تقارير

أطفال العراق يميلون إلی العنف ويبتعدون عن التسامح

 


 


ايلاف
24/5/2015



منذ سنوات أشّر باحثون في علم الاجتماع إلی نشوء جيل عراقي، لا يؤمن بقيم التسامح والتعايش المشترک، بسبب مايعيشه من حملات التکفير ونبذ الآخر طائفيا وعرقياً من خلال وسائل الاعلام.
 
 يری العديد من الباحثين العراقيين، أن الأحداث التي يشهدها العراق تشير إلی ظاهرة غريبة تتمثل في نشوء جيل يمتلک کميات کبيرة من الکراهية والطائفية والتطرف والتشدد، وهو ما يراه الکثيرون خطرا يهدد المجتمع العراقي.
ومع تسارع الأحداث الإرهابية، والتمييز الطائفي في العراق، أصبح من السهل أن تسمع مفردات الطائفية والتشدد، تتصدر الأحاديث بشکل يوخز القلب والضمير، وتشعر أن العدوانية تملکت البعض حتی لم يعد هنالک حيز للتسامح، ولقبول الآخر بأية طريقة کانت، حيث بلغ التطرف اشده.
إيلاف سألت باحثين عراقيين عن سبب غياب قيم التسامح لدی الأجيال العراقية الحديثة، فکانت الآراء مختلفة، فهناک من يری أن احداث العنف المستمرة منذ 12 عاما جعلتهم يعيشون وسط الخوف والرعب، وهو ما جعل قلوبهم تخشوشن ونفوسهم تتحجر، فيما يری البعض ان القاتل لا يستحق التسامح، بل رد الصاع صاعين، ورأی البعض أن الآخر حينما يريد ان يجعل منک کبشا ليس امامک الا ان تکون ذئبا، وحين طلبنا ان نعرف نتيجة هذا کله او خاتمته کانت الاجابات، عندما تهدأ عواصف العنف وتطمئن النفوس وتتعمق الثقة فلا غدر ولا خيانة ولا تهميش ولا تحريض علی القتل والتدمير!
 
تيارات عدوانية شرسة
الکاتب صباح عطوان قال: المجتمع يکتظ بتيارات عدوانية هجومية هي من إفرازات الحروب والفوضی، وقد ذکرت ذلک بتصريح مشهور وکعنوان لمقال، لذلک فالعصابات التي تطوف کاسماک القرش في شوارعنا لها ألف اسم ومسمی”.
وأضاف “من المؤسف أن التسامح أصبح خياليا، لذلک نحتاج إلی إطفاء نار الکراهية أولا، من ثم إعادة ترتيب البيت الإجتماعي. وخلق أطر تربوية تبتعد عن أطر التدين الطائفي، وانما الدين بمجموعه المتسامح لا الجانب العدائي منه… لا جانب خذوهم بالسيف”.
وتابع “بالنسبة للوضع العام أنا متشائم لکني أؤمن بطيبة شعبنا وکرم قبائله وعشائره، شعبنا تعرض إلی غزو من الداخل فإنقلبت مسالمة حياته إلی جوارح.. فصار حز الرقاب تسلية المتقاتلين، وبات القاتل للمظلوم قدوة للأسف”.
وختم بالقول إن “شعب العراق عرف بطيبته وکرمه ونخوته، لا شعب في الأرض بحجم مکارم شعبنا لکنهم اثخنوه جراحا وأکلوا قلبه واطفأوا او کادوا نور شمعته..نور دفئه وطيبه وتسامحه”.
 
أخطر من داعش بألف مرة
أما الباحث الاجتماعي محمد غازي الأخرس، فقد أکد أن “السبب راجع لنشوء هذا الجيل في ظل احتراب طائفي، وقال: يمر المجتمع العراقي بأزمة کبيرة وخطيرة، تتمثل في نشوء جيل من الشباب لا يعرف شيئا عن التسامح والاعتراف بالآخر، ولا يتخيل وجود شريک له في المجتمع يختلف عنه في المعتقد والرأي. وهذا راجع لنشوئهم في ظل احتراب طائفي ما أدی إلی انعزالهم داخل أسوار جماعاتهم الضيقة وفقدانهم أي إمکانية لتخيل وجود من هو مختلف عنهم”.
وأضاف: إنهم يعانون العمی، فلا يرون سوی أنفسهم والمتشابهين معهم في الأفکار. وفي مثل هذا الوضع، تشيع أفکار التعصب والتطرف والتعميم والقولبة، ويسهل ارتکاب الجريمة بضمير مطمئن، هؤلاء أخطر من داعش بألف مرة، وعلينا إعادة تأهيلهم نفسيا وثقافيا لاستعادة تلک القدرة الغائبة.
ويری أن “مفاهيم التسامح ومشارکة المختلف والتعايش معه عبارة عن قدرات تنمو وتضمحل بفعل الظروف الاجتماعية، ومن المؤکد إنها اضمحلت لدی الجيل الناشئ بعد التغيير بفعل الاحتراب والتقوقع الطائفي، وعلينا المساهمة بإنمائها حتی لو تطلب الأمر القيام بثورة ثقافية کاملة تسهم بها المؤسسات الفاعلة”.


التربية المنغلقة والموروث المتشدد
 الکاتبة الروائية لطفية الدليمي تقول “إننا نعاني في مجتمعنا العراقي من اللاتسامح کافراد وجماعات نتيجة التربية المنغلقة والموروث المتشدد، الذي يحظر مناقشة المقدس او حتی الاقتراب منه، وبسبب التعليم الشوفيني التلقيني الذي لايبيح الحوار والنقاش ويرکز علی قيم ومفهومات موروثة راسخة، فمعظمنا نشأنا في اجواء اجتماعية لا تؤمن بالحوار بل تفرض بدلا عنه الطاعة المطلقة في البيت والمدرسة وفي الحظيرة السياسية، کما تفرض علی الافراد الطاعة التراتبية في البيت والمجتمع، فليس لنا ان نناقش او نعترض علی اية فکرة يقدمها من هو اکبر منا، بل يتوجب قبولها دون جدال والا خرجنا علی السراط المحدد للناس الأسوياء حسب المعايير السائدة، ومن هنا صارت لدينا نزعة خطيرة لتقييم الآخرين و اصدار احکام سلبية تخص تقويمنا لهم، واعتدنا ان نتسرع في الحکم علی الناس والاشياء في ردود فعل لا تعتمد التفکير المنطقي بل تلجأ إلی التعميم المطلق في اصدار الاحکام، وساعد سلوکنا التعميمي في تجذر اللاتسامح والتعصب في شخصية الفرد العراقي الذي صيغت شخصيته تحت مطرقة الطاعة المطلقة والاذعان التام للاوامر العليا من الاباء والمعلمين والساسة”.
وأضافت أن “المتعصب اللامتسامح هو من يقسم العالم إلی ابيض واسود إلی خير وشر، وإلی حق وباطل فاللامتسامح يسکنه اللون الواحد، والاعتقاد المطلق بانه علی حق دائما وکل ما عداه خطأ مطلق. والمتعصب اللامتسامح لايريد ان يعرف اسباب تعصبه ويفککها، فهو موقن من امتلاک الحقيقة المطلقة التي لايمکن الجدال فيها، ويدعو جميع الآخرين إلی الإيمان بما يؤمن به، والا فإن جزاءهم التهميش او الاقصاء والتصفية الجسدية، وهي اقصی ماوصلت اليه نزعة اللاتسامح بتفشي الارهاب المنظم”.
 
