مقابلات

أشجع صحفية في العالم تقرر عدم تغطية الحروب بعد ما شاهدته بحلب.. رئيسة “نيوزويک” تجيب عن 7 أسئلة حول رحلتها

 

 

22/12/2016

 

نشرت جانين دي جيوفاني، مراسلة الحرب في حلب منذ سنة 2011، کتاباً تحت عنوان “في اليوم الذي قرعوا فيه أبوابنا”؛ تحدثت فيه عن معاناة الشعب السوري.
حققت الصحفية شهرة کبيرة في الولايات المتحدة الأميرکية، بسبب معاينتها منذ 25 سنة أکثر الصراعات حدة في العالم، بهدف تسليط الضوء علی معاناة المدنيين.
جيوفاني، هي رئيس تحرير مجلة “نيوزويک”، ومختصة في الشرق الأوسط وحائزة جائزة الشجاعة في الصحافة لسنة 2016، التي تقدمها المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة. کما نقلت الصحفية عشرات التقارير من حلب منذ بداية الصراع في سنة 2011، وفق ما جاء في صحيفة Le Figaro.
وأمام المأساة الحالية التي تعيشها المدينة الاستراتيجية، تحدثت الصحفية عن معاناة النساء، والرجال، والأطباء والأمهات، والتي کانت شاهدة عليها خلال الزيارات التي قامت بها إلی مدينة حلب.

ما شعورک -سيدتي- أمام المأساة التي تعيشها حلب؟

تخالجني مشاعر کثيرة… فأنا أشعر بالاشمئزاز والحزن والإحباط والغضب. ومن مکاني کصحفية، أری أن ما يحدث فشل شخصي بالنسبة لي. لقد کرّست حياتي منذ 25 سنة للإبلاغ عن جرائم الحرب في سيراليون، والبوسنة، والشيشان، ولتوعية الضمائر بهدف ألا تتکرر هذه الجرائم في حق الإنسانية مرة أخری.
إلا أن کل هذا العمل لم يجدِ أيَّ نفع؛ لأن هذه المأساة تکررت مرة أخری في حلب، ولذلک أشعر بأنني عاجزة. وفي الوقت نفسه، ليست لدي سوی رغبة واحدة، وهي أن أعود مرة أخری إلی نقل شهادات حية حول معاناة المدنيين، ونقل صمودهم أمام القسوة والذلّ.

خلال رحلتک إلی حلب، من المؤکد أنک کنت شاهد عيان علی التغيير الذي عرفته المدينة؟

کانت حلب مدينة مزدهرة وعصرية، وغنية بتاريخ عريق يبلغ عمره قرابة 7 آلاف سنة ويرتادها أثرياء باريس. ومنذ بداية الصراع، جمعتُ قصص الأطباء والموسيقيين والطلاب أو ربات البيوت الذين وصفوا النسق السريع لانهيار حياتهم اليومية.
فجأة، انقطعت المياه من الحنفيات، وأغلقت البنوک أبوابها، وتوقفت شاحنات جمع القمامة عن التجوال في المدينة. کما أصبح السکان غير قادرين علی الذهاب إلی المقهی أو التجول في المدينة؛ خوفاً من أن تصيبهم نيران المدافع. ثم أصبحت السوق هدف القناصة، کما وُضعت حواجز في شوارع المدينة. وقدمت الطائرات الروسية إلی سماء المدينة، وأصبحت تزورها کل يوم في التوقيت نفسه، في الصباح أو في آخر النهار. وبهذه الطريقة، غمرت المدينة المظلمة حالة من الفوضی.

وکيف کان يمضي الوقت؟

في حلب، يمر الوقت ببطء؛ إذ إنه في بعض الأحيان تبدو الدقيقة لا نهاية لها، کما لو أن الغد لن يأتي أبداً. الحرب مملة جداً، کما أن الانتظار فيها لا نهاية له. لا يمکننا القراءة أو حتی مشاهدة التلفاز؛ لأن الکهرباء تنقطع دائماً. کما أن سکان حلب أصبحوا غير قادرين علی رؤية الأصدقاء بسبب الحواجز والقناصة والقصف المستمر علی المدنيين.
ومن جهة أخری، فإن السکان متمسکون بالحياة، مثل هذه الأم التي تشغل نفسها بتعليم صغارها، أو هذا الميکانيکي الذي تحول إلی خباز بسبب الصراع. إلا أن هذا الرجل تلقی تهديدات بالتعذيب والقتل من النظام في حال واصل عمله؛ لأن خبزه يغذي عدداً کبيراً من الأحياء المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة السورية.

ما الشيء الجميل الذي ما زلتِ تحملينه في ذاکرتک عن حلب؟

في يوم ما، جلست فوق سطح أحد المستشفيات التي دمرها القصف السوري، رفقة مجموعة من الأطباء الذين ملّوا من رؤية مشاهد الرعب والدماء. تقاسمنا الأکل بيننا، غنّينا، وضحکنا. کما لعبنا البلياردو، في محاولة منّا لنسيان المشاهد المروعة من حولنا والدمار الذي لحق المدينة، حتی لبضع دقائق.

ما الذي دفعک لتأليف کتاب يتحدث عن مأساة السوريين؟

هذا واجبي، وليس لديّ أي خيار. أنا لست طبيبة أو سياسية أو عضواً في الأمم المتحدة، ولکنني صحفية وکاتبة. وما عليّ فعله، هو التوجه إلی مناطق الحرب، ونقل ما لا نستطيع قوله. کما أنني ألّفت هذا الکتاب لنقول للسوريين: “أنتم لستم وحدکم”. کما أني أروي معاناتهم؛ مساندة لهم.

ما تفسيرک لعجز وتقاعس منظمة الأمم المتحدة؟

بالنسبة لي، لقد فقدت الأمم المتحدة مصداقيتها منذ المجازر التي وقعت في سربرنيتشا سنة 1995، وفي رواندا سنة 1994، وسريلانکا في سنة 2009. وکالعادة، فهي ستتحرک من أجل التعاطف والإدانة فقط. وعموماً، فإن النظام في هذه الهيئة عاجز بسبب البيروقراطية التي يعانيها.

ما الفرق بين الحرب في حلب والحروب الأخری التي شاهدتها؟

في سراييفو أو رواندا، کنا مضطرين إلی نقل تقاريرنا وشهاداتنا عبر الهواتف الفضائية المرتبطة بالأقمار الاصطناعية، أما في حلب فإن الصحفيين ينقلون معاناة المدنيين علی عين المکان. کما أن العالم يراقب لأول مرة، الحرب مباشرة، من خلال ما يدوّنه السکّان عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وليتمکن السکان من الخروج من العجز، لم يبقَ أمامهم سوی مواصلة نقل معاناتهم وشهاداتهم. وبالطبع، کلما تعرفنا علی وضع السوريين، ونشرت هذه الشهادات علی نطاق أوسع، ضمنّا توثيق هذه المأساة وتکذيب الدعاية.
وفي هذه الحالة، يجب أن نأخذ حرکة الحقوق المدنية بالولايات المتحدة مثالاً علی توثيق انتهاکات حقوق الإنسان. وجدير بالذکر، أن مجموعة صغيرة من الناس هي التي بادرت بهذه الحرکة، وتمکنت من نشرها علی نطاق واسع بين صفوف المدنيين.
وفي الختام، أقول إنني “رأيت کثيراً من مشاهد الرعب في حياتي، حتی أصبحت ذاکرتي غير قادرة علی استيعاب المزيد. وعلی الرغم من هذا، ما زلت أؤمن بقوة وفاعلية المفاوضات السلمية”.

زر الذهاب إلى الأعلى