أخبار إيران

ما السبب السياسي الذي يقف خلف التسجيل الصوتي لکلمة السيد منتظري

 

 


الحوار التسجيلي للسيد منتظري وثق لحظة مهمة في سجل نظام ولاية الفقيه وفي التاريخ الايراني المعاصر. تلک اللحظة التي أراد العفريت المتعطش للسلطة أن يحدث تغييرا أساسيا لانقاذ نظامه من منعطف خطير.
دراسة هذا الحوار من الناحية السياسية من شأنها أن توضح حقائق مهمة للغاية. ولکن قبل ذلک لابد من النظر الی حدود السلطة وعوامل التوازن الداخلية والخارجية ونسبتها وعملية الوصول الی السلطة وکيفية توزيعها.
هذه اللحظة هي حصيلة حالة تتضمن عدة صراعات مصيرية: السلطة الحاکمة قد انهزمت أمام منافسها الاقليمي الرئيسي کما أنها تمکنت في حربها مع شعبها من ردع مقاومة الشعب وجيش التحرير الوطني وهي منهمکة الآن في صراع لتقرير مصير خليفتها. وهو صراع يمکن حسمه علی الظاهر باصدار حکم للعزل ولکنه أمر مضن بحيث يصبر عليه خميني لمدة عامين «وبقلب يعتصره الحزن والألم».
لماذا الصراع علی تقرير الخليفة هو هکذا صعب؟  لأنه في ذلک العهد، کان يبلور شتی صنوف الصراعات علی السلطة الحاکمة مع الآخرين: مع مجاهدي خلق والقوة الاجتماعية المترصدة لنيل الحرية ومع العصيان العام الناجم عن حرب غادرة طالت 8 سنوات ومع التوجهات المختلفة التي بدأت تظهر داخل الحکم وغيرها من العوامل وأخيرا مع عامل «الوقت» الذي يجعل الاضطرار أمرا سائدا کون عمر خميني قد ينتهي في کل يوم أو في کل ساعة.
وفي غضون هذا المأزق، قد حسم خميني قبل ذلک بحوالي شهر وأثناء صياغة نص قبول وقف اطلاق النار وتجرع کأس السم، مسألتين أخريين: واحدة اصدار فتوی لابادة السجناء المجاهدين والآخری اتخاذ قراره بعزل خليفته آنذاک. وفي واقع الأمر ان الرضوخ لقبول وقف اطلاق النار وابادة السجناء السياسيين واقالة السيد منتظري کلها يشکلون أوجها مختلفة لظاهرة واحدة تتضمن ظهور غول آخر.    


الصراع بين قطبين رئيسيين في السلطة
التسجيل الصوتي ما هو الا نزاعا بين القطبين الرئيسيين للسلطة الحاکمة يقف في طرف السيد منتظري وفي الطرف الآخر خميني.  وقبل ذلک بعامين ظهرت شرخة کبيرة في النظام السلطوي المنفلت عندما توجهت النواة الرئيسية للسلطة والمرتبطة مباشرة بخميني، الی المفاوضات السرية مع أمريکا وهي تنوي الحصول علی حصة الأسد في النزاع علی السلطة. وانطلاقا من ذلک فقد قررت المقايضة مع الخارج وزيارة مک فارلين ومسؤول اسرائيلي الی طهران واستلام صواريخ تاو و… ضمن دائرة مغلقة.
وسرعان ما يطلع السيد منتظري علی هذا الحدث ويعطي الضوء الأخضر الی مساعده الموثوق مهدي هاشمي للکشف علی الزيارة السرية لمک فارلين عبر صحيفة الشراع اللبنانية.
وفي المقابل، يعتمد خميني نهجه المعهود لتکبيل منتظري والذي يتبلور في احتجاز مهدي هاشمي ويطلق من خلال اختلاق أکاذيب وملفات مفبرکة واعترافات قسرية ومقابلة تلفزيونية وغيرها من ضروب الحرب النفسية، حملة نفسية من العيار الثقيل ضد خليفته منتظري.
خميني يدير شخصيا عملية التحقيق مع مهدي هاشمي وحسب توضيحات وزير المخابرات آنذاک «ري شهري» خميني هو الذي يستمع الی تسجيلات المحقق ويبدي رأيه بشأن مااذا کان مهدي هاشمي قد کان «صادقا» أم لا. [1]
معذلک لا يتراجع السيد منتظري من موقفه، وبأمر من خميني يتم اعدام مهدي هاشمي. ثم يوجه السيد منتظري في تلک الأيام رسالة شديدة اللهجة الی خميني کتب فيها: «جرائم مخابراتکم وجرائم سجونکم قد بيضت وجه الشاه والسافاک». وهذه الرسالة تبين مدی شدة الأزمة بين القطبين المتصارعين في الحکم حيث أخذت تتفاقم.
وفي ذلک اليوم أي 15 آب1988 وأثناء حوار السيد منتظري مع أربعة من منفذي المجزرة، اضطر خميني تحت وطأة الاضطرار المطلق الی قبول وقف النار وبات شغله الشاغل اليومي وشغل العديد من مساعديه القريبين منه، تنفيذ عملية ابادة جماعية طالت السجناء المجاهدين علی نطاق واسع.
أربعة جلادين اجتمعوا في لقاء في بيت السيد منتظري، هم مندوبون لخميني. ورغم ضيق الوقت والموقف الاضطراري الذي جعلهم يزاولون القتل والمجازر من الصباح حتی الساعة العاشرة والنصف من الليل، الا أن خميني قد کلفهم مهمة سياسية وهي اشراک السيد منتظري في تحمل مسؤولية المجازر. واصرارهم علی کسب موافقة السيد منتظري علی قتل 200 مجاهد آخر يأتي  انطلاقا من هذا الهدف بالذات.      
الا أن السيد منتظري يعلم في تلک اللحظة بوضوح أن في مجزرة السجناء السياسيين هو نفسه أصبح مستهدفا أيضا. انه يشير أکثر من مرة الی ردود أفعال عوائل السجناء المعدومين متسائلا: «کيف تجيبون علی عوائل السجناء؟» وهذا التساؤل يشي بمطمح السيد منتظري الی اندلاع موجة احتجاجات شعبية وکذلک يکشف عن خطابه المبطن بالتهديد الموجه الی خميني القائل انه سيقف بجانب الشعب حالما ثار في عصيان ضد الحکم کونه علی حق.
ولکن التهديد المبطن الأکثر اثارة للخوف في کلام السيد منتظري هو احتمال الکشف عن رسائله الاحتجاجية حيث يقول: «اني کنت أوزع رسالتي لو لا بسبب شخص الإمام والثورة. وهل تعلمون أن عملي هذا کم کان سيفيد الأعداء».
ويقول أحد الجلادين الحاضرين: «نعم. کانت تحدث نتائج خطيرة».
وفي هذا الحوار ، خميني هو الطرف الفاشل الذي لا يستطيع جر السيد منتظري الی تأييد المجازر. لذلک يتوصل الی نتيجة ضرورية لمواصلة خطته في المجازر ولکن بتستر أکثر وکذلک يزيد من سرعتها.
الا أن السيد منتظري يتوقف عند هذا الحد من التحدي الذي هو مشرف وعمل سام، لذلک لايدفع الثمن الضروري لعفريت السلطة مصاص الدماء. انه لا يدري أن هذا العفريت سيبتلع بسرعة کل شيء. والا کان الرد الصحيح هو الکشف عن رسائله الاحتجاجية علی المجزرة وتقديم الاستقالة.
لا يمکن التصور عن تداعيات الوقائع التاريخية في حال تحقيقها في مسارات وأشکال أخری. لأن حرکة التاريخ ليست معبدة لطريق واحد لأن کل واقعة ليست رد فعل بسيط ومباشر لما سبقته من واقعة فحسب وانما هي حصيلة جدلية لمجموعة من التفاعلات السياسية والاجتماعية. 
علی أية حال لو کانت هناک امکانية لمنع وقوع المجزرة في عام 1988لکانت تتحقق عبر هذين المسارين:
المسار الأول أن لا يتوقف جيش التحرير الوطني في مضيق «جهار زبر» وکان بامکانه التقدم الی کرمانشاه. وهذا التقدم (ولا حتی شروع عملية اسقاط النظام) کان يخل توازن القوی الداخلي للحکم ضد الحلقة الرئيسية للسلطة وکذلک کان يؤثر علی منفذي المجازر والقتلة النذل العاملين بامرتهم ليخافون من مستقبل أعمالهم. وبالتالي کانت تتوقف ماکنة القتل عن العمل.
والعامل الآخر أن السيد منتظري کان بامکانه أن يکشف عن صرخاته الغاضبة واعتراضاته السياسية والفقهية بخصوص مجزرة السجناء السياسيين في هذا اللقاء ويستقيل من منصبه ليولد عاصفة سياسية جبارة.
وبعد عدة أشهر، عندما تفرغ العفريت من اعدام السجناء، بدأ بعزل خليفته.
ولحد ذلک الوقت لم يکن السيد منتظري قد کشف عن رسائله الاحتجاجية. ولکن المنافس استغل فرصة تسرب واحدة من هذه الرسائل في اذاعة بي بي سي لعزل منتظري.
ومع أن هذا القرار قد اتخذ بعد عملية ابادة السجناء وترسيخ سلطة الرعب والقمع في کل مکان منها داخل النظام، الا أنه قد آثار توترات داخل الحکومة حيث دخل خميني شخصيا علی الخط وکتب رسالة الی وزراء الحکومة وأعضاء برلمانه وهددهم بـقوله «في حال المخالفة، سيتم الکشف عنه أمام الناس مهما کان موقعه» [2]