إصلاح النظام التربوي
التربوي والباحث نبيل ابراهيم الزرکوشي، ناشط في مجال مشاريع المصالحة والتعايش السلمي، فقد أشار إلی ضرورة إصلاح النظام التربوي. وقال إن “الأمر يعود بالدرجة الأساس إلی نوع التربية والتي تعتبر المناهج الدراسية جزئية مهمة جداً منها، إذ کانت ولاتزال تعتمد علی التفرد بطرح المواضيع وخاصة الآراء الدينية والتي في کثير من الأحيان تخضع للاختلاف، حالها حال الأحداث التاريخية وطريقة عرضها اذا کان من باب اولی، ان تعرض المناهج الدينية الاختلاف بين الآراء، من أجل ان نغرس في نفوس النشأ الجديد ان هناک آراء مختلفة حول الموضوع الواحد، وبذلک نکون قد وضعنا البذرة الصحيحة لثقافة الاختلاف المنطقي، وبالتالي تمت تهيئة الشباب لتقبل بعضهم البعض، وفهم الاختلاف علی انه مصدر من مصادر البحث عن الحقيقة، وتعليمهم کيفية الاستنتاج المنطقي للأفکار وعدم تقبل الأفکار علی علاتها وعدم تقديس الأشخاص، وجعلهم رموز مقدسة ونسيان أنهم أشخاص يتعرضون لضغوط وقد يصيبون في أمر ويخطئون في آخر”.
وأضاف “لذا نحن أمام مفترق طرق إما اصلاح النظام التربوي عبر اعتماد مناهج تتلائم مع ثقافة الفکر الحر، او البقاء علی المناهج الدراسية القديمة، والتي من ثمارها عدم تقبل الآخر لأنها وضعت وفق سياسات وآراء أشخاص يقدسون الرمز الأوحد، وان الآوان ان نثور عليها کي نبني الإنسان الجديد الذي يرحب ويتقبل الآخر الذي يختلف معه في الفکر والمعتقد”.
ويری أن “هناک تباعد کبير بين الأجيال الجديدة والقديمة من حيث الأفکار وعدم تقبل الجيل الجديد لأفکار وآراء الجيل الأکبر منه، کاشخاص او کافکار جماعات، ويعود ذلک إلی الحروب والأزمات التي مر بها المجتمع عبر الفترات السابقة مما أدی إلی عدم وجود أشخاص کبار يقودون العائلة، وأصبحت المرأة مع کل التقدير لدورها الا ان دور الرجل يبقی محورياً ومهما، من أجل طرح وفرض ثقافة الإحترام بين أفراد الأسرة الواحدة وبالتالي ينعکس ذلک علی سلوکيات الأفراد في المجتمع”.
 
بغضاء وکراهية متجددة
وفي الختام، کان للمختص في علم الاجتماع محمد رضا الساعدي، رأي خاص قال فيه “منذ 12 سنة وليس هنالک سوی أخبار التفجيرات وانباء العنف، وصور القتل والدمار والخوف المنتشرة في کل مکان بل انها ازدادت وصارت لا تفارق الناس حتی في بيوتهم من خلال القنوات الفضائية غير المنضبطة، ومواقع التواصل الاجتماعي (الفايسبوک) مثلا التي صارت اقرب إلی الانسان من ظله وفيها يشاهد ويقرأ ما يستفزه علی الطائفية والتشدد والتطرف، وفي الفيس بوک عوالم متجددة من البغضاء والکراهية والحقد ما يفيض عن حاجة اشرس الحيوانات واکثرها وحشية، وفيها من التحريض ما يفرغ القلب من العطف والرحمة”.
وأضاف أن “جيل الشباب هم المتصدرون لمشهد التلقي فأنهم يفرزون ما يتلقون باضافات کثيرة من دون النظر بروية او تأمل، لذلک تجد البعض منهم يکون اکثر شراسة من غيره ويختفي العطف وتنزوي الانسانية في نفسه او يغلقها إلی اشعر اخر، فيغيب التسامح منه تماما فلا يری الا الحقد يتجسد أمام عينيه”.
ويری أن “التسامح لن يعود الا حينما تکون الدولة حاضرة بشکل قوي بمؤسساتها ودستورها وانظمتها، وان لا يکون لکلام رجال الدين المتطرفين حضور علی الشاشات ولا لکلام السياسيين الذين يحرضون علی العنف ويعلنون الوفاءوالانتماء لطوائفهم، وحين يطمئن ابناء هذا الجيل علی ان العدل ساد والانصاف صار ديدن الدولة”.

زر الذهاب إلى الأعلى