أخبار إيرانمقالات

جنرال عهد ترمب يستعد للحرب… حتی لا تقع!

 

الشرق الاوسط اللندنية
2/3/2017
 
 
بقلم:هدی الحسيني

 

رجل واحد التقی حوله الحزبان الجمهوري والديمقراطي في إدارة الرئيس دونالد ترمب، هو إتش.آر ماکماستر مستشار الأمن القومي، الذي حل مکان مايکل فلين بعدما استقال بسبب اتصالات هاتفية مع السفير الروسي في واشنطن. ماکماستر کان قد وضع قبل عقدين من الزمان کتاباً بعنوان «التقصير في أداء الواجب»، عن الأکاذيب التي أدت إلی حرب فيتنام، وفيه يحکي عن ضرورة قول الحقيقة للذين في السلطة. هذا الکتاب احتل، مع تعيينه في المنصب، مرتبة الأکثر مبيعاً، علی موقع «أمازون». وکان قد أعلن أن الجنرال، بثلاثة نجوم، سيبقی في الجيش مع ممارسته لمسؤولياته الجديدة، تماماً کما حدث مع الجنرال کولن باول عندما صار مسؤول الأمن القومي في عهد الرئيس رونالد ريغان، ليعود بعدها إلی البنتاغون، ويصبح رئيس هيئة الأرکان المشترکة، في ظل جورج بوش الأب.
کانت وظيفة ماکماستر، حتی المنصب الجديد، إعادة تأهيل قدرات الجيش. في شهر مايو (أيار) من العام الماضي، جری لقاء مطول مع ماکماستر في معهد الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، تحدث خلاله عن الفترة التي يعيشها العالم، وهي فترة زيادة الخطر علی الأمن الوطني والدولي. وعزا سبب تکاثف الأخطار إلی التخفيضات في القدرة العسکرية الأميرکية علی التحديث بالذات، وأن الوضع العالمي بمدی تأثيره علی الأمن والمصالح الحيوية الأميرکية يتغير، ويستدعي رفع مستوی التحديات التي يواجهها الأمن القومي الأميرکي. «العالم مختلف… العالم يتغير دائماً». قد تکون العبارة الأکثر خطورة التي قالها الجنرال ماکماستر التالية: «إننا نری تحولاً في الجغرافيا السياسية ومنافسة يتسببان في فرض أخطار کبيرة، وأعتقد أن ارتفاع خطر حدوث أزمة دولية کبری هو الأعلی منذ 70 سنة».
يمکن وصف ماکماستر بـ«الجنرال البروفسور». في اللقاء ذاک، استشهد بالأطروحة «قافية التاريخ» التي کتبتها مارغريت ماکميلان عام 2014، وقارنت فيها ما بين عامي 2014 و1914، ورأی ماکماستر فيها عودة للمواجهات الجيو – سياسية. وقال تعليقًا: «يمکن أن نعتبر أن إجازتنا من التاريخ بعد فترة الحرب الباردة، قد انتهت».
الجنرال – البروفسور، اعتمد علی ما جاء في الکتب، ليصل إلی شرح استراتيجيته. أشار إلی کتاب کان قد صدر حديثاً – نصح بقراءته أيضًا الرئيس السابق باراک أوباما – بعنوان «حدود مضطربة» للکاتبين جاکوب غريجييل وويس ميتشل، وفيه يلقيان الضوء علی عودة الحياة إلی القوی الرجعية: روسيا والصين اللتان تحيط بهما دول ضعيفة أصبحت الآن ساحات وغی، ساحات تنافس بعيدة عن قبضة القوة الأميرکية. ويصف الکاتبان إيران کقوة رجعية، وسلطا الضوء علی تهديدات کوريا الشمالية للأمن الوطني والدولي.

قال ماکماستر إن الذي وضع نهاية لفترة ما بعد الحرب الباردة هو غزو روسيا لأوکرانيا، وضمها شبه جزيرة القرم. لم يکن هذا تطوراً جديداً، من حيث شکل العدوان الروسي، إذ يمکن العودة إلی تهديد دول البلطيق عام 2007، وغزو جورجيا عام 2008. ومرة جديدة، يشير الجنرال ماکماستر إلی کتاب «إحساس بالعدو» لزکريا شور: «ليس المهم أن تفهم نمط سلوک عدوک، بل أن تستبق وتخمن نمطاً لکسر هذا السلوک، واتخاذ إجراءات التصدي لتهديداته في الوقت المناسب». هنا انتقد رد الفعل الأميرکي: کان ردنا الاستراتيجي تسريع انسحاب قواتنا، وقوات الجيش علی وجه الخصوص، من أوروبا، فأيقظنا بالتالي الخطر الآتي من روسيا التي تشن حروباً محدودة لأهداف محدودة، من دون أي تکلفة. لذلک رأی أن المطلوب هو الردع لتصعيد تکلفة الحدود، وإقناع العدو بأنه غير قادر علی تحقيق أهدافه بکلفة معقولة.
أهداف روسيا بنظر الجنرال: «زرع الشک ونظريات المؤامرة عبر تحالفنا. أهدافها ليست دفاعية، بل هجومية، تعمل علی انهيار فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وما بعد الحرب الباردة، وانهيار النظام السياسي في أوروبا، واستبدال هذا النظام بآخر أکثر تعاطفاً مع المصالح الروسية».
رأی الجنرال أنه يمکن رؤية السلوک الاستراتيجي الصيني بشکل مماثل للروسي: «ما يجري في بحر الصين الجنوبي هو توسع إقليمي، تطوير اليابسة لفرض نفوذ بحري وجوي، وتقييد حرية الحرکة، وتسعی الصين للقيام بجهد اقتصادي من أجل تقويض نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الاقتصادي في المنطقة».
أما ما يجعل کوريا الشمالية مخيفة، فهو: «قد تکون قوة نووية، لکنها في الوقت نفسه دولة فاشلة، وهذا ما يجعل وضعها خطيراً للغاية».
يعترف الجنرال ماکماستر بأنه لا توجد حلول قصيرة الأجل للمشکلات الطويلة الأمد: «والجيش يلعب دوراً مهماً جداً في وضع شروط، وتسهيل الحلول الأمنية علی المدی الطويل».

