تقارير

أريد العودة لسوريا لأموت هناک

 

 24/3/2017 
 
في فندق قديم يقع خارج مدينة متيليني اليونانية، ينتظر محمد مرهقاً مع شقيقه الأصغر وزوجتيهما الحبليين تطورات قضايا اللجوء الخاصة بهم.
فرّت هذه العائلة من العنف الدائر في مدينة السخنة الصحراوية شرقي سوريا، حيث قُتل أفراد عائلتهم بوحشية علی يد النظام السوري، بحسب ما نشر موقع “ميدل إيست آي”.
وبدأوا رحلة الهروب من العنف بالنزوح إلی تدمر ثم الرقة، محاولين تفادي المعارک الدائرة بين تنظيم الدولة وفصائل المعارضة السورية التي تحارب النظام، بالتزامن مع الغارات الجوية المتواصلة.
وبعد رحلة خطيرة قطعتها العائلة سيراً علی الأقدام تارة وباستخدام السيارة تارة أخری، وصلوا إلی الساحل الترکي، حيث تمکنوا خلال الصيف الماضي، من رکوب أحد القوارب التي تعبر البحر المتوسط باتجاه اليونان، ووصل في النهاية إلی جزيرة ليسبوس.
جاء ذلک بعد أشهر من إبرام الاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وأنقرة في 18 مارس/آذار 2016، حيث عملت الحکومة اليونانية علی تسريع الإجراءات الحدودية لتتمکن السلطات من إعادة اللاجئين إلی ترکيا.
ووفقاً لهذا الاتفاق، لا يتوجب علی اليونان أو الاتحاد الأوروبي تقييم حاجة اللاجئين الوافدين عبر بحر إيجه، لتوفير الحماية اللازمة لهم، إذ أن سوريا تعد آمنة بما يکفي لإعادة توطين اللاجئين فيها.
 
وبناءً علی بنود هذا الاتفاق، فبات محمد (30 عاماً) وشقيقه، وزوجتاهما عرضة للإهمال القانوني.
يتنهد محمد قائلاً “هربنا لأنه لم يکن هناک سبب لنعيش، الذبح والقصف في کل مکان، بعنا کل شيء لنأتي إلی هنا”.
وکان هدف العائلة الوصول إلی مالطا، حيث يعمل معظم الفارين من مدينة السخنة في أعمال البناء، لا سيما وأن اللغة السائدة هناک تتشابه مع العربية.
إلا أن طموحاتهم لمواصلة رحلتهم في الهرب قد توقفت. وتفاقمت الصدمة الناجمة عن الحرب التي ترکوها خلفهم، مع الظروف المعيشية الخطرة التي يقبعون بها في مخيم موريا سيئ السمعة، من بينها الحريق القاتل الذي دمّر مکان سکنهم في سبتمبر/أيلول الماضي.
وإثر ذاک الحادث، انتقلت العائلة إلی أحد الفنادق المتداعية ذات الثلاث نجوم، والذي تتولاه إحدی المنظمات غير الحکومية، تزامناً مع بدئهم بإجراءات اللجوء، إلا أن حالة عدم الاستقرار لم تنته، واستمرت لمزيد من الأشهر.
ويقول محمد وهو عائل الأسرة حالياً، إنه يرغب في العودة إلی الوطن. “أرغب في العودة لسوريا لأموت. أي شيء أفضل من هذا”.
المهاجرون يواجهون خطراً أکبر