الهرم السياسي للنظام في عملية المجزرة
يسلط التسجيل الصوتي الضوء علی الهرم السياسي للنظام أثناء المجزرة: من کانوا يقودون عملية الابادة الجماعية هذه؟
في الحوار الدائر بين منتظري وأربعة جلادين، هؤلاء الجلادون هم في أعمار تتراوح بين 27 و35 عاما [3] ولا يمتلکون علوما فقهية وعلوما حقوقية الا القليل. وبدلا من ذلک فأهم کفائتهم هو انصياعهم للأوامر وعملهم الدؤوب. کما انهم لا يخضعون لأي جناح داخل النظام سوی الحلقة الرئيسية للسلطة ولا حد لقساوتهم. ورغم کل ذلک فان صلاحياتهم محدودة من قبل السلطة القضائية المعينة لهم وأن مضمون عملهم هو اصدار أحکام الاعدام. لذلک يجب أن تکون هناک حلقة من کبار المسؤولين يمسکون رأس خيط شؤون عملية الابادة الجماعية ليس في طهران وکرج فقط وانما في کل البلاد ويديرونها.
من هم هؤلاء المدراء الأقدمون؟
نسمع في التسجيل الصوتي أن «السيد مرعشي (من أعضاء المجلس الأعلی للقضاء آنذاک) يهاتف بصوت مرتعش» ويقول للسيد منتظري «قم واذهب عند الإمام» (لوقف الاعدامات). بينما منتظري هو منفعل من استسلام وخضوع المجلس الأعلی للقضاء لأوامر خميني ويقول: «تعسا للمجلس الأعلی للقضاء».
بدورهم يشکو منفذو المجازر أن المجلس الأعلی للقضاء يقيم ثلاث جلسات اسبوعيا فقط وباقي أوقاته تستنزف للتدريس في قم.
ويصف منتظري، قاضي القضاة آنذاک أي «موسوي اردبيلي» بأنه رجل جبان وضعيف النفس الذي يواکب في صلاة الجمعة في طهران شعارات عناصر النظام لاعدام السجناء. [4] وبدلا من منع استمرار المجازر يکتفي بطرح سؤال فقط علی خميني فهل يجب نقل السجناء المتمسکين بموقفهم في المدن الی مراکز المحافظة أو يتم اعدامهم في تلک المدن؟
من الواضح أن موسوي اردبيلي وبسبب مسؤوليته علی رأس السلطة القضائية وکذلک أعضاء المجلس الأعلی للقضاء وسائر المسؤولين في هذه المنظومة الدموية، يعدون شرکاء في هذه الجريمة الکبيرة ويجب محاسبتهم. ومعذلک فان مکانتهم في الهرم السياسي للنظام أثناء المجازر تقع أدنی من المديرين الرئيسيين للمجازر.
ولکن المقررين الرئيسيين هم أقرب حلقة من المسؤولين في النظام من خميني أي ثالوث خامنئي ورفسنجاني واحمد خميني.
اولئک الذين يدعون أن خامنئي کان عديم الاطلاع بما جری في عملية الابادة الجماعية أو نأی بنفسه عن هذه الجريمة بأي شکل کان، فهم في واقع الأمر يحرفون الحقائق الواضحة والقطعية بغية الدفاع عن النظام الحاکم. نظام خميني قد عتم علی موضوع ابادة السجناء لعدة أشهر. وفي أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر بدأ تدريجيا وبکل حذر يطلع بعض العوائل علی استشهاد أبنائهم.
