العالم العربي

ألفاً من أهل حمص بانتظار التهجير القسري.. وأسعد لحظاتهم کانت بعد القصف!

 


17/3/2017 

 

لم تکد أکبر عملية تغيير ديموغرافي شهدتها سوريا والتي طالت أحياء مدينة حلب الشرقية نهاية عام 2016 تنتهي، حتی عاد قطار التهجير القسري للتوقف في محطة جديدة استعداداً لتهجير أکثر من 50 ألفاً من سکان حي الوعر، آخر معاقل المعارضة المسلحة في مدينة حمص (وسط سوريا).
وظل هؤلاء السکان محاصرين بالحي نحو 4 سنوات فيما يعد واحداً من أطول عمليات الحصار في التاريخ الحديث .

أکبر وأرخص سجن في العالم

“نحن نعيش في ثاني أکبر السجون المفتوحة بالعالم بعد قطاع غزة”، هکذا يصف سامر (27 عاماً) تجربة حي الوعر المريرة .
وأضاف أن “أکثر من 50 ألفاً من البشر يتشارکون هنا الکيلومترات المربعة القليلة ذاتها، بلا ماء أو کهرباء أو حتی مواد غذائية، عدا بضع قوافل إغاثة نجحت الأمم المتحدة في إدخالها علی فترات متقطعة خلال السنوات الأربع الأخيرة”.
“هو سجن بلا تکلفة -يتابع سامر مبتسماً- عدد من الجنود وبضعة قناصين هو کل ما احتاجه النظام السوري لسجن أکثر من 50 ألفاً سنوات، سجننا دون أن يتحمل تکلفة محاکمتنا، إقامتنا أو طعامنا، سجن ضاق بنا لحد الاختناق”.
ويتابع قائلاً: “هذا السجن حوّل أطفالنا إلی رجال يحملون مسؤولية عائلاتهم بعد أن فقدوا معيلهم إما بالاعتقال، وإما بالقتل وإما بالإعاقة، حوّلنا کتلة واحدة نتقاسم ما يُبقينا علی قيد الحياة بعد أن قتل کل أمل فينا”.
الحصار الخانق الذي شهده سکان الحي منذ عام 2013، إضافة إلی عمليات القصف والاقتحام شبه اليومية، دفعت لجنة المفاوضات التي تمثل سکان الحي إلی التوقيع مؤخراً علی اتفاقية لإجلاء السکان نحو المناطق الخاضعة للثوار شمال سوريا برعاية وإشراف روسيين.

ليست المفاوضات الأولی

لم يکن اتفاق التهجير هو بداية المفاوضات بين سکان الحي ونظام الأسد، فقد شهد الحي عدداً من المبادرات التي تقدم بها سکان الحي؛ بهدف إنهاء المعاناة التي يعيشونها، کان آخرها المفاوضات التي توقفت في الخامس عشر من أکتوبر/تشرين الأول 2016 بعد مماطلة النظام في تنفيذ الشروط المتعلقة بوقف إطلاق النار والکشف عن مصير 7365 معتقلاً من أبناء المدينة.
ودخل الحي بعد ذلک فصلاً جديداً من فصول معاناته مع الحصار، لکن بوتيرة قصف أعنف طالت المرافق الحيوية کافة التي کانت تؤمّن لسکان الحي البقاء علی قيد الحياة؛ کالمشافي، والنقاط الطبية ومستودعات الأغذية، وحتی المساحات الصغيرة التي خصصها المجلس المحلي للزراعة.
آلاف القذائف انهالت علی الحي خلال الأيام الأخيرة، کما يقول عادل (28 عاماً) لـ”هافينغتون بوست عربي”، بينها أکثر من 140 صاروخاً فراغياً، خلّفت 48 قتيلاً مدنياً، بينهم 13 طفلاً و10 نساء، ودماراً طال عشرات الأبنية وأخرج مرکز الدفاع المدني والمشفی الوحيد عن الخدمة.
الهدف من الحملة -يتابع عادل- کان إجبار لجنة الحي علی العودة إلی طاولة المفاوضات دون التمسک بأي شرط مسبق؛ کوقف إطلاق النار أو الکشف عن مصير المعتقلين من أبناء المدينة، کانت رسالة الضباط الروس واضحة: إما الرضوخ لشروط التهجير وإما تکثيف القصف وقتل کل المدنيين.
الاتفاق نص علی بدء نقل السکان الراغبين في الخروج علی دفعات بمعدل 1500 شخص أسبوعياً نحو ريف حمص “الرستن وتلبيسة”، إدلب أو المناطق الخاضعة لسيطرة قوات درع الفرات المدعومة من ترکيا، الاتفاق سيتم بإشراف روسي ورعاية منظمة الهلال الأحمر فيما ستتولی کتيبة شرطة عسکرية روسية ضبط الأمن في الحي والحفاظ علی حياة من اختار البقاء والانخراط في عملية التسوية مع النظام دون منحهم أي ضمانات، علی ألا يتم اقتيادهم إلی الخدمة العسکرية أو اعتقالهم ومحاکمتهم بتهمة الإرهاب.

