مقالات

أبعاد تدمير حلب الإقليمية

 

الشرق الاوسط 
4/05/2016

عبد الرحمن الراشد

المأساة الإنسانية في حلب أعظم من أن نستطيع وصفها، تمثل ذروة المِحنة السورية. وعدم تحدي المعتدين سيعطيهم بطاقة مفتوحة لفعل ما يشاءون في منطقتنا. حلب ستفتح شهية إيران وحلفائها للعدوان من دون حدود، هذه هي المحصلة من فشل العمل الإقليمي والدولي. أما بالنسبة إلی السوريين أنفسهم فإن المعتدين سينجحون في تدمير ما بقي واقفا، وارتکاب المزيد من الجرائم، لکنهم لن يحققوا هدفهم بإعادة بسط سلطة بشار الأسد علی حلب وغيرها.
منذ العام الماضي، عندما دخلت القوات الروسية سوريا وشارکت في الحرب إلی جانب قوات نظام بشار الأسد، ومع القوات الإيرانية، وهي تتحدث عن «تحرير» مدينة حلب.
لا يزال الوضع کما هو، رغم ما زعمته موسکو من سحب قواتها واتضح أنه ليس صحيحا.
الإيرانيون سبقوا الروس بعامين في إرسال قوات إلی هناک، ومثل الروس لم يفلحوا. وکبرت قوات الحرس الثوري الإيراني قدراتها بتشکيل تحالف واسع من الميليشيات الدينية المتطرفة من «حزب الله» اللبناني، و«عصائب الحق» العراقي، والأفغان وغيرهم، وفشلت. وهي النتيجة نفسها التي فشل في تحقيقها جيش الأسد منذ بداية المواجهات مع مواطنيه في انتفاضة عام 2011.
مقاتلات السوخوي والميغ الروسية، ومعها الطائرات السورية، تتمتع بسيادة کاملة علی الجو بسبب حرمان المعارضة السورية من الحصول علی صواريخ ودفاعات أرضية، ونجح سلاح الجو الروسي والسوري في شيء واحد فقط، في تدمير المدن بشکل لا مثيل له منذ الحرب العالمية الثانية، لکنه لم يحقق لهم شيئا يذکر، باستثناء استرجاع بعض الأحياء في حلب، التي لا تغادرها القوات السورية بعد أن صارت مصائد لها. وکل ما تستطيع أن تتحدث عنه موسکو من انتصارات، هو أنها مکنت قوات الأسد من استعادة مدينة تدمر الأثرية، لکن لا يزال الأسد نفسه لا يجرؤ علی مغادرة قصره في دمشق. فجزء من أرياف العاصمة لا يزال في أيدي المعارضة، بعد فشل الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني في السيطرة عليه.
نتائج التدخل الروسي الإيراني هزيلة، حتی إذا وضعنا في الاعتبار الجهود القصوی المبذولة لمحاصرة المعارضة بقطع التمويل الترکي لها، وتقلص المساعدات الخارجية أيضا للمعارضة، وسکوت الأمم المتحدة علی جرائم هذه الجيوش ضد المدنيين، وفوقها قيام التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة بضرب تنظيمات «داعش» بالتنسيق مع النظام السوري، وترک قوات الأسد تستولي علی المناطق المحررة. کل هذه الجهود المشترکة نجحت في الهدم والتهجير وقتل ثلث مليون إنسان، لکنها فشلت في تحقيق ترميم سلطة النظام السوري، إلی کما کانت عليه قبل الثورة. ما تبقی أمام الروس والإيرانيين هو دفع المزيد من الملايين من سکان المدن السورية، مثل حلب، للهروب إلی خارج الحدود.
ستستمر عملية الإبادة بالقتل والتشريد من قبل الثلاثي الإيراني والروسي والأسدي، ما لم تتحرک القوی الإقليمية وتدعم المعارضة بتمويلها بأسلحة تعطل الهجوم الجوي المتوحش. لا نتوقع من أي من دول المنطقة تدخلا عسکريا مباشرا، ولن تحرک الأمم المتحدة ساکنا، ولن تبدل إدارة باراک أوباما موقفها اللامبالي.
سکوت حکومات المنطقة علی هذه الإبادة، سيجعلها تدفع الثمن أکبر لاحقا؛ حيث ستتجرأ إيران علی تکرار جرائمها. وأخشی أننا سنراها في العراق قريبا، طالما أنها تشعر عن ثقة اليوم أن أحدا لن يتحداها في سوريا. وهي تقوم حاليا بتکسير النظام السياسي في بغداد بهدف السيطرة عليه تماما، والأرجح أنها ستدفع بقواتها أو بميليشيات بديلة للسيطرة علی الوضع هناک.
من دون تشکيل جبهة تقف في وجه المعسکر الإيراني، سيتوسع نطاق الأزمة.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى