العالم العربيمقالات

إيران تردّ علی أميرکا في لبنان!

 

العرب اللندنية
23/4/2017
 
بقلم: خيرالله خيرالله

 

ماذا تريد إيران أن تقول عبر الجولة “الإعلامية” التي نظمها “حزب الله” قبل أيّام لجنوب لبنان متجاهلا نص القرار الرقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن صيف العام 2006؟
من الواضح أنّ إيران لا تعترف بهذا القرار الذي أوقف “الأعمال العدائية” بين إسرائيل و”حزب الله”، وهي أعمال کان ضحيتها لبنان واللبنانيون.
تريد إيران الآن القول إنّه لا تزال لديها ورقة اسمها “الساحة” اللبنانية تستطيع من خلالها التحرّش بإسرائيل بغض النظر عن کلّ ما ورد في نص القرار الدولي الذي وافق “حزب الله” وقتذاک علی کلّ حرف فيه.
کان الهدف الإيراني من افتعال حرب صيف العام 2006 الانتصار علی لبنان ومباشرة سلسلة من الانقلابات من أجل تغطية جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه من جهة وإثبات أن الوصاية الإيرانية حلّت مکان الوصاية المشترکة مع النظام السوري من جهة أخری.
بعد حرب صيف 2006، وقف “حزب الله” علی جسد لبنان المدمی ورفع علامة النصر. هذا کلّ ما في الأمر. هذه هي النتيجة الفعلية لحرب 2006 التي سعت إيران ومعها النظام السوري الذي أخرجه اللبنانيون من أرضهم إلی استغلالها إلی أبعد حدود.
من يتذکّر کيف وقف بشّار الأسد وقتذاک يعيّر القادة العرب الذين وقفوا مع شعب لبنان وسعوا إلی ترميم الدمار والتخلص من الخراب واصفا إيّاهم بـ”أنصاف الرجال”؟ هل علی الرئيس العربي، أيّ رئيس أو ملک أو أمير، قتل شعبه وتشريده من أجل أن يستأهل لقب رجل کامل؟
بالنسبة إلی إيران، لا وجود لمصالح لبنانية کما لا توجد قيمة لحياة اللبنانيين، بما في ذلک أهل الجنوب، الذين نعموا بفضل القرار 1701 بفترة طويلة من الهدوء سمحت لهم بالعيش بأمان في حماية الجيش اللبناني والقوات الدولية التي عزز القرار 1701 عديدها ووجودها ومناطق انتشارها.
الملفت حاليا أن إيران تحرّک جبهة جنوب لبنان مستخدمة “حزب الله” في وقت بدأت تتبلور فيه سياسية أميرکية جديدة في الشرق الأوسط کان أفضل من عبّر عنها وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس خلال زيارته للسعودية حيث التقی الملک سلمان بن عبدالعزيز ووليّ وليّ العهد الأمير محمّد بن سلمان الذي هو في الوقت ذاته وزير الدفاع في المملکة.
کان کلام الجنرال ماتيس في السعودية واضحا کلّ الوضوح، خصوصا عندما قال “حيث توجد مشاکل، توجد إيران”. هناک للمرّة الأولی فهم حقيقي لدی الإدارة الأميرکية لما يدور في اليمن ولخطورة الظاهرة الحوثية فيه.
جولة مکلفة
هناک استيعاب لخطورة المشروع التوسّعي الإيراني الذي يُعتبر اليمن من بين ضحاياه الکثيرة. لا يمکن الاستخفاف بتشديد وزير الدفاع الأميرکي علی أنّ “علينا منع إيران من زعزعة استقرار اليمن ومن إنشاء ميليشيا جديدة علی غرار ‘حزب الله’ في لبنان”.
في الماضي القريب، في عهد باراک أوباما، کان کلّ تبادل لوجهات النظر مع مسؤول أميرکي ينتهي بتجاهل لهذا المسؤول لأيّ علاقة بين الحوثيين وإيران. کان المسؤولون الأميرکيون يؤکّدون أن ليس لديهم أيّ دليل علی تورّط إيران في اليمن. کانوا يشددون علی أن المشکلة الوحيدة في اليمن هي “القاعدة”.
هناک الآن فهم أفضل لما يدور في اليمن. لا يزال الجنرال ماتيس يرکّز مع غيره من المسؤولين الأميرکيين علی أن الأولوية هي للحرب علی “داعش” وما شابه “داعش”. لکنّ مجرّد الربط بين سياسة زعزعة الاستقرار في المنطقة التي تمارسها إيران بواسطة ميليشياتها المذهبية وبين الإرهاب الذي لجأت إليه التنظيمات السنّية المتطرّفة، التي ولدت من رحم الإخوان المسلمين، يشکّل خطوة أميرکية ضخمة إلی الأمام.
