تقارير

“إيلاف” في مخيم نازحي الأنبار.. مکان ليس للبشر

 



ايلاف
19/6/2015


 



زارت “إيلاف” مخيمًا لإيواء النازحين من اهالي الانبار يقع ضمن “التکية الکسنزانية” جنوبي بغداد، واطلعت علی الواقع المرير الذي يعيشونه، حيث الشکوی من نقص في کل متطلبات الحياة، ويضم 504 عائلات من الانبار و400 عائلة من محافظة صلاح الدين.


 
بغداد: اعرب العديد من النازحين والقائمين علی مخيم لنازحي الأنبار ومحافظة صلاح الدين، التقتهم “ايلاف”، عن اوجاعهم الشديدة وهم يعانون مرارات العيش کلها في هذا المکان ، مؤکدين أن المخيم يشکو الکثير من النواقص التي تسببت في الاذی للنازحين واصابتهم بالامراض، فضلاً عن الحالات النفسية السيئة، مشيرين الی ان الوضع يزداد مع الايام سوءًا لا سيما ان فصل الصيف في اوله ، موضحين انهم يعانون من عدم وجود  الکرفانات التي هي افضل من الخيم ومن نقص الماء الصالح للشرب والمرافق الصحية ومبردات الهواء ومطبخ وتجهيزه بالمجمدات وبالمواد الغذائية، اضافة الی مستوصف صحي وعلاجات للامراض المزمنة، فضلاً عن المشاکل التي يتعرضون لها داخل الخيم .


صورة قلمية


 يقع المکان في منطقة نائية، داخل (التکية الکسنزانية)، وهناک مخيمان، احدهما اسوأ من الاخر کل شيء فيهما يدعو الی الرثاء والاسف، لا يصلحان الی اقامة البشر، في الاول تتراص الخيم الصغيرة التي تغيّرت الوانها، فيما وجد البعض ضالته في بناء تقاسمته الاسر لتکون کل اسرة في غرفة صغيرة، فيما استغل البعض مساحات فارغة ليجعل من بعضها علی شکل غرفة باضلاع اربعة مغطاة بقماش الخيمة وغيره ، فيما هم يحصلون علی الماء من خزانات بلاستيکية تقبع تحت الشمس ومن السهل ان تری النسوة يتزاحمن من اجل غسل الملابس أو الاواني أو حاجياتهن، فيما يعمد البعض من النساء الی اخذ بعض الماء الی الخيمة للاستفاد منه، حتی أن تلک الامکنة تحولت الی مستنقعات کثرت فيه الطحالب وانتشرت الاوساخ وطرحت روائح کريهة ،اما الملابس فکلها تنشر علی سياج من (البي ار سي) فتختلط ببعضها أو تتطاير، فيما الاتربة تمنحها لونًا آخر وحاجة الی اعادة للغسيل ولکن !!، اما الاطفال فبعضهم حفاة وبملابس رثة وبعضهم يمارس الاستجداء بحجة أن اسرته بحاجة الی المال .
 
    اما المخيم الاخر فهو الذي يمکن ان يقال عنه إن (المأساة) تنحني امامه صاغرة، فهو مترامي الاطراف وارضه ترابية وبين وقت وآخر تهب عجاجة فتجعل المکان عالمًا من غبار يدخل الخيم الموزعة هنا وهناک والتي ذبلت الوانها، وهذا ما ادی الی حالات اختناق کثيرة، امام بعض الخيم نری خزانات ماء بلاستيکية صغيرة تتولی ملأها سيارات حوضية او سيارات الاطفاء واستخدامات هذا الماء لمبردات الهواء وحينما تشتد الحرارة تصبح درجاتها داخل الخيمة عالية فيما الرطوبة تزداد لاسيما أن الخيمة منصوبة مباشرة علی الارض وحين تتأمل شکل الخيم تشاهد انها قد تهرأت، فيما يجتهد القائمون علی المخيم بنصب بعض (الکرفانات) الصغيرة، اما ماء الشرب فليس هنالک من ماء صالح واما المرافق الصحية فهي تتوسط المکان الکبير وهي بعيدة نوعًا ما، وهنا من الممکن ان تسمع غرائب مذهلة، فالنهار والليل يشکلان معاناة عظيمة للنساء خاصة، لذلک اغلب ارباب الاسر لا يسمحون لبناتهم أو نسائهم من الذهاب الی المرافق الصحية فيضطرن الی قضاء حاجاتهن داخل الخيمة، او بجوارها، وهو ما ادی الی تفشي الامراض .
 
