حديث اليوم

خيار الولي الفقيه بين الموت والانتحار

 


 

نری خلال الأيام والأسابيع القليلة الماضية تحرکا سياسيا لافتا في منطقة الشرق الأوسط. القاسم المشترک لکل هذه النشاطات هو عزل النظام الايراني والوقوف بوجه تدخلاته المثيرة للحرب والارهابية في دول المنطقة. اللجنة الرباعية «لمناهضة التدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة» حيث نشطت مع مجيء الادارة الأمريکية الجديدة عقدت اجتماعها يوم الخميس 2 فبراير بحضو وزراء خارجية کل من البحرين ومصر والامارات والعربية السعودية بالاضافة الی الأمين العام لجامعة الدول العربية وأکدت في بيانها الختامي علی أن النظام الايراني قد خرق قرار 2216 الصادر عن مجلس الأمن بخصوص اليمن الذي يؤکد علی حظر السلاح .
ان تشکيل لجنة دائمة «لمناهضة التدخل الايراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة» في جامعة الدول العربية التي تشکلت في مطلع يناير العام الماضي وعقب قطع العلاقات السياسية بين العربية السعودية وبعض الدول العربية من جهة وبين النظام الايراني من جهة أخری، يعتبر منعطفا في العلاقات بين الدول العربية والنظام الايراني. لأنها قد حفزت ردود الأفعال السياسية فيما يتعلق بالنظام الايراني لتأخذ نشاطا لافتا.
وبهذا الصدد يجب التنويه الی زيارة وزير الخارجية الکويتي الی طهران التي استغرقت يوما واحدا (25 يناير) والرسالة التي حملها معه من دول مجلس التعاون الخليجي. في ذلک الوقت حاول المسؤولون ووسائل الاعلام التابعة للنظام اظهار هذه الزيارة وفحوی الرسالة «تطوير المزيد من العلاقات الودية والأخوية بين الدول المجاورة والمسلمة» (تصريحات روحاني أثناء تسلمه رسالة وزير الخارجية الکويتي- ارنا 25 يناير).
کما شکر وزير الخارجية للنظام ظريف دور أمير الکويت «في تعزيز حسن الجوار بين دول المنطقة». (تلفزيون النظام 25 يناير). ولکن تبين أکثر من ذي قبل من قبل المسؤولين ووسائل الاعلام العربية أن الرسالة التي حملها معه وزير الخارجية الکويتي في أول أيام عمل الادارة الأمريکية الجديدة کان يحوي التحذير الذي وجهته الدول العربية للنظام من التدخل في شؤون الدول العربية والا سيواجه عواقبها.  وأکدت بعض وسائل الاعلام الحکومية للنظام هذا المضمون ووصفتها بأنها «زيارة استراتيجية» وکتبت: «هذه الزيارة… يجب اعتبارها نهاية الاصطفاف الجيوبولتيکي للأوساط العربية مع ايران في اطار الحوار للهلال الشيعي». (صحيفة جهان صنعت 26 يناير).
کما أنذرت صحيفة حکومية أخری النظام وأکدت ضرورة تحسين العلاقات مع الدول العربية و«تخطيط جديد» لأنه و«بسبب التطورات الحاصله في سوريا والعراق وخاصة اليمن» فهذا الأمر «سيزيد من تکلفة النظام أمنيا وسياسيا واعلاميا» وقد «تفتح الباب علی مصراعيه للقوی العظمی في المنطقة». (صحيفة آرمان 26 يناير).
ولکن الاجراء اللاحق الذي اتخذه النظام ومواقف بعض المسؤولين في الدول العربية تکشف عن آن النظام لم يغير سياسته وتعامله في المنطقة. ومن جملة ذلک:
الاعتداء الصاروخي للحوثيين المدعومين من النظام علی مدمرة تتعلق بالعربية السعودية يوم 30 يناير.
ضبط القوات البحرية الأمريکية قاربا مليئا بالسلاح المرسل الی ميليشيات الحوثي في اليمن يوم 4 فبراير.
تصريحات محمد جواد لاريجاني المبطنة بالتهديد وهو من المسؤولين في قضاء خامنئي في مقابلة مع تلفزيون النظام يوم 5 فبراير ضد البحرين «هناک أوراق عديدة نمتلکها للعمل فعلينا أن ندافع عن الشعب البحريني!.. دول المنطقة لا جذور لها فهي نبتات تقتلع من الجذور بکل رياح… هذه ليست أنظمة ثابتة ذات جذور مستقرة».
نشر خبر مزيف ولکن استفزازي لاطلاق صاروخ بالستي من قبل الحوثيين الی العاصمة السعودية الرياض حيث نشرته وسائل الاعلام التابعة لنظام الملالي يوم 6 فبراير بشکل واسع.
عادل الجبير وزير الخارجية السعودي طالب في لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة غوتيرز في نيويورک بقيام المجتمع الدولي لمواجهة تدخلات النظام الايراني في الشؤون الداخلية لدول المنطقة خاصة اليمن (موقع العربية نت 3 فبراير).
قال «الشيخ ثامر العلي» رئيس جهاز الأمن الوطني الکويتي ان مشکلة طهران ليست مع دول مجلس التعاون الخليجي وانما مع المجتمع الدولي بأسره (صحيفة الانباء الکويتية 2 فبراير).
ورغم ظاهر الموقف الهجومي للنظام في علاقاته مع الدول العربية ورغم تبجحات عناصر النظام ووسائل الاعلام للنظام في استعراض القوة الا أن السمة البارزة لهذه المرحلة للعلاقات بين الدول العربية مع النظام الايراني هي أن الدول العربية تقف سياسيا في موقف هجومي وأن ديکتاتورية الملالي هي في موقف الدفاع کون النظام هو في عزلة متزايدة يوميا. فهذا التحول الاقليمي ناجم عن تغيير توازن القوی علی الصعيد الدولي ضد النظام ولصالح الدول العربية.
طبعا عزلة النظام ليست ظاهرة جديدة ولکن أخذت أبعادا وسندا دوليا. في الادارة الأمريکية السابقة التي کانت سياسة المساومة مع النظام في جدول أعمالها کانت تعمل أمريکا بمثابة حاجز وعنصر مانع أمام الدول والتحالفات الاقليمية المناوئة لنظام الملالي. فعلی سبيل المثال في اليمن فانها کانت تغمض العين علی نشاطات النظام التدخلية في اليمن وارساله مختلف صنوف السلاح الی الحوثيين والانقلابيين من جهة وکان عمليا مانعا أمام تقدم القوات الشعبية اليمنية وتحالف الدول العربية من جهة أخری. ولکن مع مجيء الادارة الجديدة فان السياسة الأمريکية قد اتسقت مع سياسة دول المنطقة حيث راحت تؤثر علی کافة الجهات والمواقف لمن يلعب دورا في المنطقة شاءوا أم أبوا. کمثال علی ذلک فان السياسة العملية للأمم المتحدة في النقاط الساخنة في الشرق الأوسط مثل العراق وسوريا واليمن في عهد اوباما کانت فتح المجال لاطلاق أيدي النظام الايراني وغلق يد الطرف المقابل حيث کان يتم تطبيقها عبر بعثات الأمم المتحدة في هذه الدول. ولکن يبدو أن هذه السياسة قد تغيرت ولذلک نری أن وزير الخارجية السعودي يری الأرضية ملائمة ويطالب خلال لقائه بالأمين العام للأمم المتحدة بتحدي المجتمع الدولي لتدخلات النظام الايراني في شؤون دول المنطقة خاصة اليمن.
من جهة أخری وبموازاة تغيير السياسة في الغرب فاننا نری تغييرا في السياسة في الشرق أي سياسة موسکو التي کانت لحد الأمس تقف بجانب نظام الملالي والنظام الأسدي وحزب الله في جبهة واحدة. ولکن خلال التطورات الأخيرة في سوريا نری أن موسکو ابتعدت عن نظام الملالي وفرضت خطة وقف اطلاق النار وعملية السلام علی النظام وفي المقابل اقتربت الی العربية السعودية وتشارک قواتها العسکرية في سوريا مع القوات الترکية في عملية مشترکة.
والآن السؤال المطروح هو أية سياسة وسلوک سوف يعتمدها النظام أمام التطورات الاقليمية؟ لاسيما أن اطلاق الکلمات المخادعة لن تعود تجدي وأن المسؤولين في دول المنطقة يصرحون أنهم لم يعودوا يقتنعون بالتصريحات المضللة للملالي الحاکمين الذين يتشدقون ظاهريا بالسلام والصداقة والتعايش السلمي ولکن عمليا يمررون خط تصدير الارهاب واثارة الحروب ولم تعد تنطلي عليهم هذه التصريحات. لذلک أمام النظام خياران اما يختار حسب طبيعته المثيرة للحروب خط المواجهة وهو يعرف الأخطار المترتبة عليه ولهذا السبب لا يرسل أي اشارة في هذه الجهة واما تغيير المسار وعلی غرار الاتفاق الشامل المشترک والرضوخ الی الاتفاق رقم 2 وتجرع کأس السم الاقليمي الذي يقترحه روحاني وعصابته. ذلک المسار الذي ينتهي الی حل قوات الحرس وحل ولاية الفقيه وفي نهاية الخط تنتهي الی ازالتهم. وفي واقع الأمر بات الولي الفقيه مُخيرا بين الموت والانتحار.    

زر الذهاب إلى الأعلى