ليس إعادة التذکير بجبهة جنوب لبنان والقرار 1701 سوی نقطة ضعف إيرانية، لا لشيء سوی لأن إيران تستوعب قبل غيرها أنّ وجودها في سوريا صار يمثل مأزقا لها علی الرغم من کلّ التفاهمات التي تربطها بروسيا. فوق ذلک کلّه لم تعد إيران تتحکّم کليّا بالعراق بعد تحول الجيش فيه إلی مؤسسة تعتمد علی الدعم الأميرکي قبل أيّ شيء آخر.
في مقابل الميليشيات المذهبية التي تدعمها إيران والتي تتجمع تحت عنوان “الحشد الشعبي”، يبدو الجيش في المدی المنظور وفي وقت ما زالت معرکة الموصل مستمّرة الأمل الوحيد للعراقيين، خصوصا أن التفکير منصبّ حاليا علی مرحلة ما بعد الموصل وإمکان التعايش بين جيش وطني، يفترض به أن يمثّل کل العراقيين، وبين “الحشد الشعبي” الذي يعکس رغبة إيرانية في تکريس العراق مستعمرة إيرانية.
تواجه إيران حاليا کلّ أنواع المشاکل، هي التي تخصصت في خلق المشاکل للآخرين، خصوصا للدول العربية المحيطة بها وحتّی البعيدة عنها. من اليمن، إلی العراق، إلی سوريا، لم تعد إيران في وضع مريح کما کانت عليه في عهد أوباما. امتلکت السلطات في البحرين ما يکفي من الشجاعة لتسمية الأشياء بأسمائها والکلام مباشرة عن الدور الإيراني لدی اکتشاف أيّ شبکة تعمل علی زعزعة الاستقرار في هذا البلد الصغير.
الأکيد أن الهرب إلی لبنان لن يحلّ أيّا من مشاکل إيران العائدة إلی أن ليس لديها مشروع من أيّ نوع تقدّمه إلی محيطها باستثناء الرهان علی إثارة الغرائز المذهبية والمتاجرة بالقضيّة الفلسطينية.
هناک إفلاس إيراني علی کلّ المستويات. کشفت إدارة ترامب هذا الإفلاس عندما قرّرت التصدي للمخططات الإيرانية في وقت تبيّن أن ليس لدی القيادة في طهران ما تقدّمه لشعبها.
في نهاية المطاف، هناک وعي لبناني لأهمّية المحافظة علی القرار 1701. أکثر من ذلک، هناک ضرورة لبنانية للاستعانة بهذا القرار وجعله يشمل الحدود مع سوريا أيضا، وهي حدود ألغاها “حزب الله” عندما قرّر، بناء علی طلب إيراني، المشارکة في الحرب علی الشعب السوري من منطلق مذهبي بحت.
أين مصلحة لبنان في ذلک کلّه؟ لا مصلحة لأيّ لبناني، بغض النظر عن طائفته أو مذهبه أو منطقته في أن تعتبر إيران القرار 1701 ورقة في يدها وجنوب لبنان منطقة سائبة وأهله مجرّد کبش محرقة في لعبة لا علاقة لهم بها من قريب أو بعيد بأيّ شکل من الأشکال.
إذا کانت لدی إيران مشکلة مع الإدارة الأميرکية لتحلّ هذه المشکلة معها بدل الردّ عليها في جنوب لبنان. القوات الأميرکية موجودة علنا في غير مکان من المنطقة، بما في ذلک سوريا..
أما لبنان فقد شبع متاجرة به وبجنوبه. لم يکن القرار 1701 سوی خشبة خلاص بالنسبة إليه بعدما عانی الأمرّين من رغبة إسرائيل الدائمة في بقاء الجنوب خارج الشرعية منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في العام 1969.
هل في استطاعة إيران بعد کل العذابات التي مرّ فيها اللبنانيون ترکهم وشأنهم وتبتعد عن القرار 1701؟ هذا السؤال ليس في رسم الذين يرسمون السياسة الإيرانية فحسب، بل في رسم المراجع العليا في لبنان أيضا.
يفترض في هذه المراجع إدراک أن القرار الصادر عن مجلس الأمن صيف العام 2006 هو رمز للسيادة اللبنانية. هذا القرار الذي أعاد الجيش إلی جنوب لبنان خطوة أولی علی طريق استعادة البلد کلّه وليس الجنوب وحده.
من هنا البداية وليس من أيّ مکان آخر إذا کان مطلوبا استعادة حقوق اللبنانيين جميعا وليس حقوق المسيحيين التي يکثر المتاجرون بها هذه الأيّام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى