أخبار إيرانمقالات

الوهن الإيراني اليوم

 


الحياة
20/2/2017
 
بقلم: رستم محمود

 

أياً کانت درجة «سريّة» الخِلافات الإيرانية- الروسية بشأن سورية، إلا أن شيئاً کثيراً من عدمِ التوافق بينهما بات يظهر بالتقادم. إذ غدت الاستراتيجية الروسية في سورية ترتکز علی الإيمان باستحالة تحقيق النِظام السوري انتصاراً عسکرياً شاملاً علی معارضيه، وعودة سورية إلی ما کانت عليه قبل 2011، فقبول النِظام بـ «حلٍ سياسي» ما، بات واجباً لا مفر منه.

تری إيران ذلک المسعی وکأنه موجهٌ ضدها بشکلٍ موضوعي، لإدراکها العميق أن طبيعة النِظام السوري وترکيبته لا يمکن أن يتقبلا أي تحولٍ سياسي، أياً کانت درجته، وأن ذاک النظام مُهدد بالانهيار فيما لو حصل ذلک. وثانياً لمعرفة إيران أن ذلک الاتفاق لا يمکن أن يبرم من دون توافقٍ وتحاصُصٍ روسي/ ترکي علی النفوذ في سورية المستقبل، والذي سيکون علی حساب ما کان لإيران من نفوذٍ في سورية.

مقابل ذلک، تدرک إيران استحالة استمرارها في حض النِظام السوري علی متابعة ما قد يناقض الخيار الروسي بشکلٍ واضح، أو أن تفعل هي کذلک، عبر الميليشيات الطائفية التابعة لها في سورية، وأن قطاعات غير قليلة من «قادة» الجيش والأجهزة الأمنيّة السوريّة موالية ضمنياً لروسيا، وتخشی من سطوة الميليشيات الشيعية بمقدار درجة خشيتها من الجماعات الدينيّة السُنيّة، والأمر ذاته ينطبق علی جزء واسع من أبناء الطائفة العلوية السورية.

يُدرک القائمون علی السياسة الخارجية الإيرانية أن هذا المسار السوري في ما لو جری بسلاسة ما، فإنه قد يجر إلی ترتيبات سياسية «استراتيجية» في بقية دول المنطقة، التي تخوض فيها إيران، غالباً بالواسطة، حروباً أهليّة وإقليميّة، دفاعاً عن مصالحها الاستراتيجية واستقرار نِظامها الحاکم، ينطبق هذا بالذات علی العراق واليمن ولُبنان.

فالقوی السياسية العراقية الشيعية التي تملک استقلالاً سياسياً نسبياً عن النفوذ الإيراني، قد تخلق مع نظيرتها السنية والکردية نواة لتکتلٍ سياسي وطنيٍ عراقي «عابرٍ للطوائف» في برنامجه وسلوکياته السياسية التي ستسعی إلی تجاوز ما جری في مرحلة داعش، وهي ستکون ضد النفوذ الإيراني بالضرورة. وهذا شيء شبيهٌ لما حدث في لُبنان عقب صدور القرار الدولي 1559، والأمر ذاته قد يحدث في اليمن، بضمانات خليجية وأميرکية للقوی الحوثية والجنرالات التابعين للرئيس السابق علي عبدالله صالح. ذاک أن أساس تمسُک الأطراف بالسطوة والفروض الإيرانية في هذه الدول، کامنٌ في إيمانها وثقتها بأن إيران قادرة وتستطيع أن توفر لهذه القوی المحلية سيطرة مُطلقة علی خصومهم الداخليين. لکنهم ما أن يکتشفوا انتفاء تلک القدرة الإيرانية، سيعودون لعقد مساومات داخلية، وإن علی حِساب المصالح الإيرانية وبالتضاد معها.

لدی إيران العديد من الأدوات التي تمکّنها من إفشال هذا المسار، لکنها تواجه تحدياً جدياً وجديداً قد يعرقل مساعيها هذه، فالإدارة الأميرکية الجديدة، وبکل جديّة، تکاد تساوي وتوازن بين عدائها للتنظيمات الإسلامية المتطرفة والمتفلّتة «السُنيّة»، وعدائها للتطرف الإيراني المُنضبط، فالاستراتيجية الأميرکية الجديدة تجاه إيران، بعد سنواتٍ من «تغنيج» الإدارة الأميرکية السابقة إياها، قد تکون إيران أهم التحديات أمامها، إن لم تکُن التحدي الأصعب. فتلاقي وتوافق الخيارين الروسي والأميرکي، ومعهما الکثير من الدول الإقليمية، سيصب خلال السنوات القليلة المُقبلة، في التوافق علی تحميل إيران مسؤولية التوتر في المنطقة، واعتبار أن تحجيمها مصلحة مُشترکة.

وتواجه إيران ذلک في ظل مؤشرين داخليين بالغي الترکيب، فالوعود الاقتصادية التي عوّل عليها النِظام بنتيجة عودة الأموال الإيرانية المُحتجزة بعد الاتفاق النووي، لم تثمر ولم يتحقق أي تحولٍ نوعي في الحياة الاقتصادية، فحافظت نسب البطالة والتضخم وتدهور قيمة التومان الإيراني علی الوتيرة ذاتها التي کانت عليها خلال السنوات الأخيرة. کذلک قد تواجه النُخب الإيرانية الحاکمة مزيداً من التناقضات الداخلية في ما بينها، إذا ما رحل رأس النظام خامنئي، بطريقة تشبه غياب القُطب هاشمي رفسنجاني.

فوق کُل ذلک، فجوهر «الوهن الإيراني» الراهن، کامن في سياسات طهران المُتعاقبة مُنذ أکثر من عقدٍ ونصف العقد، حيث سعت لأن تکون دولة هيمنة إقليمية کبری، بإمکانات داخلية متواضعة، ومن دون إغراء ذي معنی للجوار يتعدی العصبية الطائفية وتسعير الحروب الداخلية في المُحيط. وهذه الحروب مهما طالت، لا يُمکنها أن تخلق هيمنة مُستدامة.

زر الذهاب إلى الأعلى