أخبار إيرانمقالات

إيران و«القاعدة».. الشراکة الفاسدة

 

 

الاتحاد الماراتية
15/3/2017

 

 

بقلم: حمد الکعبي

 

 ظل النظام الإيراني طيلة العقود الماضية يؤوي بعض قادة الإرهاب ورموز التطرف العالمي في أراضيه وعلی معسکراته لادخارهم واستخدامهم، وفقاً لمصلحة مليشياته وتحرکاتهم وخططهم السوداء تجاه المنطقة ودول العالم جمعاء،
غير مبالين ولا مراعين لعهود ولا مواثيق، تجمع بينهم لغة سفک الدماء وانتهاک الحرمات وضرب استقرار وأمن الدول، سعياً لتحقيق الحلم المنشود والأمل المفقود في إعادة أمجاد الإمبراطورية الفارسية، التي حدّث عنها من لا ينطق عن الهوی، صلی الله عليه وسلم، فقال: «إذا سقط کسری فلا کسری بعده»، إلا أن العنصرية والحقد الدفين والسباحة في سراب الوهم تدفعهم لزعزعة الأمن والسلم الدوليين. فمنذ فرار مسؤولي «القاعدة» وأعوانهم من أفغانستان بعد الهجوم الأميرکي عليها هناک أصبحت إيران هي الحاضنة الآمنة لهم، والملاذ الذي ضمن لهم الاستمرار والانتشار، ووجدوا نبعاً دافقاً للتمويلات والسيولة التي تستخدم کرواتب للمرتزقة والإرهابيين، وثمناً لتنفيذ عمليات المجرمين.

وقد مرت «القاعدة» بعدة مراحل في علاقتها مع إيران من ضمنها مرحلة ما قبل 11 سبتمبر، التي بدأت منذ 1992، وکان المُنسّق حينها عماد مغنية وابن لادن، وذلک في بدايات تکوين هويّة وخريطة تنظيم «القاعدة» وعلاقاته مع التنظيمات الأخری، واتسمت هذه المرحلة بعلاقة تبادل مصالح تکفل لتنظيم «القاعدة» استخدام الأراضي الإيرانية والأراضي التابعة للجماعات التي تنضوي تحت الإشراف الإيراني لتمرير الدعم المادي وعبور الأفراد. وبعد ذلک کانت مرحلة ما بعد أحداث سبتمبر التي رکزت علی عملية الاحتواء والحماية والتوظيف من قبل إيران لتنظيم «القاعدة» ورموزه، فقد تعدّت مسألة العبور إلی الحماية وتوفير معسکرات وانطلاق بعض العمليات التي تستهدف دولاً من الأراضي الإيرانية بتنفيذ «قاعدي»، بالإضافة إلی إدماج أعضاء «القاعدة» في معسکرات تدريب، مثل معسکر «ساحل الروح» وهو الأشهر في نظامه العسکري،
والذي يتولی تدريب قيادات ميدانية لـ«حزب اللات». کما شکل مقتل ابن لادن أيضاً مرحلة جديدة في العلاقات الإيرانية بـ«القاعدة» ورموزها، حيث تم تسريب قيادات من «القاعدة» إلی الدول المجاورة وغيرها، حاملين أجندة في بعض تفاصيلها مصالح لإيران، وذلک وفقاً لطبيعة الأعمال التي نفذوها في تلک الأراضي. کما تستخدم إيران کذلک رموز «القاعدة» کورقة في بازار المقايضات والمساومات، وأحياناً للابتزاز والاستفزاز. وقد أثبتت وثائق منسوبة لزعيم «القاعدة» وجود تعاون لوجستي بين التنظيم وإيران. ووفقاً للوثائق التي أفرجت عنها أميرکا بعد العثور عليها في منزل ابن لادن في مدينة «أبوت آباد» خلال عملية اغتياله، فإن تنظيم «القاعدة» قام بحماية المراقد الشيعية في العراق وسوريا مقابل منح طهران إياه ممراً آمناً لمراسلاته وأمواله، وملجأ يؤوي قادة التنظيم وعائلاتهم. وهکذا بعد نحو خمسة أعوام من مقتل زعيم «القاعدة» کشفت تلک الوثائق جانباً من علاقة التنظيم وإيران.
کما کشفت أيضاً أن النظام الإيراني يمتلک أوراق ضغط يمارسها علی تنظيم «القاعدة» في سبيل تسخيره لخدمة أهدافه السياسية، کاستغلال نشاطه لإزعاج الأميرکيين في العراق، کما تظهر هذه الوثائق، في المقابل، امتلاک التنظيم أيضاً أوراق ضغط فاوض بها الإيرانيين. ووفقاً للإدارة الأميرکية، فإن هذه الوثائق عثر عليها في مايو 2011، أي في خضم جولات مفاوضات الملف النووي بين إيران والغرب. وإلی جانب تأکيدها نوعاً من ارتباط المصالح بين إيران و«القاعدة» فقد أثارت الوثائق تساؤلات عن حقيقة وجود تقاطع مصالح آخر بين إيران و«داعش»، وخصوصاً في العراق وسوريا، إذ تبرز أحاديث ميادين القتال في سوريا إحجاماً لحلفاء إيران عن مقاتلة التنظيم مقابل خوضهم قتالاً شرساً ضد فصائل المعارضة الأخری.
إن علاقة إيران بتنظيم «القاعدة» هي علاقة أشبه أن تکون بـ«زواج متعة» أو «زواج مصلحة»، فالنظام الإيراني فتح أبوابه لقيادات التنظيم، علی رغم الهوة العقائدية والفکرية الشاسعة بين الطرفين، وقدر عدد من تؤويهم إيران من قيادات التنظيم بنحو 500 شخص، وعلی رغم جميع الأدلة والبراهين والاعترافات بالعلاقة الحميمة التي تجمع بين طهران و«القاعدة»، فإن النظام الإيراني ومليشياته لم يعترفوا بذلک، وظلوا يسعون للتمويه عليها، ومحاولة إلصاق التهم المنسوبة إليهم وجرائم «القاعدة» بأطراف أخری کالمملکة العربية السعودية، تلک «الکذبة» والادعاءات التي تروج لها طهران للنيل من سمعة جيرانها وتشويه الصورة الحضارية والإنسانية التي تتمتع بها السعودية، فشتان بين من ينشر الخير في أرجاء العالم ومن يضطهد شعبه ويؤذي جاره ويؤوي الإرهابيين. وفي النهاية، وکما قال عز وجل «ولا يحيق المکر السيئ إلا بأهله»..فالحفر التي يحفرها النظام الإيراني، والعثرات التي يراکمها علی طرق وسبل السلام في المنطقة، سيکون الوقوع فيها مآل الماکرين والمتآمرين، وستکون سبيلهم إلی الهاوية، بإذن الله.

زر الذهاب إلى الأعلى