العالم العربيمقالات

ماذا يخبئ الحشد الشيعي لحزام بغداد السني؟

 

 

العرب اللندنيه
12/5/2017
 
بقلم: هارون محمد


منذ ثلاثة أسابيع ومناطق حزام بغداد ذات الکثافة السکانية السنية تتعرض إلی حملة أمنية منظمة تقودها فصائل في الحشد الشعبي،
أبرزها ميليشيا بدر وعصائب الخزعلي وکتائب حزب الله ومجموعات أخری، هدفها المعلن تشکيل وحدات قتالية من أبناء هذه المناطق وخصوصا في الطارمية والتاجي وأبي غريب، مهمتها التصدي لإنزال أو انتشار عسکري أميرکي يتوقعه مسؤولو الحشد، کما جاء علی لسانهم وهم يتعاطون مع السکان برفق غير مسبوق ويوزّعون استمارات التطوع علی البيوت بود، ويسجلون أسماء المتطوعين بأريحية، في وقت بات سکان الحزام يعيشون في قلق مما يحمله المستقبل لهم، ويتوجّسون من هذه المعاملة الحسنة التي يشهدونها لأول مرة من ميليشيات عرفت بالقسوة.

وما زاد من مخاوف سکان هذه المناطق هبوط مروحية أميرکية اضطراريا في محافظة ديالی نهاية الأسبوع الماضي، کما جاء في بيان صحافي لقيادة عمليات بغداد، ذکر أن الطائرة اضطرت إلی الهبوط لعطل فني حدث لها، وأن قطعات الجيش العراقي قامت بحراستها حتی أمکن تصليح العطل فيها وعاودت الإقلاع دون توضيح للمهمة التي کانت فيها والجهة التي کانت تقصدها.

ومسألة الانتشار المتوقع للقوات الأميرکية في مناطق حزام بغداد، التي أخذها قادة الحشد علی محمل الجد وبدأوا يتعاملون معها وکأنها حقيقة لا جدال فيها، کانت في الأصل من ترويج مجموعة من العراقيين يقيمون في الولايات المتحدة ويتعاونون مع الأجهزة والمؤسسات الأميرکية وخصوصا وزارة الدفاع منذ تسلّمها الجنرال جيمس ماتيس، وأغلبهم سـنة وقلة من الشيعة، وعدد منهم شغل وظائف وزارية وعسکرية وإدارية عقب الاحتلال، نشطوا منذ تسلم الرئيس دونالد ترامب مهامه في البيت الأبيض بحملة رسائل ومنشورات تکاد تکون يومية.

واضح أن وراءها جهة أو جهات أميرکية رکزت منذ بداية عملها علی حتمية الصدام العسکري بين القوات الأميرکية والميليشيات الشيعية الموالية لإيران وحددت حزام بغداد ميدانا للصدام، علی اعتبار أن سکانه مضطهدون ومهمشون ومتهمون بالإرهاب دائما، حيث دعتهم تلک الرسائل والمنشورات إلی التعاون مع الأميرکيين لإنهاء النفوذ الإيراني وتقويض ميليشيات قاسم سليماني، وأحد أفراد المجموعة، وهو عضو ناشط في الحزب الجمهوري وکان وزيرا في حکومة إياد علاوي المؤقتة (2004-2005) بشّر السنة والشيعة العرب (الليبراليين والعلمانيين) في العراق قبل يومين بمقال وُزع علی نطاق واسع علی صفحات التواصل الاجتماعي، بأن موعد الخلاص قد قرب، وأن الرئيس الأميرکي ذاهب إلی السعودية کأول دولة يزورها منذ تولي منصبه لوضع اللمسات الأخيرة علی خطة “التحرير” کما وصفها، مؤکدا أن حکومة مدنية ديمقراطية سيتم تشکيلها في بغداد مهمتها ملاحقة أتباع إيران ومحاکمة المسؤولين السابقين والحاليين الفاسدين، واسترداد الأموال المسروقة، مؤکدا أن ما ذکره معلومات استقاها من دوائر صنع القرار وليست استنتاجات أو تحليلات.

ومما عزز هذه المعلومات أو الادعاءات تغريدة خطيرة لرئيس المجلس الأعلی عمار الحکيم الذي يشغل أيضا رئاسة التحالف الشيعي، لم يتوقف عندها المراقبون کثيرا، ويبدو أنهم يتابعون التصريحات العلنية فقط ولا يلتفتون إلی التغريدات والتعليقات علی صفحات السياسيين التي قد تکون أصدق من الأحاديث الاستهلاکية والتصريحات التقليدية، حيث قال في تغريدته “العراق مقبل علی الکثير من الأحداث والمتغيرات، ونحتاج إلی قرارات صعبة وجريئة وحاسمة، وعلينا أن نکون علی قدر المسؤولية المناطة بنا”.

ومن يتمعّن في هذا الکلام الذي يقوله أبرز أقطاب الشيعة في هذا الوقت، لا بد أن يصاب بالاستغراب والحيرة، خصوصا تأکيداته بحصول “أحداث ومتغيرات” يبدو أنها صادمة لمجلسه وتحالفه وجمهوره، ولا يريد الکشف عن طبيعتها وتفاصيلها، رغم أنه کان واضحا في الشق الثاني من کلامه لما قال “نحتاج إلی قرارات صعبة وجريئة وحاسمة وعلينا أن نکون علی قدر المسؤولية المناطقة بنا”، والمعنی هنا لا يحتاج إلی تفسير وقصده أن أمام القيادات الشيعية الحاکمة في العراق مواجهة متغيرات قريبة وعليها أن تتخذ قرارات صعبة في التعاطي معها.

وقد تتوافق تغريدة عمار في دوافعها مع تصريحات لزعيم ميليشيا بدر هادي العامري، الأحد الماضي، والتي جاءت مطمئنة للخائفين من الصدام الأميرکي الإيراني المرتقب عندما صرح أن “الجنرال الحاج قاسم سليماني يعادل وحده ستة آلاف مستشار أميرکي ينتشرون حاليا في العراق” ومع أن مثل هذه التصريحات من النوع التعبوي، إلا أنها تؤشر إلی احتمال وقوع الصدام المنتظر الذي لا يخشاه العامري، علی حد قوله، ما دام سليماني وحده يعادل ستة آلاف أميرکي.

وإذا ربطنا تغريدة الحکيم المحذّرة وتطمينات العامري المفتعلة مع تصريحات کررها زعيم حزب الدعوة نوري المالکي في أکثر من مناسبة مؤخرا، تدعو إلی ترصين الصف الوطني وتمتين الوحدة العراقية علی طريقة “إخوان سنة وشيعة وهذا البلد ما نبيعه” والاستعداد للدفاع عن “سيادة واستقلال” العراق، فإن ذلک يعني أن أشياء في الأفق تلوح وأهل السلطة خائفون منها ويتحوّطون من وقوعها، وإلا کيف نفسر تحولات المالکي الطائفي المتشدد الذي لا يطيق السنة وعدهم سابقا من معسکر يزيد، إلی داعية وطني ينشد الوحدة بين العراقيين جميعا ويحمّسهم للدفاع عن استقلال البلاد؟
ننتظر الآتي من الأيام، والخوف مشروع من مواجهة أميرکية إيرانية ساحتها العراق.

زر الذهاب إلى الأعلى