أخبار إيرانمقالات

محددات نجاح إيران في المصالحة مع دول الجوار

 

الوطن السعوديه
23/2/2017
 
بقلم:محمد السلمي
 

 

أقول للنظام الإيراني بصفتي مواطنا خليجيّا بسيطا، إن کسب ثقة الشارع الخليجي ينتظر الأفعال، بعد أن شعر المجتمع الخليجي بتُخَمة من الوعود الکاذبة
من المعلوم أن ما أقحم النظام الإيراني نفسه فيه من صراعات وحروب، تَسبَّب لإيران في أزمات شديدة علی المستويين الداخلي والخارجي، علاوة علی الضغوطات الأميرکية علی إيران منذ وصول ترمب إلی البيت الأبيض، فکان نتيجة لهذا أن الحکومة الإيرانية بدأت تتحدث مؤخرا عن رغبتها في التصالُح مع دول الجوار العربي والانفتاح عليها، وقد اتّضح ذلک في عِدَّة نداءات أطلقها الرئيس الإيراني حسن روحاني، ونداءات أُخرَی جاءت من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في أثناء مشارکته في منتدی دافوس الاقتصادي، ثم کرَّر الأخير هذه العبارات خلال کلمته في مؤتمر ميونخ للأمن مطلع الأسبوع الجاري.
علاوة علی ذلک، وفي إشارة واضحة إلی الاتجاه الإيراني إلی مزاعم المصالحة والحوار مع دول الجوار، والبحث عن الوساطات لإنجاح هذه المساعي، فقد نفّذ الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارتين في يوم واحد لدولتين خليجيتين، هما الشقيقتان سلطنة عمان ودولة الکويت، في إشارة واضحة إلی الرغبة في التقارب الإيراني-العربي، خصوصًا مع دول الخليج.
لکن إذا ما تجاوزنا الأمور الشکليَّة الدبلوماسية، من لغة جميلة وروح تصالحية، ونظرنا إلی الواقع الحقيقي، طارحين السؤال الأهمّ: «ما التغير الطارئ والملحوظ الذي حدث علی الموقف الإيراني الحقيقي وسلوکها في المنطقة الذي يجعل دول المنطقة تؤمن بأنّ طهران جادّة في مساعيها التصالحية هذه المرة؟»، إذا طرحنا هذا السؤال فإن رؤيتنا للأمر لا بد ستختلف.
قبل الإجابة عن هذا السؤال علينا أن نعود بالذاکرة إلی أربعة أعوام خلون، ونتذکر تصريحات حسن روحاني خلال حملته الانتخابية، وبُعَيد فوزه بالرئاسة عندما کرَّر مزاعمه بأنه من أهمّ وأولی أولوياته في السياسة الخارجية الانفتاح علی دول المنطقة عمومًا، بخاصَّة المملکة العربية السعودية التي کانت علاقة إيران بها تدهورت في أثناء فترة الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد، وترميم العلاقة معها، وتجديد العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع دول العالَم والمنطقة، سعيًا لخلق مناخ مناسب لنهضة بلاده والمساعدة في نشر الأمن العامّ في المنطقة!
المفارقة أن ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية هو أن حسن روحاني اتجه في اتجاه معاکس تمامًا لما صرّح به، مما تَسبَّب في أن تشهد المنطقة حالةً من التوتُّر الشديد الذي لم تشهد له مثيلًا من قبل، وقد کان هذا الاتجاه المعاکس شاملًا لکل تصريحاته، سواء تلک التي تخصّ الشعب الإيراني، أو التي تخصّ منطقة الشرق الأوسط ککل، ويتضح هذا من خلال أمرين: فعلی مستوی الداخل الإيراني نجد أن المستوی الاقتصادي للمواطن في انحدار وتدهوُر