لن نکون آخر المهجَّرين

“القصة لن تنتهي هنا”، کما يقول محمد الحمصي (31 عاماً) المقيم بحي الوعر غرب مدينة حمص، لـ”هافينغتون بوست عربي”.
وأضاف: “التهجير القسري بدأ منذ عدّة أعوام، تحديداً عندما أجبرت قوات النظام سکان أحياء حمص القديمة عام 2013 علی ترک بيوتهم بعد أشهر طويلة عاشوها في ظل الحصار والقصف والتجويع، السيناريو تکرر بعدها في داريا، وحلب، والمعضمية، وخان الشيح، وقدسيا والتل، ولن يتوقف عندنا”.
وذکر أن التهجير “سيطول کل المدن والأحياء التي رفضت يوماً الخضوع لنظام بشار الأسد ما لم يتحرک المجتمع الدولي وبشکل جدي هذه المرّة، وسنری المصير ذاته يتکرر في إدلب، وريف دمشق، ودرعا وريفي حلب وحماة”، علی حد تعبيره.

أوروبا

فخر مراد (43 عاماً)، الأب لـ3 أطفال والمقيم بحي الوعر، قال لـ”هافينغتون بوست عربي”، إنه سيصبح رقماً يضاف إلی أعداد اللاجئين السوريين الکبيرة حول العالم.
وأضاف: “سأحاول وعائلتي أن نکون في أولی القوافل المغادرة، مبدئياً إلی مدينة إدلب ومنها سأحاول العبور إلی ترکيا، علی أمل الوصول إلی أوروبا”.
واستدرک قائلاً: “بالتأکيد بعد سنوات الحصار الطويلة، لا أملک المال الکافي لهذه الرحلة الصعبة، لکنني ما زلت أملک القدرة علی المحاولة”.
وعن الصعوبات التي ستواجهه خلال الرحلة، يقول فخر: “تحدثت وعائلتي ساعاتٍ، قرأنا عن المخاطر، عن الموت غرقاً في البحر أو جوعاً بالغابات، عن رصاصات حرس الحدود التي لا تخطئ هدفها في کثير من الأحيان، وعن ظروف اللاجئين الصعبة، حاولنا الإحاطة بکل التفاصيل، لکن النتيجة کانت واحدة، المراهنة علی أرواحنا مرة واحدة في سبيل حياة کريمة تضمن لنا الحدود الإنسانية الدنيا للحياة”.

أسعد لحظاتنا!

أما عارفة (35 عاماً)، فقالت إنه “أخيراً، حان لسنوات (البرغل) -کما يسمونها في الحي- أن تنتهي، سنوات الجوع والحصار، سنوات القهر والقذائف المستمرة، سنوات کانت سعادتنا تتلخص فيها بإحصاء أبنائنا وأحبائنا المتبقين علی قيد الحياة بعد أي غارة أو قصف”، حسب وصفها.
وعن وجهتها هي وأطفالها إذا ما تم تنفيذ الاتفاق، قالت: “لا أملک أي فکرة عن مصيرنا، کل ما يهمني هو الخروج بأطفالي من هنا، أملک بعض الأقرباء في المناطق التي ما زالت خارجةً عن سيطرة النظام، سأذهب إلی هناک مبدئياً، وبعدها يمکنني التفکير فيما سأفعله بعد ذلک”.
عارفة، فقدت زوجها نهاية عام 2012 بعد حملة اعتقالات طالت الحي ولَم تتمکن هي وطفلاها منذ ذلک الوقت من معرفة مصيره

زر الذهاب إلى الأعلى