واثر نشر هذا الخبر، عندما حضر خامئني الذي کان يعمل في مقام رئيس الجمهورية للنظام آنذاک، الجامعة لمناسبة يوم الطالب في 30 نوفمبر1988، وجه اليه سؤال بهذا الصدد. «حجة الاسلام والمسلمين خامنئي أجاب الاسبوع الماضي في اجتماع طلابي حار علی  أهم الأسئلة المطروحة لدی الأوساط الطلابية… تم توجيه سؤال عليه ما سبب لامبالاة الجمهورية الاسلامية لموضوع حقوق الانسان وعدم السماح لخبراء حقوق الانسان للأمم المتحدة بشأن التحقيق حول هذه المسألة؟ فما سبب الاعدامات الواسعة في ايران وفي طهران والمحافظات؟  أجاب رئيس الجمهورية: اثارة هذا النحو من السؤال يشبه البيانات الأخيرة للاذاعات الأجنبية. ولکن رغم ذلک أنا أرد علی ذلک لکونه هناک سؤال مطروح. نحن لسنا غير مبالين بقضية حقوق الانسان… اولئک الذين يتحدثون ضدنا في العالم بشأن حقوق الانسان يريدون أن يمارس المنافقون واولئک الذين ينادون باسقاط النظام بطلاقة أي عمل يشاؤون ولا يبدي النظام عليهم أي رد فعل. وهذا خلاف لمصالح الشعب والنظام. المنافقون ارتکبوا منذ بداية الثورة ولحد الآن أبشع المآسي في هذا البلد. منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة لم تدل بکلمة واحدة… … القضية هي قضية سياسية يا أخي!
ولکن الاعدامات! هي نفس العبارات التي تذيعها الاذاعات الأجنبية. اذاعة المنافقين تتحدث عنها. هل ألغينا نحن عقوبة الاعدام!؟ اننا لدينا مثل العديد من دول العالم عقوبة الاعدام. لمن؟ لاولئک الذين جرائمهم تستحق الاعدام. کل من يرتکب هذه الجرائم فنحن نعدمهم. لا يهمنا ان کان من بين الأقارب أوالأجانب. من واکب المنافقين في السجن وفي الهجوم المسلح علی حدود الجمهورية الاسلامية وارتکبوا تلک الکوارث مع العدو الأجنبي في اسلام آباد فهل باعتقادکم يجب أن نرحب به ونستقبله بالحلويات؟ واذا ما ثبت ارتباطه بهذه المنظومة الخيانية فماذا علينا أن نفعل معه؟ باعتقادنا هو محکوم عليه بالاعدام ونحن نعدمه…» [5]
المصدر السيادي الآخر في أعلی مستويات ادارة عملية الابادة الجماعية هو رفسنجاني. انه ورغم محاولاته للتعتيم علی دوره ومسئوليته، الا أنه أورد في کتاب ذکرياته شرحا موجزا عن لقائه وحواره بأحد الجلادين منفذي المجازر وهو اعتراف واضح بمکانته في قيادة هذه المجازر: انه يقول «السيد [علي] شوشتري [المساعد القضائي ونائب] مسؤول هيئة السجون راجعني وقدم معلومات عن السجناء ولاسيما عن الزمر والأحداث الأخيرة المتعلقة بهم فيما يخص أعمال الشر للمنافقين وقال ان من بين حوالي 5 آلاف سجين منتمين للزمره هناک ثلث منهم متمسکون بمواقفهم وهناک ثلث منها تائبون وثلث آخر منشقون» [6]
رفسنجاني کان آنذاک يعمل في منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة وکان يدير مع خامنئي واحمد خميني (في دور مساعد خميني) کل الشؤون الداخلية والخارجية للبلد بدءا من جبهات الحرب ومرورا بالحکومة والبرلمان والسجون.