مستمرّ، وأن الفقر منتشر والبطالة متزايدة وحقوق الإنسان مُهدَرة، وأن النظام لم يتغيّر قيد أنملة إلا علی مستوی التصريحات والکلام، أما الأفعال فلا فرق نوعيًّا بينها وبين السابق لها. وعلی مستوی المنطقة فإن علاقة إيران بدول المنطقة يتزايد تدهوُرها، وبلغت من الانهيار والتدهوُر ما لم تصل إليه إيران من قبل، ولا شيء أدلّ علی ذلک من اقتحام السفارة السعودية، ودعم الجماعات الإرهابية، والاستعانة بها في الحروب الدائرة في المنطقة، سواء في اليمن أو في العراق أو في سورية. باختصار، کما لم يوفِ روحاني بوعوده للشعب الإيراني علی المستوی الاقتصادي والمعيشي، فإنه أيضًا فشل في تحسين العلاقات مع الجوار العربي.
يدرک الجميع أن إيران تعيش مرحلة جديدة في علاقتها مع کثير من الدول، خصوصًا الولايات المتحدة الأميرکية، بعد فوز ترمب وإطلاق کثير من التصريحات ضدّ النظام الإيراني واعتبار طهران الداعم الأول للإرهاب في العالَم، لأن هذا جعل طهران تشعر بأن مکاسب الاتفاق النووي وأحلام المشروعات الاقتصادية القادمة من الخارج سوف تتبدد سريعًا، کما لاحظت تطوُّر العلاقات بين واشنطن والعواصم الخليجية بعد فتور دام ثماني سنوات تقريبًا خلال رئاسة باراک أوباما، فظنّت أن الحلّ للخروج من هذا الموقف الأميرکي الجديد بأقلّ الخسائر يکمن في ترميم العلاقات – مؤقتاً-مع دول المنطقة، والدخول في مفاوضات لکسب الوقت والاستمرار في جَسّ نبض الإدارة الأميرکية الجديدة، واختبار مدی جدّيتها في موقفها من طهران.
لکن بغضّ النظر عن مدی تماسُک موقف واشنطن العدائي من نظام ولاية الفقيه، فإن الوثوق بمزاعم طهران حول جدّيتها في الحوار مع دول الخليج ، ينبغي، في نظري، أن يمرّ بمرحلة اختبار حقيقي، وهذا لا يتحقق إلا بتجاهل الأقوال والتصريحات، وانتظار الخطوات الفعلية علی الأرض، وحسب مدی التغيُّر الحقيقي يکون الانفتاح، وکل ذلک مشروط بالتقدُّم في اتجاه تصحيح موقفها ووقف تدخُّلاتها ودعمها للطائفية والإرهاب.
إن أي انفتاح علی النظام الإيراني في هذه المرحلة دون التزامات حقيقية يعترف بها نظام ولاية الفقيه بجانبيه الثوري والمؤسسي، لن يکون أکثر من طوق نجاة لطهران، ولن يکون له نتيجة إلا العودة بالجميع إلی المربع الأول في التصدِّي للعبث الإيراني في المنطقة، ومرحلة ما قبل عاصفة الحزم وإعادة الأمل.
أقول للنظام الإيراني بصفتي مواطنا خليجيّا بسيطا، إن کسب ثقة الشارع الخليجي ينتظر الأفعال، بعد أن شعر المجتمع الخليجي بتُخَمة من الوعود الکاذبة، وإن مصلحة الشعب الإيراني تکمن في انفتاحه علی محيطه الإقليمي قبل انفتاحه علی الدول الغربية، وإن المراهنة علی أن ترميم العلاقة مع الغرب ستقود تلقائيًّا إلی انضمام دول وشعوب المنطقة إلی ذلک، والتجاوب معه، قد اختُبرت خلال مرحلة ما بعد الاتفاق والنووي وثبت فشلها الذريع، فهل نظام ولاية الفقيه مستعدّ للتغيُّر الحقيقي والتحول من نظام ثورة إلی دولة طبيعية تتعامل مع جيرانها وَفْقا للمعاهدات والمواثيق الدولية؟ أرجو ذلک وإن کنت أشک في تحققه!

زر الذهاب إلى الأعلى