العالم العربيمقالات

يأس نظام الأسد وحيرة الإيرانيين ومحادثات «آستانة»

 

 
الشرق الاوسط
24/1/2017


 بقلم:أمل عبد العزيز الهزاني کاتبة سعودية

 

 بعد الانتصار الذي تحقق لروسيا في حلب، من الواضح أن الرئيس فلاديمير بوتين قرر طي صفحة وفتح أخری تبحث الحل السياسي في أسوأ صراع وأکثره شراسة وتعقيدًا في التاريخ المعاصر دام لستة أعوام.
أهم خطوة اتخذها بوتين کانت توقيع اتفاقية مع ترکيا لوقف إطلاق النار، وفتح الطرق والمعابر للمساعدات الإنسانية، تمهيدًا للمحادثات الجارية الآن في العاصمة الکازاخية (آستانة)، التي تأتي بدورها تمهيدًا لمحادثات جنيف في شهر فبراير (شباط) المقبل، التي يفترض أن تصوغ الحل السياسي النهائي. هذا ما اتفقت عليه روسيا وترکيا، الدول الضامنة لأطراف النزاع. أما إيران، الضلع الثالث في الصراع السوري، فتذهب إلی «آستانة» مکرهة، تشعر بغصة وهي تحاول أن تذود أمام الروس عن أهدافها من هذه الحرب التي کلفتها مليارات الدولارات، وعناصر حشدتها من إيران والعراق ولبنان وأفغانستان، وحضور لقيادات عسکرية کبيرة في ساحات المعارک، بعضهم دفع حياته في مواجهتها.

أي ضرس أوجع طهران في هذه المحادثات وحملها علی التصادم مع الروس؟
محادثات آستانة تهدف بالدرجة الأولی إلی تثبيت وقف إطلاق النار الذي بدأ نهاية العام الماضي. وبهذا المعنی، فإنها تبدو کأنها خرجت خاسرة لأن استمرار الاشتباک هو الذي يغذي الوجود الإيراني، ويمنيها بسراب الاستيطان، وهي تخشی من أن هذه المحادثات ستفضي إلی حکومة انتقالية تقبل بوجود الأسد مؤقتًا، وبالنسبة لطهران شخص الأسد هو النظام السوري الحليف، وبخروجه تفقد کل مکتسباتها. والقلق الکبير الذي لم يفلح الإيرانيون في إخفائه منذ أشهر، هو شعورهم بأن الروس يتخلون عنهم بعد هذا الشوط الطويل. وقد أشرت في مقال في أغسطس (آب) الماضي إلی أن طهران تری أن روسيا حجر عثرة في طريقها بتطفلها علی منطقة تعدها مستباحة لها. الروس بدورهم يؤکدون حقيقة شهدها العالم؛ أنه لولا تدخلهم العسکري لاحتلت المعارضة السورية المسلحة دمشق خلال أيام، ولم يکن الوجود الإيراني بکل تعبئته سيفلح في صدها. أمام هذا الاستحقاق، نری موسکو تشهر يدها عاليًا فوق يد طهران، وتملي عليها ما تفعله، ولولا الروس أيضًا لانهار اتفاق وقف إطلاق النار بسبب حزب الله والميليشيات الإيرانية التي تفتعل معارک في وادي بردی.

إيران تصر علی وجود بشار الأسد، وروسيا تطمح إلی ما هو أکبر من ذلک بکثير، بعد أن أرهقتها العقوبات الأميرکية والأوروبية في موضوع أوکرانيا، وهي تعاني بالفعل من وضع اقتصادي سيء؛ هنا مفترق طرق بينهما، لکن الغلبة للأقوی، والکل يعرف من الأقوی.
بوتين أيضًا يمهد لحضور صديقه دونالد ترمب، الرئيس الأميرکي الجديد، الذي نطق بما لم يتجرأ علی نطقه رئيس أميرکي سابق، من أنه ينظر لإيران وتنظيم داعش والقاعدة بالعين نفسها، وهو ما حاولت الدول العربية المساندة للمعارضة السورية إقناع الإدارة الأميرکية السابقة به منذ عقدين من الزمن، ولکن لم تنجح مساعيها بعدما رأت أن جل اهتمام باراک أوباما هو توقيع الاتفاق النووي متجاهلاً عمق المشکلة، فتعززت قوة الإرهابيين في العراق وسوريا، وأصبح وجودهم رقمًا صعبًا في معادلة معقدة.

وحتی لا ننسی، فإن النظام السوري، بإيعاز من إيران، أرخی الحبل لتنظيم القاعدة الذي بدأ بتنفيذ عمليات تفجير السيارات المفخخة في دمشق في عام 2013، ليقول للعالم إنه يواجه الإرهابيين، بعد أن تلقی هزائم موجعة من المعارضة تزامنت مع انشقاقات في جيشه. کانت هذه أولی نجاحاته في تأخير حسم المعرکة لصالح المعارضة. وبکل أسف، حتی السوريون المعارضون أخطأوا بعد ذلک حينما خفضوا النبرة الوطنية، ورفعوا صوت ما يسمونه «الجهاد»، وظهرت صورهم ملتحين يحملون شعارات دينية، رغم أن قضيتهم وثورتهم اشتعلت ضد نظام ديکتاتوري في إدارته للبلاد، لا بسبب دينه أو مذهبه، فتحولت المعرکة من وطنية إلی آيديولوجية، وجدت فيها إيران فرصة کبيرة للنفخ في النار الطائفية.
أوباما رحل مع وعوده التي ضربها لنا ولم تتحقق، لا في سوريا ولا العراق، تارکًا لدول المنطقة عبء حرب مکلفة علی الإرهاب الذي تفشی بفعل سوء إدارته لملفات ما بعد الثورات العربية.

اليوم، أمام المعارضة السورية فرصة کبيرة لتحقيق مبتغاها، ولن تشکل القواعد الروسية التي بدأت فعليًا موسکو بإنشائها بأسًا بالنسبة لمستقبل سوريا، فالروس سيتمسکون بحقهم في حصد ما زرعوه، وإن يلام أحد علی عودتهم للمنطقة فهو الرئيس الأميرکي السابق، وسيکون من الصعب علی المعارضة السورية مواجهة هذا الاستحقاق في هذا التوقيت الحساس، لکن تظل المعارضة في أفضل أحوالها منذ أربعة أعوام، فالروس أمسوا ينشدون الحل السياسي المدعوم من المجتمع الدولي، وکل الدول الراعية لها ستدفع بالعملية السياسية للأمام، بالتوازي مع حربها ضد الإرهاب في سوريا الذي سيضعف من مواجهة مسلحة إلی عمليات فردية واستهداف شخصيات، لکن في کل الأحوال ستکون المعارضة قد بدأت تتماسک أمام يأس نظام الأسد وحيرة الإيرانيين.

زر الذهاب إلى الأعلى