العالم العربي

بانا العبد تحولت من طفلة توثق حياتها إلی صورة عن أطفال سورية

 


26/12/2016
 
تعج الذاکرة السورية الحديثة بصور أطفال تحولوا إلی أيقونات في العالم ککل. فمن الطفل حمزة الخطيب إلی إيلان، إلی عمران إلی الآلاف الذين قتلوا خلال سنوات الحرب الخمسة، وملايين الأطفال الذين عاشوا ويعيشون مشاهد الحرب والقتل والدمار بصورة مباشرة ويومية.

ولعل الطفلة بانا العبد مثال حي عن هؤلاء الأطفال، إذ استطاعت هذه الطفلة السورية الخروج من الأحياء الشرقية لحلب بعد أن دخلها الجيش السوري، والوصول إلی ترکيا لتلقی ترحيباً شخصياً من الرئيس الترکي رجب طيب أردوغان. ولکن سر شهرتها لا يعود إلی لقائها أردوغان، أنما بسبب استعمال وسائل التواصل لإيصال رسالة بالغة القوة والدلالة تفيد بأن في سورية لا يوجد أطفال بعد اليوم.
في العام 1984، وقفت الطفلة اللبنانية ريمي بندلي أمام الرئيس أمين الجميل وغنت «أعطونا الطفولة» التي کتبها جورج يمين. لا تزال هذه الأغنية حتی اليوم بعد مرور أکثر من 30 سنة، مرتبطة بالحرب اللبنانية ومآسيها، وباسم بندلي.

في سورية، غنت بانا العبد في مقابلة مع شبکة «سي أن أن» الأميرکية الأغنية نفسها، خرجت إلی العالم لتقول «أنا طفلة تحمل رسالة، أرجوکم اسمعوني. أنا طفلة تريد اللعب، لماذا لا تسمحون لي. ألعابي تنتظرني، أصدقائي يصلون، والقلوب الصغيرة تترجی. أعطونا فرصة، أعطونا فرصة».
الرسالة التي تقولها بانا لا تُعبر عن لسان حالها، فهي لا تصلح بعد الآن لأن تکون طفلة. فمفهوم «الطفولة» غالباً ما يترافق مع البراءة. إلا أن ما شهدته ووثقته بانا من خلال حسابها علی «تويتر» لا يُمکنه إلا أن يقضي علی ما تبقی من براءة في کل العالم، فکيف في نفس طفلة في السابعة من العمر.

واشتهرت الطفلة بتغريداتها وفيديواتها علی موقع «بيريسکوب» التابع لموقع التغريدات «تويتر»، من داخل أحياء حلب الشرقية التي کانت تحت سيطرة المعارضة قبل أن يدخلها الجيش السوري أخيراً.
وعلی رغم عمرها الصغير، و «براءتها» المفترضة، فإنها لم تتمکن من النجاة من الانقسام الحاد الذي أصبح مترسخاً في نفوس السوريين. إذ علی رغم أن الحساب لم يحدد موقفاً راسخاً من الحرب السورية، لم تسلم بانا من الانتقادات کما لم يسلم عمران منها أيضاً. حتی أن الرئيس السوري بشار الأسد عند سؤاله عنها تحديداً في المقابلة التي أجرتها معه قناة «تي في 2» الدنمارکية، أجاب بأنه «لا تستطيع بناء موقفک السياسي علی فيديو يقوم بالترويج له الإرهابيون أو داعموهم، إنها لعبة الآن، لعبة بروباغاندا ولعبة وسائل الإعلام يمکن أن تری أي شيء ويمکن أن تکون متعاطفاً مع کل صورة وکل مقطع فيديو تراه، لکن مهمتنا کحکومة هي التعامل مع الواقع».

إضافة إلی هذه التهم، وردت تهم أخری علی لسان رواد مواقع التواصل الاجتماعي منها أن بانا لم تکن في حلب طيلة هذه الفترة، أو أن حسابها يُدار من قبل أشخاص آخرين نظراً إلی استحالة إدارة «حملة اعلامية» کهذه من قبل طفلة في السابعة من العمر. أما التهمة الأبرز فکانت استغلال الأطفال بهدف الترويج لسياسة معينة، أو إيصال رسالة محددة.

وفنّد موقع «بيلينغ کات» هذه الاتهامات، داحضاً معظمها بالأدلة القاطعة، تارکاً قضية «استغلال الأطفال» للرأي العام ليحددها کلّ وفق أخلاقياته.
وتمکن فريق العمل الذي أعد التقرير من تحديد المکان الجغرافي الذي بُثت منه الفيديوات، خصوصاً علی موقع «بيريسکوب» للنقل المباشر التابع لـ «تويتر». وأوضح الفريق أن المکان التقريبي الذي بُثت منه الفيديوات يقع في داخل حلب الشرقية، وهي منطقة تابعة للمعارضة.
واستطاع الموقع أيضاً توثيق کيفية الحصول علی الإنترت والکهرباء تحت کل هذا الدمار، مفيداً بأن ألواح الطاقة الشمسية الموجودة علی سطح منزل العائلة، والتي ظهرت في تقارير مصورة عدة أبرزها لـ «بي بي سي»، کانت کفيلة في تأمين الکهرباء للهواتف والحواسيب.
أما الإنترنت، فأشار التقرير إلی أن العائلة اعتمدت علی الشبکة الخلوية الموجودة، والتي أثبتت أنها لا تزال تعمل نظراً إلی لجوء قوات النظام إلی إرسال رسائل نصية إلی القاطنين في حلب الشرقية وفق ما نقلت تقارير عدة، إضافة إلی أن وجود شبکة «هوا نت» التي تستمد الإنترنت من ترکيا وتبثها إلی المناطق التي سيطرت عليها المعارضة.

الحساب لم يخف أن فاطمة والدة الطفلة، هي من کانت تديره لتوثيق حياة ابنتها اليومية تحت القصف. إذ يشير الحساب وبوضوح إلی الشخص الذي يديره، کما أن الوالدة التي درست الحقوق والصحافة، تُذيل معظم المنشورات باسم الشخص الذي نشره. وحتی الثامن من کانون الأول (ديسمبر)، فإن حساب بانا نشر 580 تغريدة، 121 منها حملت اسم بانا، و181 حملت اسم فاطمة، وتغريدة واحدة حملت اسم أخيها محمد البالغ من العمر 5 سنوات، و124 تغريدة من دون توقيع، و153 إعادة تغريد. کل هذه الاتهامات وغيرها رُوج لها ضد طفلة في السابعة من عمرها تعيش وسط دمار هائل وقصف مستمر دمر منزلها وقتل العديد من أصدقائها وجيرانها. کل هذه الاتهامات وُجهت إلی فتاة سورية لم تحمل يوماً السلاح ولا تطلب سوی أن تعيش حياة عادية کالأطفال.

والحال أن الحرب في سورية قضت بما لا يقبل الشک علی أي أمل بطفولة طبيعية للأجيال المقبلة حتی، فأن تولد في سورية اليوم يعني أن تعيش وسط الأنقاض والدمار للأعوام المقبلة، هذا في حال توقفت الحرب.
وسواء توقفت الحرب أم لم تتوقف في القريب العاجل، فإن الثابت الوحيد في المحصلة أن «البراءة» التي کان من الممکن أن يعيشها الأطفال في سورية، تشوهت إلی غير رجعة علی مدار العقود الکثيرة المقبلة، خصوصاً أن الانقسام الفکري والسياسي في سورية اليوم لن يسمح بوجود أطفال «طبيعيين» يعيشون تحت کنف دولة طبيعية.

زر الذهاب إلى الأعلى