حديث اليوم

صراع الانتخابات والشرخ والغضب الشعبي

 


يشکل الحراک الإجتماعي للعمال الإيرانيين الذين ضاقوا ذرعا في يوم العمال العالمي وحصيلته أي إزالة بساط الملا روحاني الدعائي، إنموذجا من الظروف الإجتماعية المحتقنة حيث يبين سبب کل الخوف والهلع اللذين أصابا النظام نتيجة مهزلته الإنتخابية المفبرکة المزمع إجراءها. 
ولهذا السبب لم يسمح النظام للعمال بإقامة احتفالات مستقلة بمناسبة اليوم العالمي للعمال هذا العام وقامت قواته الأمن الداخلية بتفريق تجمع احتجاجي للعمال أمام برلمان النظام بعجالة وبشکل عنيف. ولکن روحاني الذي کان يعتمد بعمليات المراقبة الأمنية ويتصور انه لم تفته لا شاردة ولا واردة، طمع ان يستغل يوم العمال العالمي لتحقيق أهدافه الدعائية الإنتخابية ، الا ان هذا الطمع سبب في احداث متاعب له بحيث قام العمال بإرباک خطابه بهتافات من أمثال « اليوم يوم عزاء وحياة العامل باتت زائلة اليوم» و«اليوم يوم عزاء والمجمتع العمالي هو صاحب العزاء اليوم» لکي يوصلوا أصواتهم إلی العالم مفادها هي انه مادام هذا النظام المعادي للعمال والکادحين جميعا قائم، بات عيد العمال الإيرانيين عزاء وحياتهم زائلة.
ولکنه شاهدنا عدة حالات من احتجاجات العمال الضائقين ذرعا أمام روحاني ورؤوس النظام الآخرين خلال السنوات الماضية الا ان هناک عدة عوامل تزيد من حساسية وخطورة الاحتجاجات هذا العام بما فيها الأول، تغيير الظروف الإقليمية والدولية والثاني، مکانة مجاهدي خلق والمقاومة الإيرانية الأفضل تماما مقارنة بسابقاتها في ميزان القوی مع النظام والثالث، اکتظاظ هائل للإحتجاجات والإستياء الشعبي لدی الشعب الإيراني لاسيما لدی العمال.
ان وضع النظام الداخلي هو أحد العوامل الآخری الذي يزيد خطر بلورة الإحتجاجات الشعبية، وقبل کل شيء لدی النظام وتحديدا خامنئي نفسه حساسية شديدة حيال عدم ايجاد أية شرخ داخل النظام ما يؤدي إلی حدوث إضطرابات وإعتراضات جماهيرية وقد حذر خامنئي مسؤولي النظام خاصة مرشحي مسرحية الإنتخابات من ذلک سواء خلف الکواليس أو في العلن، کما انه دخل إلی الخط بيوم واحد قبيل أول مناظرة تلفزيونية يوم الخميس محذرا: «انني لا أعارض المناظرات والنقاشات والنقد ولکن حاولو ان تنجزها في الأطر الصحيحة والشرعية والدينية، حيث لا تؤدي إلی خلق العداء بينکم» (تلفزيون النظام- 27 ابريل 2017).
ولم ينحصر اطلاق هذه التحذيرات علی الولي الفقيه بل حذر رؤوس النظام من کلتا الزمرتين مرارا وکرارا خلال الأوان الأخيرة قائلين: « لايجب ان يقطع أي وعود وعمل يسببان في رفع مستوی توقعات المواطنين ويزيدان من الشرخ الموجود بين التوقعات والإمکانيات الموجودة بحيث انهما يعتبران تهديدا للأمن القومي وأي يفوز في الإنتخابات فهذه الوعود ستکون وبالا عليه » (احمد توکلي عضو سابق في برلمان النظام من زمرة خامنئي- موقع انتخاب- 27 ابريل 2017).
سبق وأن حذر أحد مرشحي النظام الحرسي قاليباف تحذيرا مماثلا بيوم واحد قبل أول مناظرة تلفزيونية کما حذر بدورهم خطباء الجمعة المحسوبين علی خامنئي في مختلف المدن الإيرانية، مرشحي مهزلة الإنتخابات جميعا عدة ساعات فقط قبيل بدء المناظرة، من ذلک، الأمر الذي يدل علی قلق النظام العميق بأسره بشأن ايجاد الشرخ بين الزمر الحاکمة وهي الشرخة التي لا يعد يمکن ان يتم سدها في حال فتحها.
ان الحقيقة الهامة التالية هي انه ورغم وجود هذا الإدراک العام في جميع مفاصل النظام خاصة لدی رؤوسه لخطورة الظروف، الا ان الذين يهتفون شعارات للحفاظ علی الوحدة ويحذرون الآخرين من الخطر، هم الذين يسبقون الآخرين للدق علی طبول الخلافات والصراعات بين زمر النظام.
ان خامنئي نفسه ورغم دعواته إلی الوحدة «في الأطر الصحيحة والشرعية والدينية» وجه صفعة علی وجه روحاني فقط عدة أيام بعد هذه الدعوة ورد علی مزاعم روحاني القاضية بان الإتفاق النووي هو الذي أبعد شبح الحرب عن النظام قائلا: «اسمعوا ما أقول! تواجد الجماهير في الميدان هو الذي أبعد شبح الحرب عن النظام ولا المسؤولين!» (کلمة خامنئي في 30 ابريل 2017). وبذلک فقد صب خامنئي الوقود علی نار الصراعات بين زمر النظام.
اذن، لايتم الحصول علی الوحدة وحتی وقف اطلاق النار بين الزمرتين المتنافستين في صراعاتهم علی السلطة عن طريق اصدار الأوامر أو التعميم، لان الضغوط الناجمة عن الأزمات التي تعتري النظام تضطر مسؤولي النظام شاءوا أم أبوا إلی تفعيل خلافاتهم أو استغلال النقمات الشعبية لصالح أنفسهم وزمرتهم ، الأمر الذي حولت مسرحية الإنتخابات في النظام إلی طريق محفوف بالمخاطر والمسيرات الوعرة والصعبة حيث يمکن أن تغرق سفينة النظام إلی قاع البحر ولو بارتکاب خطأ واحد.
کان الحراک الإحتجاجي للعمال الذين ضاقوا ذرعا وإحباط مؤامرة زمر النظام الدعائية المعادية للعمال في يوم العامل، إنموذجا بانه کيف يفجر الغضب والاستياء الشعبي المکتظ للمواطنين المنهوبين والمضطهدين وذلک من بين شرخ النظام الداخلي وهو الشرخ الذي سيتعمق خلال الصراع الإنتخابي.

زر الذهاب إلى الأعلى