أخبار إيران

الإنتخابات في ظل نظام ولاية الفقيه؟

 


اورينت نت
26/2/2016

 


د.سنابرق زاهدي

 


ستجری يوم غد الجمعة انتخابات مجلس الخبراء وانتخابات مجلس الشوری في إيران. وتعتبر هذه الانتخابات انعطافة في الصراعات الداخلية لنظام الملالي خاصة وأنها تأتي بعد الإتفاق النووي وفي وقت تغلي مختلف بلدان الشرق الأوسط، خاصة سوريا، بنار الحروب الطائفية التي أجّجها نظام ولاية الفقيه فيها.

الحقيقة هي أن لامعنی للانتخابات في الديکتاتورية المطلقة الدينية الحاکمة في إيران، لأن الانتخابات تأتي في کل بلد لانتخاب ممثلين عن الشعب حتی يقوموا بمداولة السلطة وبتحديد مصالح الشعب وتأطيرها في القوانين الموضوعة والمراقبة علی مراعاة هذه الحقوق،  لکن في نظام ولاية الفقيه الحقوق والصلاحيات والخيارات کلها بيد الولي الفقيه، وتحوّلت ولاية الفقيه إلی مؤسسة کبيرة تسيطر علی جميع مناحي الحياة السياسية والإقتصاديه والثقافية والعسکرية والأمنية وغيرها.

هذا النمط من الحکم ابتدعه خميني في الستينات القرن الماضي عند ما کان في النجف، ولم يتحدث آنذاک إطلاقاً عن مشارکة الشعب في تقرير مصيره أو عن الجمهورية بل قدم أطروحته تحت عنوان “ولاية الفقيه” وبعد ذلک شرح هذه الفکرة في کتابه المعروف بـ”الحکم الإسلامي”،في هذا الکتاب يدافع عن وجود “خليفة” للمسلمين لتنفيذ قوانين الشرع ويؤکد أن لاوجود للمشرّع في الحکومة الإسلامية بل النظام هو نظام الخلافة.

لکن عندما ثار أبناء الشعب في الشوارع في عامي 1978-79 بهدف إسقاط نظام الشاه وإنهاء الملکية المطلقة رفعوا شعار الجمهورية في وجه نظام الشاه، خميني أيضاً ساير الشعب المنتفض وفي الأسابيع الأخيرة تحدث عن الجمهورية في صيغة “الجمهورية الإسلامية”.

وأثناء وجوده في باريس تحدث مرات ومرات أنه بعد وصوله إلی إيران سيدعوا إلي تشکيل مجلس تأسيسي يمثل کافة أبناء الشعب لصياغة الدستور الجديد في البلاد، لکنه لما وصل إلی الحکم تخلف عن ما وعد به وشکل «مجلس الخبراء» أي مجموعة مکوّنة من الملالي وليس من نواب الشعب وهذه المجموعة المختارة هي التي صاغت دستور ولاية الفقيه، والملالي الحاکمين اليوم هم کانوا أعضاء في مجلس خبراء الدستور.

هذا معناه أن الملالي لايعتقدون باقتراع الشعب ولايهمهم ما ذا يقول الشعب، فالانتخابات في منطقهم ليس آلية تداول السلطة بل هي من أجل الإيحاء بأن نظامهم مؤيد شعبيا، لکن عمليا قاموا بتفريغ الانتخابات عن مغزاه من خلال آليات وضعوها في الدستور وأکثر منها في التطبيق.

علی سبيل المثال من يريد أن يترشح نفسه لانتخابات مجلس الشوری أو مجلس الخبراء فيجب أن يکون ملتزماً بولاية الفقيه في النظر وفي التطبيق وکما يقولون يجب أن يکون وفيا بولاية الفقيه قلبا وقالبا، لکن هذا لايکفي بل هناک آلية محددة لتمييز هذا الوفاء وهو مجلس الصيانة علی الدستور.

فمن يترشح نفسه لايمکن إلا أن أثبت ولاءه مسبقا لولاية الفقيه، مع ذلک في البداية تقوم وزارة الداخلية بدراسة ملفه من خلال الاعتماد علی تقارير أربع دوائر وهي السلطة القضائية، وقوات الأمن، ووزارة المخابرات ودائرة الأحوال المدنية، وکل هذا يعتبر المرحلة الأولی في تمييز کفاءة وأهلية المرشح. المرحلة الثانية والأصعب هي العبور من بؤتقة مجلس الصيانة علی الدستور، وهذا المجلس يعتمد في تقييمه ورفضه او قبوله للمرشحين علی استخبارات الحرس “الثوري”.

