أخبار إيرانمقالات

علی طهران أن تأخذ هذا الأمر إلی أبعد حدود الجدية ، ترمب يغير قواعد اللعبة

 

11/4/2017
الشرق الاوسط اللندنية

 

بقلم :مأمون فندي


کما غير الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قواعد اللعبة في سوريا من خلال تدخله المباشر في سوريا، يبدو أن الرئيس الأميرکي دونالد ترمب يغير قواعد اللعبة في سوريا مرة أخری، فهل يصمد ترمب لعامين من التدخل المباشر کما صمد بوتين أم أن صواريخ توماهوک الأميرکية کانت رفع عتب؟

الحقيقة هي أن المشهد السوري وبصواريخ ترمب أصبح أکثر تعقيداً. وإذا دققنا النظر قد يتکشف لنا أن صواريخ توماهوک الأميرکية الموجهة في ظاهرها إلی نظام الرئيس السوري بشار الأسد، هي في الحقيقة موجهة إلی إيران أو في أسوأ الأحوال مقدمة لحرب ترمب ضد إيران. بشار الأسد ليس لاعباً رئيسياً في سوريا من وجهة النظر الأميرکية، فاللعبة الأميرکية کانت دائماً في منطقة الشرق الأوسط لعبة إقليمية لها تبعات دولية. عندما کتبت هنا منذ أکثر من أسبوعين عن القيادة المحيطة بالرئيس دونالد ترمب وتوجهها الاستراتيجي رکزت علی شخص وزير الدفاع جيمس ماتيس، ومن بعده خصصت مقالاً يکشف عن تفکير مستشار الأمن القومي إتش آر مکماستر الذي تربطني به علاقة شخصية. الفکرة کانت أن الرجلين (ماتس ومکماستر) يمثلان توجهاً استراتيجياً أميرکياً تجاه الشرق الأوسط بني عن علم ومعرفة وعلاقة عمل بالمنطقة فقد عمل ماتيس کقائد للمنطقة المرکزية الممتدة من أفغانستان حتی شمال أفريقيا وعمل ماکماستر مع قائد القوات الأميرکية في العراق الجنرال ديفيد بترايوس، هذه الخبرة أکسبت الرجلين معرفة مباشرة بمشکلات الشرق الأوسط، ويتفق الرجلان علی أن إيران هي أساس المشکلات في الشرق الأوسط من العراق مروراً بسوريا ولبنان والبحرين واليمن. هؤلاء هم القادة الذين وافقوا علی توجيه صواريخ توماهوک علی سوريا، وکلاهما لا يری الأسد لاعباً أساسياً في الصورة الإقليمية الکبيرة، ولکن يرونه علی أنه يمثل واحدة من الأدوات الإيرانية لتوسيع نفوذها في المنطقة.

ذکرت في مقال سابق أن رؤية جيمس ماتيس حول إيران يمکن استشفافها من کلمته التي ألقاها أمام معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن في أبريل (نيسان) 2016. في تلک الکلمة رسم جيم ماتيس ملامح تفکيره الاستراتيجي فيما يخص منطقة الشرق الأوسط من حيث نوعية التهديدات ونوع الأعداء وکذلک طبيعة الحلفاء.
ملخص کلمة ماتيس في معهد الدراسات الاستراتيجية بواشنطن قبل أن يصبح وزيراً للدفاع، تمثل جوهر تفکيره الاستراتيجي فيما يخص منطقة الشرق الأوسط، وهي رؤية تتمحور حول الدور الإيراني في نشر الفوضی وعدم الاستقرار في الإقليم بداية من تبنيها من حيث الإرهاب کأداة للسياسة، إضافة إلی التهديد التقليدي التي تمثله في البحرين واليمن ولبنان وسوريا وأيضاً التهديد النووي والصواريخ الباليستية، ورغم أن جيمس ماتيس ليس مع تفکيک اتفاق خمسة زائد واحد مع إيران، فإن الرئيس دونالد ترمب قد يری ذلک، النقطة التي أريد الترکيز عليها هنا هي أن الصواريخ الأميرکية هي مقدمة لضربة أميرکية لإيران، وليس المقصود بها النظام السوري وحده.

ماذا تعني الضربة الأميرکية بالنسبة لروسيا ولنظام بشار الأسد ولمعارضته ولقيادات الإقليم مجتمعة؟ أولاً بالنسبة لروسيا يعتبر تحدي الضربة الأميرکية بداية لملامح مواجهة مع رئيس ظن الروس أنه صديق لهم، ومن هنا وجبت مراجعة حساباتهم تجاه أميرکا ترمب، ومراجعة حساباتهم فيما يخص لعبة الشطرنج الإقليمية من ليبيا، مروراً بمصر إلی سوريا. وقد يفکر الروس ملياً في نوعية المقايضة مع ترمب التي ستفضي إلی تقاسم الأدوار في سوريا، وإفساح الطريق أمام أميرکا لضرب إيران. أما بالنسبة لنظام بشار الأسد فإنه سيعيد حساباته أکثر من مرة، ويدرک أن الأمور دخلت مرحلة الجد مع أميرکا ترمب، الرئيس الذي لا يمکن قراءة شخصيته أو ردود أفعاله. لذا سيضع بشار الأسد قضية بقائه وليس بقاء نظامه کأولوية في وجود رئيس مثل دونالد ترمب يتمتع بتلک القوة.

أما قادة الإقليم فسيعيدون حساباتهم فيما عرف بالانسحاب الأميرکي من المنطقة، وواضح من الأصوات المؤيدة للضربة أن القيادات الإقليمية ما زالت تراهن علی دور أميرکي أکبر لدرء خطر إيران من ناحية، ولوضع حد لتوسع روسي محتمل. أما نظام طهران فردود فعله هي التي تستلزم قراءة متأنية. ولوضع ملامح هذه القراءة لا بد أن ننظر إلی أمرين علی النقيض من بعضهما، لرسم إطار الصندوق الذي تحدث فيه السيناريوهات المحتملة. السيناريو الأول هو أن ضربة ترمب في سوريا ستجعل النظام الإيراني أکثر تطرفاً، أما السيناريو الثاني فهو استيعاب خطورة التفکير الأميرکي الحالي، ونوعية القوة التي يمکن أن تستخدمها أميرکا ترمب لوضع إيران داخل حدودها.
في نهاية المطاف، واضح من الطريقة التي أبلغ بها الأميرکيون حلفاءهم الأوروبيين وکذلک الروس أيضاً، أننا أمام أعمال عسکرية جادة لا لبس فيها، وعلی کل الأطراف أن تکتفي بالعلم بالشيء دونما تدخل أو اعتراض. وهذا ما يوحي بأن الأمر أکبر من سوريا ومن الأسد. کنا في سنوات فرض فيها بوتين رؤيته لسوريا وللمنطقة، أما الآن فنحن بکل تأکيد أمام رؤية ترمب، ولو کنت في طهران لأخذت هذا الأمر إلی أبعد حدود الجدية.. .

زر الذهاب إلى الأعلى