العالم العربيمقالات

بيان أستانا أول خطوة لکأس السم في المنطقة

 


    
استأثر بيان أستانا الختامي، ردود أفعال مختلفة ، وفي المجموع کانت الردود حول البيان الختامي لمؤتمر أستانا إيجابية، خاصة إن هذا البيان يتمحور علی تثبيت وقف إطلاق النار ويؤکد علی مشارکة المعارضة المسلحة في الدورة المقبلة للمفاوضات في جنيف کما يؤکد البيان أن نجاح  أزمة سوريا يکمن في الحوار السياسي وليس إلا.
السؤال الذي يطرح نفسه ، هل يقتنع النظام الإيراني من نتائج هذا المؤتمر؟
ونتساءل ما هو مطلب النظام الإيراني من هذا المؤتمر؟ هل کان مطلبه وقف إطلاق النار؟ الجواب لا، إطلاقاً ، ومن هذا المنطلق يحاول النظام الإيراني ونظام الأسد دائماً لعرقلة عملية وقف إطلاق النار مما أکد بشار جعفري في نهاية مفاوضات أستانا قائلاً:”إننا سنواصل هجومنا في وادي بردی..“
کما نشرت صحيفة غاردين يوم أمس تقول:« فرضت موسکو علی النظام الإيراني لإعطاء بعض الامتيازات في البيان الختامي لذلک کان النظام الإيراني يعمل بحذر في (البيان الختامي) تجاه قرار2254الذي يمهد الطريق لنقل السلطة السياسية في سوريا» ما هو السبب ؟والسؤال المطروح لماذا يعمل النظام بحذر وهل انه غير موافق؟ حسب ما نشرته صحيفة غاردين :«يبدوهناک تقبل من قبل المعارضة السورية بأن روسيا وفي التعاون مع ترکيا، تبحث عن اتفاقية السلام في سوريا . (وهذا في وقت) ليس لدی المعارضة السورية هکذا تقييم لدور النظام الإيراني ». فإذا کان النظام الإيراني لا يرغب في وقف إطلاق النار، فما هو سبب مشارکته في مؤتمر أستانا؟
الجواب في کلمة واحدة : توازن القوی! فمعناه أنه لا يتمکن النظام من  اختيار طريق آخر. کان النظام الإيراني يحاول بکل ما بوسعه عرقلة العملية السياسية والمفاوضات وذلک بانتهاک وقف إطلاق النار في وادي بردی، لکن روسيا کانت تمنعه.
قال محلل في مؤسسة ”کارنکي“ أمس: « روسيا تريد وقف إطلاق النار وهذا يعتبر خطرا للنظام الإيراني والأسد». کما قال ”آلکساندر لاورنتيوف“ رئيس الوفد الروسي في مؤتمرأستانا أمس: ”کل سعينا يتمرکز علی إيقاف المعارک في منطقة وادي بردی بالقرب من دمشق“.فمعناه إنها وبلغة دبلوماسية يحذر النظام الإيراني والأسد أننا لا نقبل انتهاک وقف إطلاق النار. فإن موقف روسيا هذا ما أحرج النظام الإيراني بقبول وقف إطلاق النار.
وهذا الخلاف الأساسي في المصالح هو سبب التعارض بين النظام الإيراني وروسيا ، لذلک أکد علوش ، رئيس وفد المعارضة السورية قائلاً:« إن روسيا في هذه المرحلة وبدلاً أن تکون جزءا من القتال ضد المعارضة السورية تحولت إلی طرف يحاول أن يکون ضامنا لوقف إطلاق النار غير أمامها عراقيل کثيرة من قبل قوات حزب الله التابعة لإيران ونظام الأسد.
کما کتبت وکالة ”بلمبورغ“ تقول: «هناک توترات متزايدة بين روسيا والنظام الإيراني لتضارب أهدافهما في سوريا» فيقول التوترات بين روسيا والنظام الإيراني متزايدة.لماذا ؟لأن «هناک مصالح مختلفة لهما في سوريا».
هناک حقيقة وهي سوريا تعتبر عمقا استراتيجيا للنظام الإيراني کما قال ”نقوي“ الناطق باسم لجنة الأن في برلمان النظام الإيراني يوم أمس :”لو لم يقاتل النظام في سوريا فعليه أن يقاتل في خوزستان وکردستان أو خراسان الجنوبية » وقد سبق أن أکد علی هذا کل من روحاني وخامنئي أيضاً فمعنی بقاء سوريا کالعمق الاستراتيجي للنظام ليس إلا بقاء بشارالأسد والذي قال النظام الإيراني أنه خط أحمر له .. لکن هل هذه الحالة تنطبق علی روسيا کذلک؟ أو روسيا تبحث عن مصالح أخری ؟
نقرأ الجواب في جريدة ”دبلوماسي إیراني“ الحکومية بشکل واضح جداً:« حسابات دخول موسکو الشرق الأوسط، لا تشبه حسابات طهران ،عندما يتوجه روس إلی منطقة ما، يکون في إطار حساباتهم الدولية ، إن سوريا فرصة لروسيا لعودة قوية إلی الشرق  الأوسط».
لکن معهذا لقد ُذکر النظام الإيراني في البيان الختامي وبجانب ترکيا، ضمان وقف إطلاق النار، وهذا يناقض التهميش.
الحقيقة لو أمعنا النظر فنجد أن هذا أکثر من تهميش النظام، لولم يقبل النظام الإيراني ويهمّش، لکان يسجَّل کمخالف ، لکن حاليا ً ورغم خلافه مع وقف إطلاق النار، عندما يوقع البيان الذي ينص في المادة الأولی لتثبيت وقف إطلاق النارفمعناه أُرغم عليه أي مفروض دفع امتياز کبير في توازن القوی. إذ عندما يؤکد في البيان علی الحل السياسي ويذکر النظام کضمان تطبيقه ، فمعناه علی النظام يضمن تطورات ضد مصالحه فبالأحری فإن توقيع هذا البيان يعني التنازل وفي أقل تقدير التراجع خطوة وبالتالي إعطاء التنازلات ولا يعني هناک مکسب في هذه العملية السياسية للنظام الإيراني بالذات. لاشک أنه هناک سيطبق مضمون العملية السياسية التي جاءت في البيان بموجب ”جنيف رقم 1“ وقرار2254والذي «سيمهد الطريق للانتقال السياسي في سوريا».
يجب أن نلاحظ أنه جاء في البيان «الانتقال السياسي» وهذا يعني تداول السلطة ، وانتقال السلطة يعني تخلي الأسد، أي تجاوز الخط الأحمر للنظام الإيراني. إذ إن النظام وبتخلي الأسد عن السلطة سيخسرعمقه الاستراتيجي، فعليه إذا بقت روسيا في مواقفها الجديدة فمعناه أنه تتقدم العملية السياسية إلی تهميش الأسد بالذات،وبالتالي توقيع النظام الإيراني البيان، يعني تجرّع کأس السم في المنطقة، خطوة تکون في طياتها انسحاب النظام الإيراني عن عمقه الاستراتيجي ولاشک له تأثيرات مهمة علی هذا النظام أيضاً.

زر الذهاب إلى الأعلى