حديث اليوم

انتخابات أو انتقامات؟!

 

 

مع اقتراب موعد مسرحية الانتخابات تشتد وتيرة الصراع بشکل غير مسبوق حيث تتبادل الزمرتان المنافستان القصف الخطابي بلاهوادة ضد بعضهما البعض ما يجعل النظام برمته معرضا للخطر. حالات الهجوم والهجوم المقابل الأخير يحمل سمات خاصة تميزها من سابقاتها منها: 
توسع نطاق المواجهات والقصف من السمات البارزة في هذه التراشقات التي تطفو علی السطح بين فينة وأخری حيث يخوض کل طرف بکل ما اوتي من قوة ، فمن جهة سعی علي خامنئي لحد الآن تجنب الخوض في هذا الصراع حفاظا علی موقعه التفوقي للزمرتين. الا أنه وفي يوم الخميس 9 مارس اضطر للخوض في المعرکة وتنزل من موقع الولي الفقيه ليقود زمرته وليستهدف حسن روحاني بهجمات وتندرات عنيفة. 
کما واصل خامنئي هجماته بتآليب أئمته الجمعة في أرجاء البلاد علی روحاني وحکومته ليشنوا عليه هجوما بکلمات وعبارات مماثلة بشآن عدم تحسين الوضع الاقتصادي وأکدوا «الاقتصاد المقاوم يجب أن يکون ملموسا في موائد الناس». (الملا امامي کاشاني – صلاة الجمعة في طهران 10 مارس).
أو قال الملا رضوي اردکاني في صلاة الجمعة في شيراز : «عمر الحکومة علی وشک النهاية ولکن المشاکل الاقتصادية لم تنحل ولا يری المواطنون انتعاشا اقتصاديا في حياتهم».
محمود احمدي نجاد وبعد حقبة من الصمت هو الآخر دخل المعرکة الانتخابية ليشن هجوما بادبياته الخاصة منزوعة العصب علی روحاني وطبعا لم تسلم زمرة خامنئي من لسعات لسانه.
السمة البارزة الأخری في هذه التراشقات الاعلامية والخطابية هو حدة وسرعة التقاذفات بين الزمرتين واستخدام کلمات وعبارات نابية ضد الأخری لم يشهد لها مثيل وأن سرعة اتخاذ المواقف المتبادلة تکاد تکون يومية.
فعلی سبيل المثال قال الملا علم الهدی ممثل خامنئي في محافظة خراسان الرضوية: « ما معنی تعبير ”منقل النار“ علی لسان مسؤول في النظام أمام کلام القائد؟ … وهکذا مواجهات کلامية وهکذا ضربات ضد القيادة وهکذا وقوف بوجه القيادة… تحمل معها تحقيق فکرة نجس العين وخبث العدو».
وقال احمدي نجاد مخاطبا روحاني: «من الذي جعلک وقحا الی هذا الحد حيث تتکلم هکذا بشأن الشعب الايراني؟ کآنک لم تصطدم بجدار صلب؟!».
وفي المقابل شنت زمرة روحاني هجومها المقابل فعلی سبيل المثال رد جهانغيري النائب الآول لروحاني في رسالة موجهة الی جنتي علی حملات الأخير بشأن الحکومة وقال ان ابداء استياء خامنئي حيال تنفيذ ما يسمی بالاقتصاد المقاوم لم ينحصر علی الحکومة بل يشمل سائر السلطات ومؤسسات الدولة. ان حدة الهجوم والهجوم المقابل في النظام بلغ حدا حيث وصفته صحيفة ”جمهوري“ في عددها الصادر يوم 11 مارس الانتخابات المقبلة بـ «الانتقامات».
ولکن التقاذفات والتراشقات بين الزمرتين قد خرجت من اطار الکلام والهجمات الکلامية وأخذت أبعادا عملية منها ولأول مرة في عمر النظام ، نری اعتصاما واضرابا لأئمة جمعة خامنئي في محافظة خراسان الجنوبية يطالب باقالة المحافظ.  
والآن السؤال المطروح هو ما هو هدف الهجوم الثقيل الذي شنته زمرة الولي الفقيه علی روحاني؟ فهل هذه الحملة هي مقدمة وتمهيد لحذفه عبر رفض أهليته من قبل مجلس صيانة الدستور أم أن هدفها هي اضعافه الی أقصی حد؟
ويبدو أن الفرضية الأولی مرفوضة وذلک لأسباب عديدة أولها أن خامنئي وحسب وسائل الاعلام الحکومية قد أعلن موافقته علی ترشيح روحاني وثانيا ان الهجمات التي تشن ضد روحاني هذه الأيام مضمونها عدم الکفاءة وهذا لا يمکن أن يکون سببا لصدور رفض الأهلية من قبل مجلس صيانة الدستور. بينما کان قبل أسابيع الهجمات علی روحاني من نوع التواطؤ مع شقيقه حسين فريدون في الاختلاسات وحينذاک کان بالامکان القول انه يمکن أن يکون سببا لشطب روحاني ولکن الآن يبدو أن الهجمات علی روحاني تأتي بقصد اضعافه وتفريق جمهوره واذا کان هناک نية في شطبه فهذا الشطب يدخل من باب «رعاية قواعد اللعبة» وعبر صناديق الاقتراع. ولکن الهدف الأساسي هو «تشويه» واضعافه بحيث حتی اذا خرج من الصندوق فائزا سيکون ضعيفا أضعف من الولاية الأولی ويکون مقصوص الأجنحة ومطيعا للولي الفقيه. 
ولکن السبب الأهم الذي يدحض شطب روحاني قبل صناديق الاقتراع عبر مجلس صيانة الدستور هو تجربة عام 2009. لکون خامنئي يدرک جيدا المناخ الانفجاري السائد في المجتمع ويعلم أن الجماهير الواسعة المنهوبة أموالها والطافح کيل صبرها تترصد أقل شرخة داخل النظام.  
لاسيما أن زمرة روحاني وجماعة مسماة بـ «الاصوليين» يعيشون في غاية التشتت والتشظي بحيث حتی من خلال تشکيل تنظيم مطنطن لکن فارغ المحتوی باسم «الجبهة الشعبيه لقوی الثورة الاسلامية» (جمنا) لم يکتب له النجاح ولم يستطع التنظيم من تقديم مرشح واحد يستطيع منافسة روحاني. ومن الطريف أن العشرة الأولی التي تم تقديمهم کل واحد يغني حسب ليلاه فمثلا سعيد جليلي نأی بنفسه من الجماعة وقال انه لا يريد أن يکون مرشح «جمنا» وجماعة احمدي نجاد وکذلک جماعة مؤتلفة کل واحدة لديها مرشحها الخاص. التشتت والتشظي في زمرة الولي الفقيه واضح بحيث أکد الملا رسايي من الوجوه البارزة للدورة السابقة في البرلمان ان کان هذا هو الاصولية فأنا أعلن برائتي عنه. التشظي في هذه الزمرة بلغ حدا جعل المراجع الدينية الحکومية من أمثال مکارم شيرازي ونوري همداني يحذرونه من أنهم سيکونون مهزومين في الانتخابات المقبلة لو لايقدمون مرشحا واحدا.
وبذلک ولو أن زمرة رفسنجاني- روحاني هي الأخری لم تتمتع بالانسجام ولکن أکبر فرصة لها في الصراع الانتخابي هي تشتت المعسکر المنافس لها. التشتت والتشظي الذي هو يولد الدينامية لمزيد من الصراعات والنزاعات داخل النظام مما يفتح المجال أمام العنصر الاجتماعي وأن اتساع نطاق الاحتجاجات الاجتماعية في الأيام القليلة الماضية مؤيدة لهذا المنحی. 

 

زر الذهاب إلى الأعلى