تقارير

ماذا عن ميثاق شرف لحماية الصحفيين؟

 


 
8/11/2016


علي سفر بعد يوم من خبر استشهاد الصحفي عمار البکور إثر قصف جوي للطيران الروسي علی مدينة الدانا، أعلنت منظمة (مراسلون بلا حدود) البارحة منح جائزتها للصحفي هادي العبدالله، في خطوة رأی فيها الصحفيون والناشطون الإعلاميون انتصاراً لقضيتهم؛ قضية الصحافة الحرة، التي ظلت طيلة السنوات السابقة تسعی إلی فضح ممارسات النظام والقوی الحليفة معه علی الأرض السورية.

المسافة الزمنية بين خبر استشهاد الزميل البکور وبين خبر نيل هادي العبدالله الجائزة، هي ربما أقل من يوم واحد، وفي هذا کناية عما يمکن أن يعکس وقائع عاشها الصحفيون السوريون الذين انحازوا إلی ثورة شعبهم ساعة بساعة ويوماً بيوم.
لقد بدأت الثورة السورية کـ(واقعة مصورة) من خلال کاميرا هاتف محمول، استطاع أن يتجاوز الحظر الذي فرضته آلة النظام القمعية علی نقل الأخبار من ساحات المظاهرات السلمية، قبل أن يتمکن الناشطون الإعلاميون من کسر آليات القمع کلها، عبر امتلاکهم للأدوات التقنية، التي مکنت السوريين من جعل ثورتهم حاضرة علی شاشات الصحافة المرئية والمکتوبة والمسموعة والإلکترونية.

الأثمان التي قدمها الناشطون الإعلاميون ومعهم عدد کبير من الصحفيين المحترفين الذين انشقوا عن الإعلام الرسمي، کانت کبيرة ومفجعة، فأغلب هؤلاء تعرضوا في وقت ما للاعتقال أو التهديد المباشر بالتصفية أثناء عملهم، أو جری تهديدهم بشکل أو بآخر، ما أدی في النهاية إلی مغادرتهم وبشکل نهائي للمناطق التي مازالت تحت سيطرة النظام.

يُسجل المرکز السوري للحريات في رابطة الصحفيين السوريين وبحسب آخر تحديثاته مقتل 378 إعلامي سوري منذ بداية الثورة السورية، وحتی نهاية تشرين الأول من هذا العام، ولعل دراسة حالات الاستهداف التي تعرض لها هؤلاء وغيرهم ممن تعرضوا للتغييب حتی اللحظة أو تعرضوا للتهديد بالتصفية، وبشکل مرکّز، توضح حقيقة أن أعداء الصحافة علی الأرض السورية لم يکونوا دائماً هم النظام وحلفائه فقط، بل إن العديد من القوی المسلحة التي خرجت عن أهداف الثورة السورية وفي مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، کان لها مساهمة  في الکثير مما يتعرض له الصحفيون.

 فجميعنا يعلم أن السبب الأساسي الذي جعل مئات الصحفيين والناشطين الإعلاميين يغادرون مناطقهم التي خرجت عن سيطرة النظام، کان انعدام عوامل الأمان بشکل کامل، فالخطر لا يأتي فقط من قصف النظام للمدنيين الذين يعيشون في هذه المناطق، بل يأتي أيضاً من ممارسات تعسفية ارتکبتها بعض الفصائل المسلحة ضد من يعملون في مجال الإعلام، حيث ظل التهديد بالاعتقال والتصفية قائماً، علی يد عناصرها، ما شکل حالة عامة أدت في النهاية إلی رحيل الکثيرين، في ظل تجاهل وعدم التزام غالبية الفصائل بالاتفاقات الدولية التي تحتم عليها حماية الإعلاميين وتسهيل مهمتهم، باعتبارها سلطة الأمر الواقع علی الأرض.

استشهاد عمار البکور حدث علی الأرض السورية، في منطقة يسکنها المدنيون الذين استهدفتهم طائرات تتبع أو تدعم النظام السوري، کما أن الاستهداف المباشر الذي تعرض له هادي العبدالله في منتصف هذا العام وأدی إلی استشهاد زميله المصور خالد العيسی، جری عبر عبوة ناسفة زُرعت أمام منزلهما في حي الشعار في مدينة حلب، وکل هذا يوضح وبشکل مباشر حقيقة أن الصحفيين کانوا ومازالوا هم الطرف الأضعف في معادلة الواقع السوري الراهن.

نتحدث هنا عن الممارسات التي تودي بحياة الصحفيين، ونتجنب أن نفتح ملفات قمع الصحفيين عبر منعهم من ممارسة عملهم أو مصادرة معداتهم، أو منع الصحف والمطبوعات أو مصادرة الأبراج ومعدات البث، وذلک بسبب کثرتها وبما لا يسمح لنا بالتفصيل فيها کما يجب، فالترکيز علی حياة الزملاء وتجنيبهم الأخطار التي تؤدي إلی فقدانهم لحياتهم، هو أهم ما يمکن فعله ضمن تضاعيف المآسي الکبری التي يعيشها السوريون، کما أنه وبعد وقوع العديد من حالات الاختطاف التي استهدفت صحفيين غربيين وعرب بهدف طلب مقايضتهم بالأموال، أصبحت سوريا واحدة من أخطر البلدان علی الصحفيين، وبات من الواجب العمل من قبل الجميع علی إصلاح واقع الأمن الشخصي للصحفيين العاملين في المناطق “المحررة”، فالفصائل التي تحمي الناشطين الإعلاميين العاملين في مکاتبها الإعلامية، لا تدرک ربما – وربما تدرک وتتجاهل- حقيقة أن الأخبار التي ينقلها صحفيون وناشطون إعلاميون مستقلون تتوازی في أهميتها مع الأخبار والأفلام المصورة التي ينشرها إعلاميوها.

إصلاح واقع الحال ليس دعوة مثالية يطالب بها الصحفيون العاملون في وسائل الإعلام العالمية فقط، بل هو مطلب کل الجسد الإعلامي السوري، إذ لا يمکن ترک الفعل الإعلامي الذي ينقل وقائع ما يجري في سوريا رهين الأمزجة والسياسات قصيرة المدی، التي لا تری أبعد من خوف البعض علی مصالحهم، التي تفضحها ممارساتهم تجاه الصحفيين.

لقد کان هاجس الصحفيين وکذلک المؤسسات الصحفية طيلة السنوات السابقة التوافق علی ميثاق شرف إعلامي يجعل من عملها ملتزماً بقواعد العمل المهني وأخلاقياته، وفي المقابل يحق للجميع السؤال؛ ألم يحن الوقت حقاً إلی وجوب أن تتوافق الفصائل المسلحة التي تحکم الأرض، عن ميثاق شرف تعلن فيه احترامها لعمل الصحفيين والناشطين الإعلاميين، تتعهد فيه باحترام حقوقهم، فضلاً عن حمايتها لهم، فهؤلاء وقبل أي شيء هم مدنيون يتوجب عليها أن تحافظ علی وجودهم وحريتهم، طالما أنها رفعت السلاح في وجه النظام تحت شعار الدفاع عن السوريين.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى