حديث اليوم

«نموذج برجام» أو «خريف برجام»؟

 


اعتبر حسن روحاني الاتفاق النووي في حفل تنصيبه (5آب/ أغسطس 2017) «نموذجا للوفاق الوطني» يمکن استخدامه في «العلاقات الدولية والقانون الدولي»، ولکن وفي أقل من أسبوع أشار محمد جواد ظريف وزير الخارجية لروحاني إلی سوء النية لدی الولايات المتحدة ورفض روح الاتفاق النووي من قبلها وأضاف: «إذا ما أرادت الولايات المتحدة إنهاء الاتفاق النووي فلا بد لها من دفع ثمن ذلک». کما وإذ أشار مساعده عراقجي إلی «ذرائع وعقوبات غير مقبولة من قبل الولايات المتحدة» زعم کأن النظام «جاهز لأي احتمال يقع» (تلفزيون النظام ـ 11آب/ أغسطس 2017).
وأدلی روحاني من جديد يوم الأحد 13آب/ أغسطس بتصريحات في جلسة أخيرة أقامتها الحکومة الحادية عشرة بشأن الاتفاق النووي وما ترتب عليه من تداعيات إيجابية مرة أخری وزعم قائلا: «لا أحد في العالم يقول إن إيران تضررت من خلال الاتفاق النووي». وأضاف قائلا: «لا شک في أن الاتفاق النووي کان ولا يزال لصالح البلاد والمنطقة والعالم بأسره ومن ينوي إلحاق الأضرار بالاتفاق النووي فأضر بنفسه والبلاد».
وما هو مصدر تنبع منه هذه المواقف المتضاربة تطلقها حکومة روحاني والمعنيون المباشرون في الاتفاق النووي؟ وما هو سبب هذه الخلافات؟ وألا يدل ذلک علی الفجوة بين روحاني ومن يحلان المرکزين الأول والثاني في وزارة الخارجية لحکومته؟ وهل يعد تعبير المعنيين بالاتفاق النووي عن خيبة أملهم مناورة تدل علی المصاحبة مع منتقدي الاتفاق النووي وذلک من أجل اجتياز الموجة؟ أو في الحقيقة يبين موقف حکومة روحاني والذي تحول طيلة أسبوع من الأمل إلی خيبة الأمل!؟ وفي تلک الحالة ما السبب؟ وهل تعني هذه التصريحات والمواقف لکل من ظريف وعراقجي نية النظام للخروج من الاتفاق النووي؟
ولا شک في أن الرد علی السؤال الأخير سلبي، وفي الوقت الحاضر حتی المهمومون لا يطرحون قضية الخروج من الاتفاق النووي إلا في مواقف ضئيلة يتابعون فيها مآرب فئوية أو تعزيز معنويات القوات اليائسة والفاقدة معنوياتها، وفي عصابة خامنئي يطالب وبشدة حتی المهمومون باستمرار الاتفاق النووي لأنهم يعرفون إذا ما رفض النظام الاتفاق النووي أو خرج منه، فبآلية الزناد التلقائية التي ينص عليها القرار 2231 في مجلس الأمن: أولا، تتم إعادة فرض العقوبات برمتها وثانيا، يتعرض الطرف الناکث والمخطئ للعقوبات الدولية، وبالنتيجة تحذر العناصر ووسائل الإعلام الحکومية بعضها البعض من عدم ارتکاب الخطأ بشأن قضية الاتفاق النووي الحفاظ عليه. ومن مؤشرات هذا الفزع تمکن الإشارة إلی طرح قانون مثير للسخرية وفارغ ما يسمی بمواجهة العقوبات الإمريکية الجديدة والذي تمت المصادقة عليه يوم الأحد 13آب/ أغسطس في برلمان النظام الرجعي وبشأن ذلک وبحسب بروجردي رئيس لجنة الأمن والعلاقات الخارجية في البرلمان، دفعوا «کل ما يملکونه من الفنون» في غاية الوعي لکي «لا تعارض الخطة الاتفاق النووي».
کما لا تنوي الإدارة الأمريکية الخروج من الاتفاق النووي رغم أنه يتحدث البعض في الکونغرس أو قطاعات أخری عن الخروج ، ولکن وفي مستوی السلطات المسؤولة لا يطلقون هکذا تصريحات ومن المستعبد جدا أن تنکث الولايات المتحدة الاتفاق، کما ليست الولايات المتحدة بحاجة إلی نکث الاتفاق النووي أو الخروج منه وإن کان هدفه ممارسة الضغوط علی النظام لإرغامه علی التراجع عن مشروعه الصاروخي أو إيقاف التدخلات في بلدان المنطقة، فيمکن تمرير هذا الهدف عبر العقوبات الجديدة التي تجعل ظروف النظام مماثلة لما کانت عليه قبل الاتفاق النووي أو حتی أشد وذلک بکل سهولة. إذا ما هو هدف الولايات المتحدة؟
وترد صحيفة ابتکار (12آب/ أغسطس) علی هذا السؤال: «احتمال خروج أمريکا من الاتفاق النووي لن يعني خروج أمريکا من التفاوض مع إيران. وفي حالة خروجهم من الاتفاق النووي إنهم في صدد خلق وإيجاد أجواء مقصودة لإعداد إجراءات ضد إيران في المستقبل وذلک من خلال حزمة أکبر من الاتفاق النووي، لتحسم إيران عنوة من خلال هذا الممر التحديات العالقة بينها والولايات المتحدة فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والدولية الهامة».
