حديث اليوم

الاصطفاف السياسي للمنطقة وموقع النظام الايراني

 

 

بعد احتلال حلب وخلافا لما کان يصوره الملالي والحرس الحاکمون وکانوا يروجون في دعاياتهم، فان وتيرة الافول وتهميش النظام الايراني قد بدأت؛ کون موسکو التي کانت قد دخلت معرکة سوريا منذ البداية لکسب امتيازات من الغرب (حول العقوبات واوکرانيا) قد شعرت بأنها قد حصلت علی ما کان تصبو اليه، لذلک فقد ترکت النظام وتحالفت مع ترکيا الخصم الاقليمي للنظام الايراني فاقتربت بذلک الی العربية السعودية، خاصة أن الادارة الأمريکية الجديدة أعلنت عزمها لدخول نشط في المعادلة السورية بعدما انتقدت تقاعس ادارة اوباما. وبذلک فقد ظهر اصطفاف سياسي جديد في المنطقة کان مضمونه تشکيل جبهة اقليمية ضد النظام تهدف بداية تهميش النظام ثم اقصائه من المعادلة السورية. وسائل الاعلام والعناصر التابعون لزمرة روحاني اذ أشاروا الی هذا التغيير في الاصطفاف الاقليمي والدولي حيث ظهرت الآن علی شکل ائتلاف عالمي ضد النظام، وبدأوا يحذرون مذعورين من تداعياته. 
فهذه الترکيبة السياسية الجديدة وعلی الساحة الاقليمية تبلورت في «آستانا» ثم نضجت في «ميونيخ» لتأخذ طابعا دوليا. ووصفت وسيلة اخبارية تابعة لزمرة رفسنجاني – روحاني هذه الظاهرة السياسية بأنها «النظام ما بعد ميونيخ» وأکدت مذعورة : «هذه الظروف تعني أن دائرة تطويق ايران ما بعد ميونيخ ستضيق وتنتظرنا أيام صعبة».
«فهذه الأيام الصعبة» تتجلی في الخطوة الأولی في رحيل بشار الأسد ويبدو أن موسکو لا تتعارض مع هذا الهدف الترکي المعلن وحسب «علي شکوري راد» من عناصر زمرة روحاني «روسيا ترضی قريبا برحيل بشار الأسد». ومعنی رحيل بشار الأسد واضح للجميع. يعني کنس النظام الايراني من سوريا! ولهذا فهم يحذرون من الغد بقولهم : «اذا … اقصي الأسد عن السلطة فلم يبق لدينا مکانة وقاعدة في سوريا وأن کل نفقاتنا تذهب ادراج الرياح… واذا آردنا أن ندعم بشار الأسد بوحدنا، سندخل تحديات جديدة ومکلفة». (موقع ”ساعت24“ الحکومي 21 فبراير).
ومع أن روحاني يدعي أنه يمتلک مفتاحا لحل جميع المسائل والمتبلور في «انموذج الاتفاق الشامل المشترک» لمواجهة هذه الأزمة واستخدمه في زيارته الی سلطنة عمان والکويت وحتی تشدق وزير خارجيته ظريف في ميونيخ بأن لدی النظام «خطاب جديد للعالم» ولکن کل هذه المزاعم لم تلق آي اهتمام لا في المنطقة ولا في العالم. وما يطلبه الأطراف الأخری من النظام هو عدم التدخل في دول المنطقة واخراج قواته من سوريا والعراق و…. وآکد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير بصريح العبارة «جدية النظام الايراني تقاس في العمل ولا بالأقوال» (مقابلة مع اذاعة بي بي سي العالمية 21 فبراير). 
ويبدو أن روحاني لم يستوعب بعد أن عهد الاتفاق الشامل المشترک والمساومة و«المفاوضات» اللانهاية لها بهدف شراء الوقت قد انتهی بنهاية «عهد اوباما الذهبي». وهذه الحقيقة واضحة وضوح الشمس حيث تعترف بها بعض وسائل الاعلام التابعة لزمرة روحاني نفسه وتحذر : «مع الاصطفاف الجديد ما بعد مؤتمر ميونيخ ضد ايران، فعلی المسؤولين في الجمهورية الاسلامية الايرانية أن يقبلوا بروز هذا الوضع کحقائق علی الأرض وأن يسعوا ابعاد البلاد عن التوتر بالامتناع عن اثارة أي رد فعل استفزازي وتحريضي يعطي الذريعة للآخرين..» (صحيفة ابتکار الحکومية 22 فبراير).
من جهة أخری فان فشل النظام في سوريا والافاق المستقبلية لانهيار عمقه الستراتيجي ، قد فاقم الأزمة الداخلية  في الوقت الذي لم يبق الا أقل من 3 أشهر حتی موعد اقامة مهزلة الانتخابات. ومن جهة أخری رفعت عقيرة زمرة روحاني علی خامنئي حيث تستهدف الزمرة المنافسة صراحة أو تلويحا بسبب سياساته الاقليمية بشکل تهکمي وتطالبه في العلن  ترک مقاليد السياسة الخارجية والهيمنة عليها أو حسب تعبيرها «ادارة القيادة الاستراتيجية للسياسات الايرانية في المنطقة» لهذه الزمرة وبالتحديد لوزارة الخارجية.  
وفي مقابل هذه الهجمات فان زمرة خامنئي تشن بالعيار الثقيل علی حکومة روحاني بسبب الأوضاع المرتبکة والمضطربة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية السائدة في البلاد وبسبب الفساد وعدم الکفاءة والتستر علی الحقائق وحتی تتحدث عن محاکمة ومعاقبة روحاني. 
وکمثال علی ذلک انظروا الی ما جاء في تصريح أحد عناصر زمرة خامنئي باسم «قديري ابيانه» : «… روحاني قد طرح غادرا اسم القائد وقال ان القيادة کان علی المام بما جری في الاتفاق الشامل المشترک وانه أراد بذلک تشويه سمعة القيادة. ويجب معاقبة روحاني بسبب الکذب الذي أطلقه للشعب ان العقوبات ستلغی فور توقيع الاتفاق الشامل المشترک… الحکومة ولغرض ادارة البلاد استقرضت 700 ألف مليار تومان من الخارج وهذا ما يعادل 10 سنوات من عوائد النفط. وهذا يعني ان عوائد النفط قد تم بيعها مسبقا حتی 10 سنوات»…
فماذا سيفعل النظام ومن أجل الخروج من هذه الأزمة ؟ الواقع أن النظام الفاشي الديني الحاکم، يعيش في مأزق تام وليس أمامه امکانية وفرصه الاختيار. کما أن خطاب الناصحين داخل النظام هو الرضوخ لأمواج التغيير في هذه المرحلة: «في هذه الظروف يجب أن تخفف ايران من ظهورها وبروزها العسکر وأن تترک الساحة الاعلامية الی الدبلوماسية الخفية والعلنية». (افتتاحية صحيفة ”شرق“ بقلم علي خرم 22 فبراير2017). لماذا في هذه الظروف لا يعني الوقوف أمام «الائتلاف الاقليمي والعالمي» الا زوال النظام. کما ان التراجع هو الآخر لا معنی له الی تجرع کأس السم الاقليمي والطريق الثاني يمکن أن يقرب النظام الی نهايته بطريقة آسرع.

زر الذهاب إلى الأعلى