العالم العربيمقالات

علی أبواب أستانة

 


الاتحاد الاماراتية
21/1/2017

 

 

بقلم: رياض نعسان أغا
 


لم يکن اللقاء المرتقب في أستانة خياراً سورياً، لقد أراده الروس بعد أن حققوا بالتعاون مع الفرس ما رأوه انتصاراً تاريخياً علی أحياء حلب الشرقية، وتمکنوا بعد حرب ضروس من إخراج الفصائل المسلحة، ثم دعوا إلی هدنة استثنت «داعش» و«النصرة» مما جعلهم يعلنون أنهم حققوا ما عجز عنه الأميرکان من فصل بين مَن يصنفونهم (إرهابيين) وبين من قبلوا أخيراً بتسميتهم معتدلين،
ولا بد أن نلحظ دور ترکيا في تعديل المزاج الروسي في النظر إلی الفصائل الثورية، وأن نلحظ أن الفصائل وبخاصة في الشمال تقدّر أهمية الدور الترکي، وتثق بأن ترکيا تحرص علی مصالح السوريين، لا سيما أنها تکبّدت الکثير في موقفها السياسي الداعم للشعب السوري في ثورته، ويبدو أن روسيا بعد معرکة حلب أرادت استثمار انتصارها العسکري لتبدأ مرحلة جديدة تبدو فيها وسيطاً للخروج من کونها طرفاً رئيساً في الصراع، وأرادت أن تتحاور مع الفصائل دون الهيئات والتنظيمات السياسية المعارضة، مما يجعل المحادثات ذات طابع عسکري محض، رغم ما نتوقعه من محاولة الروس إضفاء طابع سياسي عليها.

ولقد حرصنا في «الهيئة العليا للمفاوضات» علی أن نتفاعل بإيجابية مع أي مبادرة توقف شلال الدم السوري، وما دامت الدعوة إلی أستانة ستبحث تعزيز الهدنة ووقف إطلاق النار فلابد من أن ندعم وفد الفصائل، وقد أعلنَّا أننا نؤيد أي جهد دولي يسعی نحو الحل السياسي وإنهاء معاناة شعبنا، وکان إصرارنا علی أن تکون مفاوضات الحل النهائي في جنيف، کي يکون الحل بإشراف الأمم المتحدة دون أن ينفرد بالقضية السورية طرف يفرض رؤيته وحدها، وأعلنَّا حرصنا علی الحضور العربي وعلی حضور «مجموعة دول أصدقاء سوريا»، لأن ما نمضي إليه في رؤيتنا للحل السياسي هو ما حدده بيان «جنيف 1» وما أصدرته هيئة الأمم من قرارات کان أهمها القرار «2254» وقد جاء بمثابة خريطة طريق ترسم الحل المرتقب.
ولم تکن لدينا أي شروط، فقد کنا نطالب بما حدده هذا القرار لمرحلة (بناء الثقة) وقد تحدثنا مطولاً عن البنود 12 و13 و14 من القرار فظن بعضهم أنها شروط إضافية، وتجاهل أنها حدود وضعها مجلس الأمن لمرحلة تسبق المفاوضات وتؤسس لها، وهي البنود التي تتحدث عن ضرورة وقف إطلاق النار وفک الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية وإطلاق سراح المعتقلين.

ما نأمله من لقاء أستانة المقبل هو البحث في هذه البنود من القرار الدولي، فإنْ تمکن الروس من تحقيق مرحلة بناء الثقة التي يرفض النظام تحقيقها فسيکون ذلک إنجازاً کبيراً يمهد لمفاوضات جادة في جولة جنيف المقبلة في شهر فبراير 2017، وربما تستطيع روسيا بذلک أن تقنع السوريين والعالم کله أنها حقاً تريد التحول من کونها طرفاً رئيساً في الصراع الدموي لصالح النظام إلی دور يبحث بجدية عن حل عادل لقضية الشعب السوري.

ومهما تفاءلنا أو تشاءمنا بما قد ينتج عن لقاء أستانة من اتفاقيات مقبولة أو مرفوضة، فإننا ندرک أن هذا اللقاء لن يحل القضية، ولن يکون النهاية. وبما أننا نتفاعل بإيجابية مع هذا اللقاء، فإننا نحرص علی أن ينصبّ الاهتمام علی شمولية الهدنة، فلن يشعر السوريون بوجود وقف لإطلاق النار ما دامت النيران تحرق وادي بردی ومناطق أخری في سوريا مثل غربيّ حلب ومحافظة إدلب، ولا بد من رؤية سياسية حکيمة تجنِّب المدنيين ما يحدث من دمار في الحرب الدولية المعلنة علی الإرهاب، وحسبنا أن نری حقيقة أن المواطن البريء من شرور الإرهاب هو الذي يدفع حياته وقوداً في هذه الحرب، وما دام الجميع يبحثون عن حلول سياسية فلا بد من إيجاد حلول لإنقاذ المواطنين المهددين بالإبادة في حرب ليست حربهم، بل إنهم لو تمکنوا من مکافحة الإرهاب لکانوا أول المقاتلين ضده.

زر الذهاب إلى الأعلى