مهدي هاشمي المذکور اسمه أعلاه، کتب في رسالة الی السيد منتظري: «الثالوث الذي يحکم البلاد وحتی يستولون علی أفکار سماحة الإمام ويحکمون  البلاد ويتابعون کل واردة وشاردة للبلاد من صغيرة وکبيرة وهم يتطلعون مذعورين الی المستقبل والافق المستقبلي للقيادة المستقبلية للثورة»… «هذا الثالوث يزيلون کل من لا يخضع أمام معادلاتهم مثلي أنا الکاتب التعس…». [7]
منتظري نفسه هو الآخر يوضح في مذکراته ان البلاد تدار علی أيدي هذا الثالوث. [8]

ان مراجعة وقائع عقد الثمانينات في القرن الماضي لا تبقي مجالا للشک بشأن المکانة المصيرية لرؤساء السلطات الثلاث في ادارة شؤون البلاد اليومية. ومن بين هؤلاء القادة وبشکل خاص هذا الثالوث يؤدي دورا محوريا وهؤلاء الثلاثة يعدون أکبر المسؤولين لتوجيه ماکنة القتل في مجازر 1988. مؤخرا کتبت صحيفة اعتماد الحکومية مقالا بشأن هذه المجازر تقول «لاحقا ولأسباب أضعف اثير اقتراح [الاعدام الجماعي للسجناء] بشأن بعض من الشيوعيين داخل السجن وأحال الإمام خميني اتخاذ القرار بشأن ذلک الی اجتماع رؤساء السلطات الثلاث وفي ذلک الاجتماع يکاد يکون جميع رؤساء السلطات ورئيس الوزراء قد عارضوا ذلک المقترح ولم يتم اجراء مماثل بشأن الشيوعيين داخل السجن»[9] 
التعتيم علی حقيقة أن کثيرا من السجناء الشيوعيين وغير المجاهدين في عام 1988 شملتهم الاعدامات الجماعية أيضا، هو الجانب المشوه في التقرير أعلاه. ولکن الجانب الصحيح هو الدور الذي کان يلعبه اجتماع رؤساء السلطات الثلاث في ادارة المجازر. 
هناک نماذج عديدة ومتنوعة أخری للوثائق والأدلة الموثوقة في هذا المجال. ولکن کل هذه الوثائق والمستندات ورغم صراحتها وقاطعيتها تعد من حيث الأهمية أدنی من العملية السياسية لعام 1988. هذه العملية هي بلوغ سلطة ظهرت بعد اجتيازها المجازر بحق السجناء السياسيين وعزل منتظري. وفي الحقيقة ان السلطة الحاکمة بعد خميني هي حصيلة ماکنة المجازر. والا  کيف استطاع خامنئي الذي کان يمتلک مکانة متدنية في الهرم العلمي للملالي ولم يکن يمتلک علوما حوزوية يذکر، أن يجلس في مقعد ولاية الفقيه؟ ما هي السمة التي أجازت له الصعود الی أعلی منصب حکومي بعد فتح آيات الله الحکوميين الطريق أمامه بفصل قيادة النظام عن المرجعية الفقهية وحذف شرط المرجعية من ولاية الفقيه في الدستور.
أهم رصيد يمتلکه خامنئي ورفسنجاني حيث جعل بقية زمر النظام يخضعون له، کان الدور الحاسم الذي کانوا يلعبونه في حفظ النظام عبر ابادة السجناء السياسيين وعزل السيد منتظري ومواجهة جيش التحرير الوطني.
انهم شکلوا سطوة استمدت مصداقيتها من اراقة دماء جيل من أنبل أبناء الشعب الايراني وازالة القسم الأعظم من الثروة البشرية والمعنوية لهذا البلد. وهذا الرصيد – شر عام بمثابة المصالح العالية لکل مکونات الحکم الحالي – نعم کان سبب النظام لحد الآن ولکنه في الوقت نفسه يشکل حاجزا أمام الاستقرار السياسي الحقيقي لهذا النظام.
ان نشر التسجيل الصوتي لاجتماع اقيم قبل 28 عاما، يعمل کزلزال سياسي في هذا النظام وهذا يعني أن نظام ولاية الفقيه واهن أمام ملف المجزرة بحيث لا محيد منه. فهذا الملف ليس ملفا لواقع مقضي منه ومسجل في أرشيف التاريخ. ولا أمرا فقد أهميته في دائرة حقوق الانسان المغلقة. ولا حتی يشکل أمرا ينحصر في حدود المقاومة والحرية. بل کل خطوة في هذا المضمار بدءا من جمع المعلومات وتفاصيل عن الفرسان المتفانين الذين راحوا ضحية مجازر 1988 والی الکشف عن موقع وهوية الجلادين کلها تشکل حلقات من نضال مستدام لاسقاط ولاية الفقيه من العرش.

