العالم العربي

سورية: مثلث المنطقة الوسطی… تآکل قوات الأسد وحصار معقله الأخير

 

 

الحياة اللندنية
3/5/2015

تکاد قوی المعارضة السورية تعلن محافظة إدلب وسط البلاد وشمالها المحافظة الأولی التي تقع تحت سيطرة قوی المعارضة بالکامل بعد محافظة الرقة شمال شرقي سورية، والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي معرکة أطلق عليها اسم «معرکة النصر» خاضت تشکيلات سورية معارضة مختلفة معارک ضارية، وتمکنت من دخول مدينة إدلب التي کانت تسيطر عليها قوات الأسد.
واستمرت المعارک في الأيام التالية، ليتمکن الثوار وفي مفاجأة للجميع وفي مقدمهم أنصار النظام السوري، من السيطرة علی مدينة جسر الشغور شمال غربي البلاد، وإعلانها منطقة محررة بالکامل، بعد أن تهاوت حواجز النظام فيها الواحد تلو الآخر.
تکمن أهمية محافظة إدلب في شکل عام، في کونها تمتد علی الشريط الحدودي بين سورية وترکيا، وهو الممر الذي طالب السوريون في جعله ممراً آمناً محمياً بقوات دولية، يستطيع النازحون السوريون التجمع فيه، وهو شيء لم يحدث علی يد القوات الأممية، بل تمکنت قوی المعارضة من تحقيقه، بما يعني ضمان خط آمن يصل الشمال السوري بالعالم الخارجي.
سقوط مدينة جسر الشغور بيد قوات المعارضة، تکمن أهميته في أن المدينة تعد البوابة الأهم باتجاه الشريط الساحلي الذي يعتبر منطقة مناصري الأسد، وسقوط المدينة في يد قوی المعارضة، يعني أن الطريق باتجاه مدن الساحل بات مفتوحاً أمامها.
لا تقتصر العمليات العسکرية التي تخوضها قوی المعارضة علی محافظة إدلب، بل تمتد باتجاه سهل الغاب في ريف حماة الغربي وريف اللاذقية الساحلية وريف إدلب، أي في المثلث الذي يعد الأهم بعد العاصمة دمشق وريفها.
أيضاً تمکنت قوی المعارضة من السيطرة علی مجموعة من القری والبلدات في ريف حماة وتحديداً في سهل الغاب، والذي يمتد بين جبال اللاذقية غرباً وجبل الزاوية شرقاً وجسر الشغور شمالاً ومصياف جنوباً، حيث کانت «حرکة أحرار الشام الإسلامية» و «صقور الغاب» و «صقور الجبل» و «صقور الشام» و «جبهة شام» و «أجناد الشام» و «جبهة صمود» تمکنت من السيطرة علی قری السرمانية وتل واسط والقاهرة والمنصورة والزيارة في سهل الغاب. وتأتي السيطرة علی هذه المنطقة من جانب قوی المعارضة استکمالاً للطوق الذي يتم ضربه في محيط مدن الساحل السوري.
الملفت في مجريات المعارک الجارية في «مثلث المنطقة الوسطی»، هو أهمية هذه المنطقة عبر امتدادها علی الحدود السورية الشمالية من جهة، ومتاخمتها للشريط الساحلي من جهة أخری، بينما تشير دلالات ما يجري إلی أن الموازين العسکرية بين قوی المعارضة وقوات النظام في طريقها إلی التغير، هذا إن لم نقل أنها تغيرت بالفعل. فعلی رغم أن قوات النظام استخدمت في هذه المعارک کل ما تمتلکه من أسلحة متطورة، منها المدرعات بأنواعها، والقصف الذي يبدأ بمدافع الهاون ولا ينتهي بصواريخ أرض أرض الثقيلة والمدافع البعيدة المدی إضافة إلی غطاء من الطيران الحربي والمروحيات، لم تتمکن من الصمود، وهو ما يشير إلی بدء تآکل القوات البشرية للنظام، والتي تمکنت من الصمود علی جبهات القتال لما يقرب من أربع سنوات.
کما أنه من الملفت في معارک مثلث المنطقة الوسطی، غياب قيادات إيرانية ومقاتلي ميليشيا «حزب الله» عن هذه المعارک، علی رغم أن النظام السوري خاض غالبية عملياته العسکرية الاستراتيجية بمساعدة مقاتلي «حزب الله» وبقيادة ضباط إيرانيين، کما يحدث علی الجبهة الجنوبية من سورية أو في منطقة القلمون وغيرها من المناطق الاستراتيجية، وهي ملاحظة حاسمة الأهمية، فهل ثمة تراجع للدور الإيراني وميليشياه في الصراع الدائر؟ أم إنها في مجملها تخوض معارک في محيط مدينة حلب وفي القلمون بالقرب من دمشق وفي المنطقة الجنوبية، وهو ما أدی إلی استنزافها بالکامل؟
أياً يکن الأمر، فإن المساحة التي يسيطر عليها نظام الأسد باتت في طريقها إلی التقلص، وتبدو قواته اليوم عاجزة عن الصمود علی الکثير من الجبهات التي فتحتها عليه قوی المعارضة، والتي نجحت في توحيد جهودها وخوضها المعارک بتنسيق مشترک بين فصائلها، وهو أمر کان غائباً في السنوات الماضية، کما أن امتلاک قوی المعارضة مضادات الدروع التي شهدنا استخدامها في هذه المعارک الأخيرة، أثبت أن التغير في نوع السلاح وامتلاک المعارضة النوعيَّ منه سيغير موازين الصراع العسکري وهو ما طالبت به المعارضة المسلحة منذ نشوب المعارک ضد قوات النظام السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى