تقارير

المناطق الآمنة حلمٌ يراود السوريين.. هکذا ستجعل حياتهم أفضل وتوقف اضمحلالهم

 


 28/1/2017 

 

 

تتزايد ضرورة المناطق الآمنة التي تحدث الرئيس الأميرکي دونالد ترامب عن نيته إنشاءها في سوريا، هنالک حيث تسببت الحرب بلجوء 5 ملايين شخص، ونزوح 7 ملايين آخرين، ومن شأن تلک المناطق أن تعيد بارقة أمل بسيط للسوريين في حياة أفضل، وفقاً لما يری “هاميش دي بيترون” الذي يعمل مستشاراً في منظمة خيرية طبية دولية تمارس أعمالها في سوريا.
ويشير “هاميش” في مقال نشره بصحيفة “الغارديان” البريطانية، إلی ما يمکن أن يتحقق من أمور إيجابية للسوريين فيما لو أصبحت لديهم مناطق آمنة، بدءاً من حمايتهم من قصف النظام، مروراً بحصولهم علی الخدمات، أبرزها التعليم، ويبدي الکاتب تفاؤلاً بنية الرئيس الأميرکي والجهود التي بذلت في أستانا لوقف إطلاق النار في سوريا.
نص المقال:

دفعت ويلات الأزمة السورية حوالي 5 ملايين شخص إلی خارج البلاد، وتسبَّبت في نزوح 7 ملايين آخرين داخلياً. وإن لم يتم إيقاف هذا الرحيل الجماعي، سيُحکَم علی سوريا باضمحلال نهائي لا رجوع فيه.
ولکن برزت بعض بوارق الأمل خلال الأسبوع الماضي، إذ يجري التفاوض في أستانا، عاصمة کازاخستان، علی وقف إطلاق النار، ويؤيد دونالد ترامب خلق مناطق آمنة داخل سوريا. قد يکون هذا مهماً في إعادة تعمير تلک الأرض المُدمَّرة وإدخال کميات کبيرة من المساعدات الإنسانية سريعاً.
يقر مفهوم المناطق الإنسانية الآمنة بأنَّ الأغلبية العظمی من السوريين تود البقاء في وطنها أو العودة إليه، إذا تحرَّر من الطغيان ومن إرهاب “الدولة الإسلامية” وبشار الأسد.
قد يکون تأييد ترامب محورياً في حَمل سوريا وإيران علی الموافقة علی هذا المنهج. تقترح روسيا، کما هو متوقَّع، اتِّخاذ الحذر، ولکنَّها لا ترفض الفکرة.
سيکون تنفيذ مخطط تجريبي في شمال غرب سوريا الطريقة الأفضل لبدء العملية، وستقع المنطقة المبدئية بين کلٍّ من کلس وريحانلي في ترکيا، وحلب وإدلب. وإذا نجح المخطط، يمکن تکرار النموذج في الجنوب علی الحدود مع الأردن قبل التوسُّع إلی مناطق أخری فور تحرُّرها من قبضة “داعش”.
المنطقة الأولی، ومساحتها حوالي 1500 کم مربَّع، خالية حالياً من قوات نظام الأسد و”داعش”، وتبعد عن المواقع الروسية الرئيسية في سوريا مثل اللاذقية وطرطوس. ويسيطر عليها بشکل أساسي الجيش السوري الحر ومجموعات معتدلة، ويقطنها حوالي 500,000 لاجئ، يعيشون في فقرٍ مدقع في المخيمات قرب الحدود. ويمکن توسيع هذه المخيمات وتحسينها مع تدفُّق الطعام والمياه والکهرباء من المنظمات غير الحکومية العديدة المتمرکزة بالقرب في ترکيا.
سيحصل الأطفال الذين لم يحالفهم الحظ ليذهبوا إلی المدارس القليلة العاملة، کتلک التي تديرها منظمة إغاثة سوريا الخيرية، علی فرصة التعليم ثانيةً.
وتدير المنظمة الخيرية الطبية الدولية التي أعمل بها مستشاراً للأمن والدفاع الکيميائي، وهي اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية (UOSSM)، عدداً من العيادات والمستشفيات الفعالة في المنطقة، وتستعد لزيادة جهودها إذا تحقَّق مفهوم المناطق الآمنة.
يعاني حوالي 75% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و13 عاماً في هذه المنطقة من اضطراب ما بعد الصدمة، ويحتاجون إلی المساعدة العاجلة. لقد عالج مستشفانا الرئيسي في باب الهوی، عند الحدود مع ترکيا، قرب ريحانلي، العديد من أصعب الحالات من شرق حلب، ويواصل معالجتهم، ولکنَّه يفتقر إلی بعض المعدات والأدوية الضرورية.
کي يکون اسم المنطقة الآمنة علی مُسمَّی، علی نظام الأسد التوقُّف عن إلقاء البراميل المتفجرة علی المدنيين دون تمييز.
حتی مع استمرار وقف إطلاق النيران، ما زالت أماکن مثل وادي بردی وشرق الغوطة تتعرَّض للهجوم. والأمر الأسوأ هو استمرار الأسد في إلقاء البراميل المتفجرة الکلورية (الکيميائية).
وکما قال أطباء اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية “يمکننا الاختباء من القنابل والرصاص، ولکن لا يمکننا الاختباء من الغاز”. صرَّح ترامب بأنَّه لم يکُن ليسمح بتخلِّي الولايات المتحدة عن تهديدها بالتدخُّل في سوريا في حال استخدام الأسلحة الکيميائية، وأنا شخصياً آمل أن يقول قريباً إنه قد رسم “الخط الأحمر” ثانيةً.
قد تعزِّز السفن البريطانية أو الأميرکية في شرق البحر المتوسط أمن أول منطقة آمنة. قد تبطل صواريخهم وراداراتهم الحاجة إلی أن تحلِّق طائرات التحالف في المجال الجوي “السوري” و”الروسي”، والذي تحميه أسلحة مضادة للطائرات.
ينبغي أن يراقب الأمنَ علی الأرض مراقبو الأمم المتحدة، الذين أثبتوا فعاليتهم في شرق حلب. يمکن أن تدعمهم الميليشيات المعتدلة التي تعمل بالفعل في المنطقة، إضافةً إلی خبراء التحالف، وبالطبع القوات الترکية أو قوات الناتو أو الأمم المتحدة.
ينبغي السماح للمساعدات الإنسانية بالتدفُّق إلی داخل المنطقة بأسرع ما يمکن، إلی جانب الموارد اللازمة لبناء المساکن ومکونات البنية التحتية الضرورية الأخری وإصلاحها. لقد خزَّنت العديد من المنظمات غير الحکومية معدات علی الجانب الترکي من الحدود من أجل هذه الاحتمال.
سيکون إدخال هذه المساعدات عبر معبرين فقط في ريحانلي وکلس، علی طرقٍ سيئة، أمراً شديد الصعوبة، ولکن يمکن تحقيقه بالتنسيق والطاقة. لقد أثبت اتحاد منظمات الإغاثة والرعاية الطبية أنَّ بإمکانه خدمة المنشآت الطبية في أنحاء المنطقة، ونموذجه في التوظيف المحلِّي للأطباء والشبکات اللوجستية، بتمويلٍ من المتبرِّعين الدوليين، جدير باتِّباعه، أو علی الأقل التعلُّم منه.
سيحتاج إنجاح المناطق الآمنة کفاحاً، وسينبغي علی کلٍّ من ترکيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة والأمم المتحدة أن يلعب دوره. ولکن مهما کان الثمن کبيراً، سيظل أقل من توطين ملايين النازحين السوريين والسماح بانهيار هذه الأمة التي کانت عظيمة يوماً ما.
توجد أسبابٌ للتفاؤل. لقد أنتجت المحادثات في أستانا ما يبدو وکأنَّه وقف إطلاق نيران، ومن المقرر أن يتحدَّث الرئيسان ترامب وبوتين في نهاية الأسبوع، وستزور تيريزا ماي ترکيا غداً، وتبدو متحمِّسة لتقديم موارد المملکة المتحدة ومهاراتها المتواضعة للنزعة الإنسانية “القوية” اللازمة کي تبدأ سوريا في الوقوف علی قدميها ثانيةً. لنأمل ألَّا يفوِّتوا الفرصة العابرة في فعل بعض الخير.

زر الذهاب إلى الأعلى