مجلس الصيانة علی الدستور مکوّن من 12 شخصا ستة منهم من الملالي الذين نصبهم زعيم النظام مباشرة وهؤلاء هم الذين بيدهم القرار. وهناک ستة من الحقوقيين الذي اثبتوا ولاءهم للنظام علی المدی الطويل يقدمهم رئيس السلطة القضائية إلی مجلس الشوری ليعلنهم أعضاء من الدرجة الثانية في مجلس الصيانة علی الدستور علما بأن رئيس السلطة القضائية منصوب مباشرة من قبل الولي الفقيه.

الانتخابات ستحدد أعضاء مجلس الخبراء الـ88. ومن الطريف أنه بعد عملية الشطب والاقصاء التي قام بها مجلس الصيانة علی الدستور لم يبق من المرشحين سوی 161 مرشح، وهذا معناه أن عديداً من المناطق لن يکون فيها سوی مرشح واحد!

حقيقة أخری يجب التنبة إليها وهي أن المرشحين التابعين لجناح ولي الفقيه معروفون في معاداتهم للحرية والديمقراطية وتأييدهم لجميع ممارسات النظام في مجال القمع وتصدير الارهاب والفساد والسلب والنهب. لکن هذا ليس معناه أن في الجناح المنافس رجال نزهاء.

و للعلم نشير إلی بعض من هم في قائمة رفسنجاني الذين کانوا ولايزالون من أشدّ المسؤولين للقمع والارهاب والبطش والمجازر، علي سبيل المثال مصطفي بورمحمدي وزير العدل في حکومة روحاني کان عضو لجنة الموت في ارتکاب المجازر بحق ثلاثين ألفا من السجناء السياسيين في العام 1988،محمد ري شهري کان  أول وزير مخابرات إيران وهو الذي نفذ الاعدام بحق العديد من رجال الدين المعارضين للنظام وهو الذي قام بوضع آية الله منتظر تحت الإقامة الجبرية حتی فوته.

علی رازيني قام بإعدام مئات الأشخاص من المجاهدين المناضلين وهو الذي طبق عملية الرجم الذي تم تصويرها وهزّ العالم، علی فلاحيان الذي کان وزير الإرهاب ومعظم عمليات الإرهاب والاغتيالات خارج إيران تمت تحت اشرافه وعندما کان وزيرا للمخابرات، والملا دري نجف آبادي الذي کان أيضا وزير المخابرات ودبر عمليات سلسلة الاغتيالات السياسية داخل ايران و… هلم جرا. هذه الحالة تنطبق علی جميع المرشحين التابعين لجماعة رفسنجاني وروحاني الذين ينسب  إليهم اتهام الاعتدال والاصلاح.

هناک قضية أخری يتفق فيها خامنئي وروحاني معا وهي ضرورة مواصلة الحرب في سوريا وتقديم مختلف أنواع الدعم لبشار الأسد لبقائه في السلطة، کما أن روحاني صرّح أنه لو يکن الحرس الثوري يقاتلون في سوريا والعراق لما استطاع فريقه  التقدم في المفاوضات النووية.

وأرسل خامنئي في هذا الوقت مزيداً من قواته إلی سوريا لتحقيق شيئ ولو بسيط من التقدم حتی يستخدمه في صراعه الداخلي ضد التيار المنافس في الانتخابات،  بمعنی آخر هناک ترابط عضوي بين الصراع المحتدم بين الجناحين في الانتخابات الإيرانية وحضور عشرات الآلاف من قوات الحرس والقوات التابعة له في سوريا لقتل أبناء الشعب السوري. 

