، التي تم إعدام 30 ألف سجين سياسي من أعضاء و أنصار منظمة مجاهدي خلق، يمکن إعتباره نقطة بالغة الاهمية و التأثير، خصوصا وإنه يعني بداية تدويل هذه القضية، تماما کما کان الحال مع قضايا حلبجة و الانفال و الدجيل غيرها ضد نظام البعث في العراق، لکن الذي يجب أخذه بنظر الاعتبار هو إن قيام الامم المتحدة بتخصيص مواد لتلک المجزرة، يأتي بعد مضي سنة علی النشاط المستمر لحرکة المقاضاة التي تقدها زعيمة المعارضة الايرانية مريم رجوي بنفسها و المطالبة بفتح ملف مجزرة عام 1988 و محاکمة القادة و المسؤولين الايرانيين المتورطين بها، کما إن هناک أيضا وفي داخل إيران مايمکن وصفه بحراک شعبي متداع عن هذه الحرکة، وقطعا فإن لهذا الامر معناه و مغزاه العميق فيما لو فکرت به دول المنطقة بجدية وقامت بدعم هذه القضية ضد طهران(وهو واجب اخلاقي و إنساني في الاساس و ستکون له آثاره و مدلولاته مستقبلا)، فهو الباب الذي سيفتح العاصفة علی طهران، خصوصا إذا ماتذکرنا جيدا بأن قضية حقوق الانسان في إيران عامة و قضية مجزرة 1988 خاصة، تعتبر بمثابة کعب ايخيل لطهران.

زر الذهاب إلى الأعلى