جولة محزنة


   في الجولة .. من المؤسف أن نری النساء يتطلعن الی وجوه المسؤولين بصمت ولسان حالهم الشکوی من المعاناة، وارثي لحال رجل يعلن عن تعبه لأن اسرته کبيرة ولا يستطيع ان يقدم لهم جزء مما کان يقدمه في مدينته، ومن المحزن ان اسمع صبيًا حافيًا يشکو لي من علة في جسده، ومن المؤلم ان يخبرني احدهم انه لا يستطيع النوم في الخيمة خشية من الافاعي، ولا انسی وقوفي وسط الساحة اتطلع الی الجهات وسط العجاج الذي أراه يهز الخيم .
 
مشاکل کثيرة مختلفة


     يقول المهندس عبد الکريم الجاف ، مسؤول المخيم: لدينا مخيمان في هذا المکان، المخيم الاول (صلاح الدين) وتبناه الدکتور نهرو الکسنزاني  بکامله، والثاني (التکية)، ولکن يبقی موضوع الماء في المعسکرين هو المشکلة الرئيسية، نحن ان لم يأتِنا انبوب من الناقل الرئيسي الموجود عند الشارع العام لن تحل المشکلة، ودائرة الماء لديها علم والمانع ان عليهم ان ينفذوا ولکن للان لا يوجد تنفيذ.
واضاف: الان النقل بالعجلات الحوضية ومرات نستعين بسيارات الاطفاء في ساعات متأخرة من الليل لينقلوا لنا الماء، اما الصرف الصحي فغير موجود، فيما الموجود الان عملية بدائية جدًا، يفترض بناء مجاميع صحية وبالوقت نفسه تراعي شعور المجتمع، کيف يذهب رجل وامرأة معاً الی المرافق الصحية ، هذا امر غير مقبول .
 
وتابع : نتمنی ان يعود الاهالي الی بيوتهم في الانبار غدًا ولکننا امام امر واقع، وعلينا ان نحسب حسابنا اذا جاء الشتاء، فماذا سنفعل وهذه الخيم منصوبة علی الارض والمکان کله تراب ، فالارض طينية بحتة واذا ما رششناها لا تستطيع اي سيارة السير فيها، نحتاج الی فرشها بمادة السبيس (خليط من الرمل والحصی)
 
 واوضح:ما فائدة ان نبني مستوصفاً صحياً وحالة الصرف الصحي سيئة، معنی هذا ان الامراض تکثر، ولن يستطع المستوصف استيعاب المرضی، فالاولوية بعد الماء يجب ان تکون للصرف الصحي ، المخيم بحاجة الی مجارٍ، ولا تنفع البالوعات، خاصة ان الارض صلدة لا تسرب الماء فالافضل المجاري، لدينا 22 مجموعة صحية ، لکنها غير کافية وغير نظامية وهناک من ينتقل من مسافات بعيدة.
واضاف ايضا: موضوع تنفيذ الصحيات مشکلة عويصة، هناک من لا يرسل زوجته او ابنته الی المجموعة الصحية ويترکها تتغوط في الخيمة وهنا يتم نقل الجرثومة والامراض الی بقية الخيم وبالتالي تزيد عندنا حالات الطفح والجرب والقمل والاسهال وربما يأتينا مرض الکوليرا والکبد الفايروسي إن لم تکن هناک اجراءات وقائية صحيحة ،لا نستطيع السيطرة علی سيارات نقل المياه الثقيلة ونقل المياه الصالحة للشرب ، إن لم تعاوننا الدولة ووزارتها لا نستطيع ان نقدم شيئًا جيدًا للنازحين .
 
