تقارير

الطفل الذي أشعل ثورة سوريا

 


12/2/2017

 


من مدينة درعا جنوب سوريا انطلقت الشرارة الأولی ضد حکم بشار الأسد. لم يکن الطفل معاوية الصياصنة يتجاوز الرابعة عشرة حين کتب علی أحد الجدران “أجاک الدور يا دکتور”.
حدث ذلک في فبراير/شباط 2011 مع اندلاع الانتفاضات الشعبية فيما عرف منذ ذلک الوقت بانتفاضات الربيع العربي، بعد أن رأی العالم نزول الملايين إلی الشوارع في تونس وليبيا ومصر واليمن.
ضمن سلسلة “تحقيق خاص” تحت عنوان “الطفل الذي أشعل ثورة” الذي بثته الجزيرة الأحد (2017/2/12) يروي معاوية رد فعل السلطة آنذاک حين اعتقلت رفاقا له ثم دهمت بيته فجرا واقتادته مغلولا إلی جهة غير معلومة.

الاعتقال والتعذيب

بقي معاوية رهن الاعتقال 45 يوما ذاق فيها مع رفاقه ويلات التعذيب التي يشرح أبرزها من “الفروج” والتعذيب بالکهرباء والتعليق.
حين احتج ذوو الأطفال قال لهم مسؤول رفيع “اذهبوا وأنجبوا غيرهم وإن عجزتم أحضروا نساءکم وسنتولی الأمر”.
معروف عبود کان ناشطا بارزا في المظاهرات يستعيد تلک الأيام قبل التحاقه بصفوف الجيش الحر ويقول إن جموع الجماهير في درعا خرجت في مظاهرات سلمية للمطالبة بعودة أطفالهم، وکان الجميع يهتف “الشعب والجيش إيد واحدة”، لکن الذي ثبت هو عکس ذلک تماما.
کان يوم الجمعة 22 مارس/آذار 2011 حيث سقط قتيلان علی أيدي قوات الأمن، ثم حضرت المروحيات حاملة قوات خاصة، ثم انطلق الرصاص علی الحشود التي تشيع القتيلين.
قتل طفل أثناء التشييع وجرح العديدون، ومن نقل منهم إلی المستشفيات کان يلقی القبض عليه، ليتحول المسجد العمري -أقدم مساجد درعا- إلی مرکز إسعاف. لکن المسجد جری اقتحامه في 23 مارس/آذار فقتل سبعة بينهم طبيب.

الحرب تغير کل شيء

حطمت الحرب أحلام معاوية في دراسة الاقتصاد والتجارة، ثم إنها خطفت والده الذي قتل ويقول إنه فقد بغيابه سنده ورعايته له علی نحو خاص بوصفه ابنه الأصغر والمدلل.
غادر الطفل حياته التي رآها تتهاوی أمامه والتحق بالجيش الحر.
لم يکن سهلا علی المجتمع أن ينخرط بمحاربة جيش النظام مع الفارق الفادح في موازين القوی، لکن مجموعات صغيرة من الشباب قررت المواجهة بأي ثمن.
سرعان ما بدأ شباب الثورة يستعدون بأسلحة خفيفة ويعتمدون علی تصنيع بدائي للقذائف، وسرعان ما بدأ يتشکل مجتمع يعيش الحرب کل لحظة.
لا مدارس واقفة علی جدرانها، فما کان من إحدی المعلمات إلا أن انخرطت في جهود حثيثة لجمع ما سلم من أشياء لم تصبها البراميل المتفجرة لتعيد إحياء التدريس بأي طريقة.
أما الأطفال فکانوا يتعلمون أيضا علی يد ناشطة أخری کيف يحافظون علی حياتهم عند حدوث الغارات.
سوريا جديدة
يقول المهندس أبو قصي إنه لا أحد يعيش حياة طبيعية وسط کل هذا القتل، لکنه وهو يقاتل مع الجيش السوري الحر يصر علی أن الحرب عليها أن تصل إلی نهاية يبني فيها الشعب سوريا الجديدة.
انتهکت الحرب کل بيوت درعا وساکنيها، وظل معروف عبود يقود 300 مقاتل من کتيبة تابعة للجيش السوري الحر ويواجه بصلابة قوات جيش الأسد مخفيا عن مقاتليه إصابته بالسرطان في مراحله الأخيرة.
نقل عبود في آخر لحظات حياته إلی الأردن، وسرعان ما فاضت روحه فحمله شقيقه عائدا بجثمانه إلی درعا.
أما معاوية فقد تعمقت جراحه بفقدانه أقرب أصدقائه الذي انضم معه في ذلک اليوم إلی الجيش السوري الحر.
هذا ما فعلته الحرب بين الکف والمخرز. انقسم سکان درعا بين قتيل ومصاب وهارب.

ووسط کل هذا القتال والموت استمرت المظاهرات هنا في الجنوب السوري وفي کل المدن والبلدات الأخری. ما کان الناس يحلمون بغير الحرية والسلام، بينما الحقيقة الوحيدة المؤکدة هي أن سوريا تغيرت.


زر الذهاب إلى الأعلى