ولنفرض کسناريو محتمل، في حالة خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وخروجها منه، فماذا سيحدث؟ واللافت أن نص الاتفاق النووي يتکهن تداعيات رفض الاتفاق من قبل النظام الإيراني ولکن ثمة لا تکهنا فيه بشأن الولايات المتحدة. ويمکن للنظام فقط أن يرفع شکواه لمصدر حل الخلافات وعليه أن يثبت أن الولايات المتحدة نکثت عهودها ولکن لا يحق له أن يتخذ إجراء مباشرا. ولکن وبما أن الاتفاق النووي هو عقد بين النظام و6دول أخری، حتی إذا ما خرجت الولايات المتحدة منه، فتبقی هيکلية الاتفاق النووي ويبقی النظام ملتزما بباقي الدول الخمس فيه.
وبعيد مجيء ترامب حيث کان الحديث يجري حول تمزيق الاتفاق النووي کان ظريف وباقي المعنيين بالاتفاق النووي يتحدثون عن التزام البلدان الأوروبية واعتبار أوروبا بمثابة ضامنة للاتفاق النووي، وفي تلک الفترة کان عدد من وسائل الإعلام التابعة لعصابة خامنئي يذکرون صائبا أن التعلق بأذيال أوروبا وفي حالة أن تکون الولايات المتحدة الأمريکية قد خرجت من الاتفاق، فإن ذلک لا يجدي فائدة لنا بل يجعلنا مکتوفي الأيدي ويقيدنا لأن أوروبا لا تتاجر بعلاقاتها مع الولايات المتحدة من أجل العلاقة معنا.
ومن جانب آخر، يقال إن الإدارة الأمريکية وفي شهر تشرين الأول/ أکتوبر حيث يحين الوقت لتقييم التزام النظام بالاتفاق النووي، تنوي عدم تأييد التزام النظام وبالطبع ستطرح القضية بأدلة مقبولة لدی المحاکم.
وفي هذا الشأن، طالبت الولايات المتحدة بتفتيش وزيارة مفتشي الوکالة الدولية للطاقة الذرية للمراکز العسکرية للنظام ولکن النظام وبذريعة تقضي بأن زيارة المراکز العسکرية تعرض أمنه الوطني للخطر، رفض المطلب، ولکن الأمر ليس مشروعا وقابلا للدفاع لأن المواقع النووية للنظام والمشاريع النووية السرية علی وجه التحديد کانت تتابع في القواعد العسکرية ولا يعني رفض زيارتها وتفتيشها إلا أن النظام يواري شيئا عن الأنظار. خاصة تؤکد عمليات الکشف الأخيرة من قبل المقاومة الإيرانية علی أن النظام يعمل علی مشاريع سرية، والإصرار علی هذا الموقف يعطي أدلة کافية للأمريکان لکي لا يؤيدوا التزام النظام بالاتفاق النووي وفي تلک الحالة يعتبر النظام طرفا رفض الاتفاق النووي وستفرض عليه العقوبات الأمريکية والعقوبات الدولية مما سيکلفه ثمنا باهضا للغاية.
وتنذر صحيفه جوان (12آب/ أغسطس) في هذا الشأن: «يريدون الإيحاء بأن عدم السماح هذا هو علاوة تدل علی عدم التزام إيران بالاتفاق النووي ويخرجون من الاتفاق علی حساب إيران. إذا ينبغي التزام جانب الحذر إزاء کيف الأمريکان وبينما رفضوا حتی الآن الاتفاق النووي بشکل سافر يقصدون توجيه تهمة رفض الاتفاق النووي للجمهورية الإسلامية».
إذا لا مناص للنظام إلا القبول والرضوخ لزيارة مراکزه العسکرية کما أنه اضطر لمرات إلی الموافقة علی زيارة آمانو رئيس الوکالة الدولية للطاقة الذرية وتفتيش بارجين تحت عنوان «زيارة شرفية» وذلک رغم ما أطلقه من التطبيل والتزمير (منها في 20أيلول/ سبتمبر 2015 و30نيسان/ إبريل 2016).
ويبدو الآن أن الحل الوحيد يکمن في ذلک، ولکن المسألة هي أن النظام وفي حقيقة الأمر يتابع مشاريعه النووية، لذلک يخشی للغاية أن تحصل الوکالة في التفتيشات علی أوراق ووثائق. وبهذا الترتيب في حالة السماح للوکالة بالتفتيش وأو في حالة عدم السماح، فسوف يجد نفسه أمام تداعيات مترتبة علی نکث العهود وبالتالي مقاطعات وعقوبات دولية. وبالنتجة ينبغي أن لا نعتبر حالات متضاربة في الکلام من قبل حکومة روحاني والمعنيين بالاتفاق النووي مناورة أو رغبتهم في الخروج من الاتفاق وإنما ينبغي اعتباره مأزقا تعرض له النظام في الاتفاق النووي.
ويقدم خبير سياسي في عصابة روحاني للنظام مقترح التراجع علی غرار ما قام به خميني وتجرعه کأس السم لوقف إطلاق النار وذلک من أجل حفظ النظام ويکتب: «تعتبر مصلحتنا الوطنية مصلحتنا الدينية الأعلی. وفي هذا السير طرح مؤسس الثورة حضرة الإمام خميني مصلحة النظام معتبرا حفظ النظام مصلحتنا الأعلی» (مهدي مطهرنيا ـ صحيفة ابتکار ـ 12آب/ أغسطس 2017).

زر الذهاب إلى الأعلى