 
 

———————————-
[1] ـ «مذکرات ري شهري السياسية» ج3، صص70 و 71
[2] ـ نص رسالة خميني الی ممثلي البرلمان: «بسم الله الرحمن الرحیم، الی أبنائي الأعزاء، نواب مجلس الشوری الاسلامي المحترمين والوزراء المحترمين – دامت افاضاتهم- السلام عليکم. سمعت أنکم لستم علی صورة من أمر سماحة السيد منتظري ولا تعرفون کيف هي القضية. اعلموا أن أبيکم الشيخ قد بذل کل الجهد منذ أکثر من عامين في البيانات والرسائل لکي لا ينتهي الأمر الی ما هو عليه الآن. ولکنه مع الأسف لم يفلح في ذلک.
من جانب آخر فان الوظيفة الشرعية کانت تقتضي عليه أن يتخذ القرار اللازم لحفظ النظام والاسلام. لذلک وبقلب يعتصره الألم فقد وضعت حصيلة عمري الی جانب لمصلحة النظام والاسلام. ان شاء الله ستتضح الأمور في المستقبل الی حد ما للأخوة والأخوات في المستقبل.  لا حاجة للتوصية بأن الدفاع عن الاسلام والنظام لا يقبل  المزاح. وفي حال التجاوز، کل من کان وفي أي موقع کان سيتم الکشف عنه أمام الناس فورا. أسأل الله تعالی التوفيق للجميع  والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته 15 ابريل 1989 – روح الله الموسوي الخميني». 

[3] ـ الجلادون المذکور أسمائهم ومناصبهم وأعمارهم کالتالي:  حسینعلي نیري (حاکم الشرع آنذاک، 32عاما) ـ مرتضی اشراقي (المدعي العام آنذاک، حوالي 35عاما) ـ ابراهیم رئیسي (نائب المدعي العام آنذاک ، 27عاما) ـ مصطفی بورمحمدي(ممثل وزارة المخابرات آنذاک ، 29عاما)
[4]- موسوي اردبیلي رئیس جهاز القضاء، خطبة صلاة الجمعة بطهران 5 أغسطس1988: «مسألة المنافقين کانت لنا مشکلة کبيرة. عدد کبير منهم غادروا ايران وشکلوا في العراق لانفسهم تنظيما ونشاطات.  جمع منهم في ايران يقبعون في السجون. نحن اذا کنا ننهي الحرب فکنا نواجه مشکلة المنافقين. لم يکن حل قضية المنافقين بالأمر السهل بل کان يتطلب منا دفع ثمن کبير. ولکن قبل قبول قرار وقف اطلاق النار، فقد حل رب العالمين هذه المشکلة حلا سهلا. (تکبير المصلين)…  الشعب الايراني غاضب علی المنافقين بحيث السلطة القضائية تعيش تحت الضغط بشدة من قبل الرأي العام . المواطنون يقولون لماذا تحاکمون المنافقين؟ قضيتهم لا تتطلب المحاکمة لأن أحکامهم معلومة. الموضوع معلوم آيضا. والعقوبة معلومة أيضا. السلطة القضائية تحت الضغط بسبب محاکمة هؤلاء. يقولون لماذا لا تعدومون هؤلاء؟ ولماذا يتم زج بعضهم في السجون؟ (شعار المصلين: المنافق المسجون يجب اعدامه)… القاضي من جهة لابد من أن يحترم ضوابط المحکمة ومن جهة أخری هو تحت ضغط الرأي العام… المواطنون يضغطون بشکل کبير علی السلطه القضائية لازالة المنافقين بحيث يتوقعون من السلطة القضائية أکثر من صلاحياتها… اني معکم وأقول أنتم علی حق وأقول يجب أن لايعفی عنهم. (تکبير المصلين) اني لا أدلي بهذه الکلمة متأثرا بالأجواء بل أقول ذلک بسبب الاطلاع علی مواقفهم الثابتة».  نقلا عن کتاب «مواکبة الثورة، خطب صلاة الجمعة سماحة آية الله العظمی موسوي اردبيلي». تأليف سيد محمد باقر نجفي کازروني. مؤسسة نشر جامعة مفيد- قم ربيع عام 2006- صص 385-386-387
[ 5] صحيفة «رسالت» 7 ديسمبر 1988
[6] «سجل وذکريات هاشمي رفسنجاني عام 1988 نهاية الدفاع وبداية اعادة الاعمار» ص 257 الطبعة السابعة 2011
[7] کتاب «من الانشقاق حتی المواجهة] ص 49
[8] مذکرات آية الله منتظري صفحة 512
[9] صحيفة اعتماد 14 أغسطس 2016

زر الذهاب إلى الأعلى