العالم العربيمقالات

مهزلة جنيف: النظام هو المعارضة

 

 نقلا عن “الشرق الأوسط”
6/3/2017

 

بقلم:عبد الرحمن الراشد

 


حتی تسيطر ألمانيا النازية علی فرنسا المحتلة في الحرب العالمية الثانية جاءت بفرنسيين وصنعت منهم حکومة من دمية، سُميت بحکومة فيشي، وذلک حتی تقنع العالم بشرعية وجودها. هذا ما يفعله نظام دمشق. فهو عندما تبين له أن للمعارضة شرعية تتجاوز شرعيته لجأ إلی حيلة اختراع جماعات تدعي المعارضة، وفتح لها باب العمل في دمشق، وأرسلها للعواصم الموالية له، مثل طهران وموسکو، تفاوض بالنيابة عن المعارضة. ولأکثر من ثلاث سنوات لم يصدق أحد هذه المسرحية، التي تسمی بمنصة موسکو ومنصة القاهرة، مجرد ملحق بالنظام السوري.
نظام دمشق، من خلال روسيا، أصرّ علی فرض هذه الجماعات المزورة في مفاوضات جنيف، وبعد أن وافق المبعوث الدولي علی إشراکها، الآن تصر موسکو علی أن تدمجها ضمن وفد المعارضة الحقيقي! وعندما رفضت المعارضة الحقيقية ضم المزورة إليها اتهمتها بتخريب المفاوضات!
ولم يعجب الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا رفض المعارضة، وقالت إن «الهيئة العليا للمفاوضات ترفض التعاون علی مستوی متساوٍ مع منصة موسکو ومنصة القاهرة وتقوض بحکم الأمر الواقع الحوار».
بعد إشراک منصتي موسکو والقاهرة أصبحت مفاوضات جنيف مهزلة سياسية هي الأسوأ في التاريخ، ولا نعرف لها مثيلا، حتی حکومة فيشي المزورة کانت أکثر نزاهة منها. في رأيي لم يعد هناک معنی لاستمرار المعارضة، أي الهيئة العليا للمفاوضات، في المشارکة، بعد أن سلبوا منها کل شيء، حتی حق تمثيل أنفسهم کمعارضة.
أصبح کل شيء يمثل النظام مزوراً، فلا الجيش جيشه، ولا معارضوه الذين يصر علی التفاوض معهم هم حقاً معارضوه. وقد اشتهر نظام الأسد بتلفيق الشعارات من قومية وعروبة وديمقراطية، وتزوير الانتخابات، واختراع تنظيمات مفبرکة مثل «فتح الشام» نيابة عن المقاومة الفلسطينية في لبنان، و«الجهاد الإسلامي» في غزة. وعندما قرر اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان الأسبق، في عام 2005، صنع تنظيماً سماه «جند الشام»، وأنتج شريط فيديو يزعم فيه شخص اسمه أبو عدس أنه الانتحاري، وتبين للعالم لاحقاً أنها رواية مکذوبة، حيث أظهرت التحقيقات الدولية أسماء الفاعلين الحقيقيين المرتبطين بالنظام في دمشق. وفعل أکثر من ذلک في حرب العراق بعد الغزو الأميرکي حيث أسس، بالتعاون مع إيران، تنظيمات ادعی أنها مقاومة إسلامية وبعثية.
هذه المنصات المعارضة، واجهات تقدم مطالب النظام وتدافع عنه، وما دامت موسکو وإيران تساندان هاتين المعارضتين فالأجدی أن توقع معهما الاتفاق في طهران وتنهي هذه المهزلة.

زر الذهاب إلى الأعلى