وفي ما يتعلق الأمر بمجلس الشوری فقامت وزارة الداخلية بعملية التقييم والتمحيص وشطب بعض المرشحين. وعند ما جاء دور مجلس الصيانة علی الدستور فقام هذا المجلس بـ”تصفية” قائمة المرشحين حيث شطب أسماء 7310 أشخاص من بين 12039 أي بنسبة أکثر من 60% منهم، والأهم أن “هندسة الانتخابات”، بتعبيرهم، طالت ما يقارب 99% ممن يوصفون بالإصلاحيين وقالوا أن 30 فقط من بين 3000 بقوا في الساحة وتم شطب الآخرين، من هنا أيضاً يمکن مرة أخری أن نحکم بأن الانتخابات في نظام الملالي ليس سوی منعطف في حسم الصراعات الداخلية وليس إلا.

مع کل هذه الصراعات والتناقضات التي تطغي علی التنافس بين الجناحين لکن هناک قاسم مشترک او بالاصح خط أحمر لا يقترب أحد من عصابات النظام به وهو احتمال حدوث انتفاضة شعبية ضد النظام کما حدث في العام 2009. من هذا المنطلق جميع الأجنحة الداخلية تدعو إلی ضرورة المشارکة وصرّح روحاني بعد عمليات الإقصاء من قبل مجلس المراقبة علی الدستور بتعبير معبّر جدا حيث قال” إذا شارکنا في الانتخابات فلن نحصل إلا نتائج ضئيلة لکن إذا لم نشارک فتلحق بنا خسائر کبيرة وعلينا أن نبني علی جني ثمار ضئيلة بدل قبول خسائر کبيرة”.

من مؤشرات هذه المرحلة من الصراعات من يمکن وصفه بغليان هذه الصراعات بشکل لم يسبق له مثيل. وبذلک يمکن أن نقول أن هذه المرحلة تمتاز عن سوابقها في هذا المجال. علی سبيل المثال ولا الحصر:

– شطب اسم حسن خميني حفيد مؤسس النظام من قائمة المرشحين لمجلس الخبراء مع أن حوالي عشرة من کبار المراجع أيدوا أهليته وکفاءته العلمية. ويمکن القول أنه لديه  أکثر کفاءة عن خامنئي نفسه. وذلک رغما عن تأييده المطلق من قبل رفسنجاني.

– المواقف المتبادلة بين خامنئي وعصابته من جهة ورفسنجاني وروحاني ومن تبعهما من جهة أخری، حيث يتهم جماعة خامنی المنافسين بأنهم عملاء لبريطانيا ويتهم جماعة رفسنجاني الطرف الآخر بأنهم داعشيون.

– و تحدث أمام جمعة مدينة طهران العاصمة من جماعة خامنئي الملا احمد خاتمي وحذّر من استقواء الجناح المنافس وصرّح إنهم إذا استطاعوا أن يرکبوا قطار السلطة فسيقيمون مشانق في جميع المدن،  وفي نفس الإطار بعث عميد الحرس نقدي قائد الباسيج رسالة  إلی أعضاء البسيج وطلب منهم بالحاح وتضرع بأن ينشطوا ويذهبوا إلی عوائلهم واقاربهم وحثهم للمشارکة في عملية التصويت. وحذر أن من دون ذلک ستأتي المجموعة  التي تريد بيع الوطن للإنجليز!

-خامنئي نفسه أيضا أصدر عدة فتاوی بوجوب المشارکة في عملية التصويت وأنها واجب عيني لکل المواطنين، وصرّح أن الزوجة تستطيع أن تشارک في العمليه دون إذن من زوجه. مع أننا نعرف أن خامنئي وخميني قالا في فتاواهم السابقة أن ليس للزوجة الحق في الخروج من البيت دون إذن الزوج.

-هناک ظاهرة أخری جديدة أيضا وهي العديد من الشخصيات التي کانت يوما ما مع النظام وانشقت منها أو الشخصيات المعارضة في الداخل وکذلک السجناء السياسيون أصدروا بيانات ضد «مهزلة» او«مسرحية» الانتخابات  ودعوا إلي مقاطعته.

محصلة القول
الإنتخابات الراهنة هي کسابقاتها نقطة متضادة مع  طبيعة نظام ولاية الفقيه وإنها تحوّلت إلی معضلة  کبيرة للنظام، حيث أنها حتی ولو لم تتحول إلی حرکة شعبية کبيرة وانتفاضة، لکن لاشک أن نظام ولاية الفقيه الذي يخرج من هذه البوتقة المحتدمة سيکون أضعف بکثير عما کان  قبلها.

 
* رئيس لجنة القضاء في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية

زر الذهاب إلى الأعلى