904 عائلات و6 الاف نسمة


    اما المشرف علی المخيم عبد المنعم الجنابي فقال : لدينا الان 504 عائلات من الانبار فقط و400 عائلة من صلاح الدين، لدينا مساحة موجودة ولکن المطلوب هي الکرفانات، يحتاج هذا المخيم الی الف کرفان ،في مثل هذا الجو لا تنفع الخيم التي راحت تحترق من الشمس وتتفتت وتتمزق ثم اننا نضعها علی الارض، انها بسهولة تحترق وايدينا علی قلوبنا عندما تعطي منظمة طباخًا صغيرًا للنازحين فيتم استخدامها، فمن الصعب السيطرة علی النازحين، فکيف تمنع رجل يريد ان يعمل لنفسه شايا، نحن لدينا مطبخ مرکزي ولکن هناک من يريد أن يطبخ لنفسه .
    واضاف: نحتاج الی مطافئ حريق الی اسطل للرمل، اشتغلنا علی حملة توعية من اجل ذلک ونفذنا حملة لقاحات للکبد الفايروسي والاطفال ، تصور ان هناک 6 الاف شخصية في هذا المکان بمثابة (ناحية) ولابد من مسوصف صحي ثابت  يکون موظفوه من اهالي الانبار يداومون هنا، ولابد ان تکون هناک اسعافات کاملة جاهزة لا الا أن نتصل ونخابر .
   وتابع : هل من الصعب علی وزارة الهجرة والهجرين أو الصحة تجهيز کرفان للاطباء ؟ اتينا باطباء بعد الدوام من خلال اتصالاتنا الشخصية وليس بجهد حکومي، وطلبنا من احد الصيادلة  أن يأتي الی المخيم ليکشف علی الادوية الموجودة وما نحتاجه، والمفروض هناک من يعمل هذا لان العملية متعبة، فعدد الذين يراجعون المستوصف يوميًا کبير، ولا يوجد طبيب کما نحتاج الی مختبر تحاليل .


قنبلة داخل بغداد


وأوضح الجنابي : نحن في وضع صحي متردٍ ونخشی ظهور مرض (ايبولا )، نحن لسنا في مدينة وفيها بنی تحتية، انا هنا اضع الناس في خيمة، احد النازحين بنی مرحاضًا بجانب الخيمة، هذه امراض ستنتقل، الناس اشتکوا من الحساسية والامراض الجلدية ومن الاسهال عند الاطفال ونحن نخشی من الحالات المرضية المستقبلية، فقبل ايام ضربت الاطفال موجة من الاسهال وحدثت مشکلة لأن الماء کان بلا کلور، فضلاً عن حدوث مشاکل نفسية عند البعض، ولا احد هنا يعتني بالجانب النفسي، لذلک نحتاج الی طبيب هنا، فهل تعجز وزارة الصحة ان تجلب لنا طبيبًا او طبيبة؟
وأکد : ستظهر لنا قنبلة داخل بغداد، مجموعة امراض وبائية وخصوصاً في فصل الصيف، لذلک نحتاج لقاحات واجراءات وقائية ومفرزة طبية او سيارة اسعاف وان تراقب وزارة الصحة عن کثب ما سيظهر في المخيم لا سمح الله، تأتي الصحة ولکن بين يوم واخر للساعة 11 صباحا غير منتظم، هؤلاء يأتون بتکليف طبعًا.
وختم بالقول : الاتربة تسببت في اختناقات عند الاطفال والعوائل، فنضطر الی توفير (تنکر)  لرش الشوارع ولکن هناک من يقول لي يا ابو نوفل :(انت ترش ونحن يقتلنا العطش) فاضطر أن احول التنکر الی ماء للشرب .

زر الذهاب إلى الأعلى