تقارير

کريستينا في حضن عائلتها بعد ثلاثة أعوام علی خطفها من داعش بالعراق

 

11/5/2017


“بريخا.. بريخا” بهذه الکلمة السريانية يبارک أقرباء کريستينا ذات الأعوام الستة والمتحدرة من بلدة قرقوش المسيحية بعودتها إلی حضن عائلتها النازحة إلی اربيل، بعد ثلاث سنوات علی خطفها من تنظيم الدولة الإسلامية.
وتجسد معاناة هذه العائلة التي تکاد لا تصدق “المعجزة” التي حصلت معها، مأساة آلاف العائلات المسيحية في محافظة نينوی والتي خيرها تنظيم الدولة الإسلامية في صيف العام 2014، بين اعتناق الإسلام أو دفع الجزية، المغادرة أو الموت. فکان خيار الغالبية العظمی الرحيل، ولاذ 120 ألفا منهم بالفرار.
في مخيم أشتي في مدينة اربيل المخصص للنازحين المسيحيين من محافظة نينوی، تخيم اجواء الفرح السبت علی کرفان من غرفتين تقيم فيه عائلة کريستينا عزو عبادة. يضيق بالمهنئين الذين يطلقون بالسريانية تعبير “بريخا” اي مبروک. وتطلق بعض النسوة الزغاريد فرحاً بعودة “صغيرة البيت” الجمعة بعد فراق استمر ثلاث سنوات.
وتقول والدة کريستينا عايدة (46 عاما) لوکالة فرانس برس بتأثر شديد بدون ان تتمکن من حبس دموعها “ان اری ابنتي يعني هذه معجزة” موضحة “صدمت لانها کبرت وتغيرت. لم اعرفها”.
وکانت عائلة کريستينا في عداد مئات العائلات التي غادرت في آب/اغسطس 2014 بلدة قرقوش التي تعد احدی اهم البلدات المسيحية في العراق.
وتروي والدتها أن تنظيم الدولة الإسلامية أخذ ابنتها من حضنها في 20 اب/اغسطس 2014، فيما کانت داخل حافلة اجبرهم عناصره علی الصعود اليها بعد طردهم من منازلهم لاخراجهم من البلدة.
بعد مرور أکثر من خمسة أشهر علی خطفها، علمت العائلة عبر أحد معارفها في مدينة الموصل أن ابنتهم تقيم مع أسرة من 12 فرداً في حي التنک في غرب المدينة.
وفي العامين الاخيرين کانت تحصل علی معلومات متقطعة عنها من دون ان يتسن لها يوما التواصل معها او الاطمئنان اليها خصوصا بعدما بدأت القوات العراقية هجوماً واسعا لاستعادة المدينة وتمکنت من السيطرة علی الجزء الاکبر منها.
-“أخذوها من حضني”-
ودفعت المعارک العائلة التي “تبنت” کريستينا علی حد تعبير والدتها الی النزوح مؤخراً. وتلقی شقيقها البکر الياس (25 عاما) مساء الخميس اتصالاً يطلب منه التوجه الی عنوان محدد في مدينة الموصل لتسلم شقيقته.
وفي الموعد المحدد، التقت العائلتان وعادت کريستينا الی حضن والديها واخوتها الذين يکررون شکرهم للعائلة التي رعتها خلال السنوات الثلاث الماضية.
وبحسب عايدة، بدات العائلة الموصلية الاهتمام بکريستينا بعدما عثرت عليها وحيدة تبکي قرب مسجد.
وتقول الوالدة بانفعال “لو کان لديهم (تنظيم الدولة لاسلامية) دين لما اخذوا الطفلة من حضني”، متسائلة بغصة “ماذا يريدون ان يفعلوا بنا؟ بيتنا فجروه وابنتنا أخذوها واموالنا راحت”.
بنظرات حائرة تراقب کريستينا التي علقت صليباً خشبياً حول عنقها، الضيوف المتوافدين. تبتسم لهم أحياناً وتحتفظ بنظراتها الجدية أحيانا أخری من دون ان ترد علی محدثيها.
تلهو بدمية تعزف الموسيقی علی الکمان قبل ان تبدأ تمشيط شعرها بلا توقف. دقائق ثم تضع الدمية جانباً. وتتوجه الی کيس مملوء بالهدايا من اثواب واحذية جديدة حملتها الی المنزل احدی المنظمات الخيرية. تبدأ بسحب الاغراض، واحداً تلو الاخر، ثم تعيدها بالطريقة ذاتها.
وفي الکرفان الذي يصطف إلی جانب 1200 عربة اخری تؤوي خمسة آلاف نازح مسيحي من محافظة نينوی، يعجز شقيقا کريستينا وشقيقتاها والأقارب عن وصف شعورهم بعودتها إليهم.
ويقول والدها الستيني الضرير خضر “نشکر الله الذي انقذها من ايدي داعش” مضيفاً بکلمات متقطعة “کنت اصلي لها يومياً المسبحة” والی جانبه وضعت صور قديسين الی جانب اسم کريستينا المکتوب علی الجدار.
-“العودة الی الحقيقة”-
لکن اکثر ما يؤلم عايدة ان ابنتها لم تتمکن من التعرف اليهم.
وتقول “لم تتذکر شيئاً، اعتادت علی العائلة التي کانت معها لکن سنحاول ان نعودها علينا لتعرف انني امها الحقيقية وهذا والدها الحقيقي واخوانها”، مضيفة “هذه هي الحقيقة ويجب أن تعود الی الحقيقة”.
وتناشد الوالدة المنظمات المعنية بالطفولة زيارة العائلة لمساعدتها علی نقل الطفلة الی عالمها الجديد.
وتقول “اتمنی لو تزورنا أي منظمة وتعاين وضعها. فهي بالأمس کانت مع عائلة بعدما خطفها داعش واليوم اصبحت معنا”.
وتمثل قرقوش مسقط راس عائلة کريستينا تحديا للسلطات العراقية، کما هو الحال بالنسبة الی غالبية المدن والمناطق التي تمت استعادتها من داعش، لعدم توفر الاموال اللازمة لاعادة الخدمات والبنی التحتية للبلدة.
ويقول السکان انهم محاصرون وسط صراع سياسي بين اقليم کردستان والحکومة المرکزية، في وقت لا تزال قرقوش اشبه ببلدة اشباح، خالية الا من بعض المقاتلين واصحاب المحال الذين اعادوا فتح ابوابهم.
ويؤکد الياس (25 عاما) شقيق کريستينا ويعمل في احد افران اربيل “لم يبق لنا مستقبل في العراق بصراحة، قدمنا قبل ستة اشهر طلبا للسفر الی فرنسا ولم يردنا جواب بعد. هنا الکرفان صغير والمعيشة صعبة”.

زر الذهاب إلى الأعلى