عندما طرح وضع إيران، کان کاشفًا لاستراتيجيتها المرتبطة باستمرار الکوارث الإنسانية في الشرق الأوسط الکبير. وأکد بثقة أنها تقاتل حرباً بالوکالة ضد الولايات المتحدة منذ عام 1979، وکشف أن الإيرانيين يرون أن مشکلات الشرق الأوسط تصب في مصلحتهم: «ما تقوم به إيران هو تطبيق نموذج (حزب الله) في لبنان علی نطاق واسع في المنطقة، بحيث تکون هناک حکومات ضعيفة تعتمد علی إيران لدعمها، في حين تستمر إيران بتشکيل ميليشيات ومجموعات أخری مسلحة خارج سيطرة الحکومة، بحيث تطلقها ضد الحکومة إذا ما اتخذت إجراءات ضد المصالح الإيرانية».

أشار ماکماستر إلی أن المشکلة في العراق ليست الفساد کفساد، بل «التخريب الإيراني، واستخدام الضغط علی الحکومة کي تبقی متعاطفة مع المصالح الإيرانية، وهي تؤخر الإصلاحات وإعادة بناء قوات الأمن العراقية المتعددة الطوائف».
عندما يصل الجنرال للحديث عن «داعش»، يقول: «إنها مشکلة نعرف أننا لا يمکننا استيعابها»، ويضيف: «نِصفُ الشعب السوري إما مات، أو جرح، أو تهجر. الکارثة الإنسانية تعصف بالمنطقة، وتزعزع أوروبا بطريقة ما، وهناک ترابط بين کل هذه الأخطار الأمنية. روسيا، علی سبيل المثال، نعرف أنها تمول بعض الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، في وقت تعمل فيه علی تقوية محور نظام الأسد. إن الإيرانيين والروس يدفعون إلی تفاقم أزمة اللاجئين».

لکن، هل يميل الجنرال إلی شن الحروب؟
في لقائه، شدد علی قدرات القوات الأرضية، وعنی بذلک: «الجيش، ومشاة البحرية، وقوات العمليات الخاصة». ثم أوضح: «إن ما نريده هو تجنب الصراع، وحلفاؤنا ضروريون لفعل ذلک. إننا نطور قدرات الجيش، لا لتوقع حرب معينة في المستقبل، لکن لمنع حدوث حرب؛ الوسيلة لمنع الحرب تکون بأن نثبت للعدو أننا قادرون علی فرض النتيجة عليه، من دون تعاون من قبله».
«کانت الحروب في التسعينات هدفاً لممارسة التدريبات، وکانت تنتهي عندما تنتهي الذخيرة ويکون العدو قد قام بدور المتلقي السلبي للقوة العسکرية، ثم نغادر. لم نعد نفعل ذلک إطلاقاً، ما نقوم به الآن هو فهم التعقيدات السياسية والاجتماعية والثقافية والدينية، بسبب الحاجة إلی بيئات أمنية تقوم بتطوير الشراکة».

بسبب ما تعلمه الجنرال في أفغانستان والعراق، يريد ألا يسمع إطلاقاً عبارة: «بناء قدرة الشريک» لأنه «نحن هناک من أجل المصالح الأميرکية، ومصالح المتحالفين معنا. لذلک، علينا الترکيز في المنطقة علی الإصلاح والمؤسسات».
يشرح ماکماستر: «داخل الحکومة العراقية، أحبطت کثير من الجهود عن طريق التخريب الإيراني. بدأ الانحدار عندما سُرقت نتائج الانتخابات من إياد علاوي بسبب التدخل الإيراني عام 2010 (…) ثم هناک محرکون کثر للصراع في سوريا والعراق، لکن هناک حاجة إلی نهج خارجي لإقناع الجهات الرئيسية الفاعلة في المنطقة بأن مصالحها تکون بتشجيع التقارب بين المجموعات، بدل رعاية المتطرفين، وتحريضهم ضد بعضهم بعضاً، في لعبة دموية محصلتها: صفر».

البروفسور ماکماستر يصل إلی الأخطار، ويحلل أسباب الحروب، ويرغب في کشف أبعادها للذين يتمادون. «جميل» أن نسمع تهديدات القادة الإيرانيين بالتحدي المطلق، و«جميل» أن نسمع تصريحات «القادة» الفلسطينيين الذين تستضيفهم إيران، مثل أحمد جبريل الذي يريد «شن الحرب علی إسرائيل رغم أنف الأردن»! طبعاً من العيب المقارنة. لکن أمام حضرة الجنرال البروفسور، فإن الحديث عن الاستراتيجيات والأخطار وردعها، يبقی أمراً ممتعاً.. . . . . .

زر الذهاب إلى الأعلى