وبحسب مؤسسة الهجرة الدولية (IOM)، فإنه منذ إبرام الاتفاق بين ترکيا والاتحاد الأوروبي، انخفض عدد الوافدين إلی اليونان عبر البحر إلی 2724 خلال الأسابيع التسعة الأولی من العام الماضي 2016، مقارنة بـ134 ألف شخص في الفترة ذاتها من العام السابق 2015.
إلا أن کلفة هذا الاتفاق کانت مميتة، إذ أُجبر اللاجئون علی اتخاذ رحلات أکثر خطورة للوصول إلی أوروبا، مثل الخط المار بالصحراء الليبية. وقد تضاعفت أرقام الهاربين عبر هذه الطريق خلال العام.
وبانتظار القرار النهائي للمحکمة العليا اليونانية هذا الشهر، يواجه لاجئون آخرون خطر الترحيل إلی ترکيا، مع احتمالية دفعهم للعودة إلی بلدانهم الأصلية بالرغم من تعرضهم للاضطهاد والموت.
وتستعد المحکمة الإدارية العليا في اليونان لإصدار قرار بشأن اعتبار ترکيا “دولة آمنة” للاجئين، بعد سماعها لقضية سوريين من طالبي اللجوء في اليونان، وهي القضية التي قد تشکل سابقة من نوعها، وقد تسفر عن تقويض اتفاق التبادل بين أنقرة والاتحاد.
“يشعر الجميع بالقلق الشديد”، هکذا يقول مؤسس مرکز ليسبوس القانوني، کارلوس أورجويلا، الذي يعمل فريقه المکون من محامين يونانيين ودوليين، علی تقديم الخدمات المجانية إلی اللاجئين الأکثر خوفاً وقلقاً علی الجزر.
ويضيف أورجويلا أن قضايا اللجوء التي تعرضت للإهمال القانوني، يتم التسريع بها حالياً، وهو ما يزيد المخاوف من سرعة إعادة اللاجئين إلی ترکيا مرة أخری.
ويتابع قائلاً “ترکيا ليست دولة آمنة. هناک القليل من المعلومات. أولئک المُرحّلون قد يتعرضون للاحتجاز إن لم يسجلوا بياناتهم، ولا نعرف کيفية الحصول علی محام، أو ماهية حقوقهم”.
قضايا الصحة العقلية
أما ديکلان باري، وهو أحد أطباء منظمة أطباء بلا حدود الخيرية التي تعمل في اليونان والجزر التابعة لها، ومن ضمنها ليسبوس، فيعتقد أن انعدام الاستقرار والمصير المجهول للاجئين، له أثر مطرد علی صحتهم العقلية.
ويقول “لقد عملوا جاهدين للنجاة والفرار من البيئات المتطرفة مثل سوريا والعراق وأفغانستان، ليصطدموا الآن بسياسة الاتحاد الأوروبي”.
وتعمل منظمة أطباء بلا حدود علی علاج اللاجئين الذين يعانون من القلق المزمن، أو اضطراب ما بعد الصدمة أو حتی الذهان، وفق ما ذکر ديکلان.
فيما يُقدِّر عدد الذين يحتاجون للرعاية النفسية بعد الاتفاق الترکي الأوروبي بحوالي 80%، مقارنة بخمس تعداد اللاجئين قبل إبرام الاتفاق.
أما في مخيم بيکبا للاجئين، المتاخم لمطار ليسبوس والمطل علی ساحل البحر، حيث يبدو الساحل الترکي واضحاً في الأفق، فإن أولئک المحظوظين بالبقاء هناک تزداد مخاوفهم أيضاً.
ويشعر عدي (34 عاماً) الکهربائي من العاصمة العراقية بغداد، بالإرهاق من دوره في حماية زوجته وأطفاله في رحلة المنفی التي استمرت لعقود حتی الآن.
وفرّ عدي للمرة الأولی من العراق عقب الغزو الأميرکي عام 2004، حين قُتل أبوه وشقيقه علی يد الميليشات، ليقيم بيتاً في سوريا ويبدأ حياته مجدداً من الصفر.
 
وبعد عقد، فرّ عدي مرة أخری من الحرب الدائرة هناک، عبر جبال کردستان، حيث أصيبت ابنته البالغة 10 أعوام أثناء رحلة الهروب من إحدی الدوريات الحدودية، ليصل قبل 10 شهور إلی اليابسة اليونانية.
يتهدج صوت عدي وهو يصف عذاب الانتظار، ليعرف إن کانت عائلته ستتعرض للترحيل أم لا، ويقول وهو يشعر بالحرج من الدموع التي ملأت عينيه “أشعر بالتعب”.
وعلی عکس جزيرة تشيوس المجاورة، التي تضم مجموعة “الفجر الذهبي” المتشددة المناهضة للمهاجرين فيها، فإن جزيرة ليسبوس، تتمتع بتقاليد تاريخية عن سياسات اليسار والزوار المثقفين والمفکرين.
أما کريستينا تشاتزيداکيس، إحدی منظمي المجتمع المدني التي رُشحت لجائزة نوبل للسلام لتفانيها في مساعدة ما يزيد علی 800 ألف لاجئ، وصلوا بأعداد فاقت الـ3000 لاجئ في اليوم عام 2015، فتقول “ترکيا ليست مکاناً آمناً”.
وتشير کريستينا إلی أن الجزيرة کانت مکتظة باللاجئين آنذاک، إلا أن منع وصول الفارين من الصراعات هو عمل غير إنساني، وتضيف “علينا أن نقبل بالمزيد؛ أوروبا غنية. لکن هناک حاجة لتأمين وصول اللاجئين بطرق ملائمة ومباشرة إلی أوروبا مباشرة، لا عبر القوارب”.
وتختم حديثها بالقول “أما فيما يتعلق بالحديث عن إيقاف تدفق اللاجئين.. علينا أولاً إيقاف الحرب”.

 


زر الذهاب إلى الأعلى