العالم العربيمقالات

الخوذ البيضاء وجه آخر للسوريين!

 

الشرق الاوسط
15/10/2015
 

 


 بقلم:فايز سارةکاتب وصحافيّ سوريّ

 

 

 

لم تکن صدفة أن يسخر بشار الأسد من فريق الدفاع المدني السوري، المعروف أعضاؤه بذوي الخوذ البيضاء، عشية ترشيحهم لجائزة نوبل للسلام، واحتمال حصولهم عليها،
وذلک في معرض إجابته عن أسئلة مقابلة صحافية أجرتها معه وکالة «أسوشييتد برس»، في سبتمبر (أيلول) 2016، مبديًا اعتراضه علی ترشحهم، منکرًا أهمية ما يقومون به من أعمال لإنقاذ السوريين من تحت أنقاض تسببها طائراته وطائرات حلفائه الروس.
السبب الرئيسي لموقف الأسد هو أن فريق الخوذ البيضاء يفشل أهدافه، وما يسعی إليه حلفاؤه من قتل مزيد من السوريين، وتدمير حياتهم وممتلکاتهم، وفق معطيات مؤکدة. فقد أنقذ هؤلاء في السنوات الثلاث التي مرت علی تجربتهم نحو 62 ألف شخص من تحت الأنقاض التي سببتها غارات الطيران، خصوصًا بالبراميل المتفجرة.

الخوذ البيضاء جماعة مدنية تطوعية تشکلت في عام 2013، علی خلفية الحاجة لمواجهة تداعيات الصراع المسلح، وغارات الطيران علی المدن والقری السورية الخارجة عن سيطرة النظام وجماعات الإرهاب، وضمت بين صفوفها فئات مختلفة من السوريين، عمالاً وحرفيين وطلبة ومهندسين وعاطلين عن العمل، وغيرهم ممن أخذوا علی عاتقهم مهمة مساعدة الناس علی نحو ما هي عليه مهمة فرق الدفاع المدني المعروفة في العالم، الملتزمة بمبادئ منظمة الدفاع المدني الدولية في «الإنسانية والتکافل والحيادية».

ووسط ظروف الصراع المسلح الصعبة، وجد أصحاب الخوذ البيضاء أنفسهم في مواجهة تداعيات الغارات الجوية التي تنفذها حکومة النظام، ويواجهون في الوقت ذاته نيران القناصة، ليصلوا إلی جثث جنود النظام، ويدفنوها بشکل لائق، وزادوا إلی أعمالهم المشارکة في تقديم خدمات عامة للسکان في المناطق التي يوجدون فيها، والتي يسکنها نحو سبعة ملايين نسمة، ومنها توصيل الکابلات الکهربائية، وتأمين المباني السکنية، وتقديم خدمات الإرشاد والسلامة للأطفال. ووسط مسؤولياتهم وأعمالهم، وفي أثناء تنفيذها، سقط نحو 150 منهم ضحايا، بينهم عشرات قتلوا بغارات الطيران التي استهدفت مقارهم بصورة مباشرة.

بسبب أعمالهم الخطرة، اقتصرت عضوية الخوذ البيضاء علی الرجال، وقد بلغ عددهم قرابة ثلاثة آلاف رجل، غير أنه في ضوء الاحتياجات الميدانية والظروف الاجتماعية، أُنشئ فريق نسائي متطوع قارب عدده المائة شابة في 2016، دُربن علی القيام بأعمال الرعاية الطبية، وعمليات البحث والإنقاذ في مجتمع محافظ، يعارض بعض الرجال فيه قيام عمال الإنقاذ الرجال تقديم المساعدة للنساء والفتيات، مما يتطلب تدخل متطوعات في تلک العمليات.
وتؤثر الأوضاع الاقتصادية الصعبة علی تمويل أعمال الخوذ البيضاء، مما يجعلهم يعتمدون علی أدوات بسيطة وبدائية في عمليات الإنقاذ غالبًا، مما يعني نقصًا في المعدات والأدوات الحديثة وسيارات الإسعاف التي يتطلب تأمينها تآزرًا دوليًا للمساعدة عبر تبرعات تشارک فيها دول ومنظمات مدنية ومتخصصة وأفراد يؤمنون بأهمية إنقاذ الأرواح في زمن الصراع المسلح وتداعياته.
صورة أصحاب الخوذ البيضاء، وأعمالهم الجبارة والصعبة والإنسانية في آن معًا، کانت سببًا في ترشيحهم لنيل جائزة نوبل للسلام، وهو ما سعت إليه حملة دولية أطلقتها مجموعات سورية، لاقت دعمًا ومساندة في المستوی الدولي، وشارک فيها عدد من الممثلين والمخرجين العالميين الذين وقعوا عريضة للمطالبة بمنح الجائزة لأصحاب «الخوذ البيضاء»، بينهم المخرج ريدلي سکوت، والنجم جورج کلوني، وجاستن تيمبرلايک، وعزيز أنصاري، وبن افليک، ودانيال کريغ، وزوي سالدانا، وأليشيا کيز، فيما قامت شبکة «نيتفليکس» بإنتاج فيلم وثائقي باسم «الخوذ البيضاء»، رصد يوميات ثلاث مجموعات من الدفاع المدني السورية، والصعوبات العملية والنفسية التي يواجهونها في عملهم اليومي في إنقاذ أرواح الناس، وانتشال الجثث من تحت الأنقاض، وسط أخطار الضربات الجوية المزدوجة التي تقوم بها الطائرات الحربية علی المکان نفسه، وسط إيمان لخصه أحد أعضاء الفريق بالقول: «عندما أبادر لإنقاذ حياة أحدهم، لا يهمني إذا کان عدوًا أو صديقًا، ما يهمني هو الروح المعرضة لخطر القتل».
فريق الخوذ البيضاء ومهمته وأهدافه، ربما هو التعبير الأبرز لروح السوريين الذي أشاعته ثورتهم علی نظام الأسد الاستبدادي في عام 2011، يوم أطلقوا شعار الحرية، وکرسوا وحدتهم وتضامنهم في وجه سياسة القتل والتدمير والتهجير، مطالبين بإقامة نظام سياسي جديد يوفر حرية وعدالة ومساواة لکل السوريين. ولئن لم يحصل الفريق علی جائزة نوبل للسلام، فإن وصول صورتهم وصوتهم إلی العالم في بلد صارت صورة الحرب والدمار هي المعروفة عنه، والأکثر شهرة فيه إرهابيون ومتطرفون موزعون بين نظام الأسد وحلفائه الروس والإيرانيين وأدوات قتلهم من الميليشيات الطائفية، إضافة إلی إرهاب «داعش» و«القاعدة» وأخواتهما من الجماعات المتطرفة، فيما تکاد تغيب صورة وأصوات المطالبين بالحرية والحريصين علی الحياة والسلام، أمثال فريق الخوذ البيضاء.

زر الذهاب إلى الأعلى