حديث اليوم

بيان لوزان، استسلام أو سحب أوراق نظام الملالي في إيران؟

 



عقب «لوزان» أثيرت عاصفة من المواقف والتصريحات المؤيدة والمعارضة داخل النظام حيث وصف روحاني اتفاق لوزان بـ «السلم الأول للتعامل البناء مع العالم». کما نشرت الصحف التابعة لعصابة رفسنجاني ـ روحاني في صفحاتها الأولی عناوين بأحرف کبيرة وبارزة وصفت فيها اتفاق لوزان بـ «الاتفاق التأريخي» و«الانتصار التأريخي» و«الانتصار العظيم للأمة» و«الانتصار الرائع» مدرجة صورا تظهر ابتسامة ظريف وفريق التفاوض أو صورا تظهر ما يسمی بما قوبل ظريف من ترحاب لتحاول أن تعکس أجواء النجاح والانتصار.
أما في المقابل فقد أطلقت عصابة المهمومين صرخات تقضي: «رجعنا بخفي حنين» و«لقد وقعت کارثة في فردو» و«لقد تعطلت صناعة النووية» کما «تم تجاوز الخطوط الحمراء [للخامنئي]» وما شابه ذلک…
ويقيس المهمومون اتفاق لوزان مع اتفاق «ترکمان‌جاي» المشين حيث انفصل جراءه جزء من الأراضي الإيرانية عن إيران و منح لروسيا التزارية. کما شکل هؤلاء في شبکة الانترنت (علي شبکة تويتر) هاشتاغ (#) تحت عنوان «لوزان‌جاي» حمل فيه بشدة اتفاق لوزان وکل من کان وراءه. کما هاجموا علی الخامنئي نفسه. ومن کتاباتهم يؤکد علی أنهم لم يعودوا ينتظرون بعد للخامنئي وما يأمره وهم يباشرون رأسا به. کما أطلقوا عنوان «عاقا» علی الخامنئي حيث يعد إهانة جادة وغير مسبوقة.
ولکن تحدث قسم آخر من عصابة الخامنئي يضم خطباء الجمعة وممثلي الولي الفقيه في مختلف الأجهزة والعناصر التابعة للولاية نظير بروجردي رئيس لجنة الأمن في برلمان النظام الرجعي عن الانتصار معربين عن تقديرهم لفريق التفاوض. فهکذا دق اتفاق لوزان الإسفين في عصابة الخامنئي أکثر من أي وقت مضی.
فبالتالي يطرح سؤال نفسه وهو ما هي النتيجة التي انتهت بها المفاوضات التي طالت ما يقارب 9أيام وعشرات الساعات؟ وهل تجرع الولي الفقيه السم حقيقة أم لا؟
لعله يمکن الاجابة لهذا السؤال علی سبيل المجاز أو التصور وهو أن الولي الفقيه وأمام أنظار العالم رفع کأس السم وقرّبه من فيه غير أنه لم يصب السم في حلقه أي لم يتجرعه بل أحال القضية إلی موعد نهائي آخر في شهر حزيران/ يونيو الجاري.
ولکن وبشأن ما قدمه النظام واستلمه لحد الآن، هناک تفاسير وروايات مختلفة. ويمکن ملاحظة ثلاثة تفسيرات مختلفة ومعاکسة داخل النظام وعصاباته:
ما يزعمه کل من روحاني وظريف وعراقجي وزملائهم هو أنه، أولا: لقد اعترف العالم ببرنامجنا النووي. ثانيا: يتم رفع العقوبات.
وما يعرضه هؤلاء تحت عنوان الاعتراف بالبرنامج النووي هو: بقاء وتواصل العمل لـ 5060 جهاز الطرد المرکزي من الجيل الأول بقوة محدودة للأداء حيث يمکن له التخصيب بنسبة 3.67 في الحد الأقصی. (من نص الاتفاق ـ وکالة أنباء أسوشيتدبرس 3نيسان/ أبريل 2015). وبشأن حق التخصيب المقدم للنظام  کتبت الصحيفة المحسوبة علی ميليشيات الباسيج تقول: «يشبه الأمر بحافلة يسمح لها بالحرکة ولکن لا يجوز أن يرکبها أکثر من راکب» (صحيفة جوان ـ 4نيسان/ أبريل 2015).
وما يطلقون الدعايات ويبلغون من أجله کل من ظريف وروحاني حول حفظ کل من موقع فردو ومفاعل أراک، فيوضح بشکل جلي تصريحات جون کيري بعيد الإعلان عن الاتفاق تقضي بأن عملية التخصيب تم إيقافها بشکل تام في موقع فردو حيث تجري فيه إجراءات بحثية محدودة، کما سيتحول مفاعل أراک إلی مرکز يختص بالبحث والطب فقط. وفي الحقيقة لن يبقي من الصناعة النووية للنظام سوی منظر ديکوري وکريکاتوري بحسب ما کان المهمومون قد أکدوا عليه فيما مضی.
وعلی أي حال، هل يمکن القول بأن الولي الفقيه تجرع کأس السم النووي؟ ليس بعد! قد يزيل الإبهام مثال علی سبيل المجاز عن القضية. شاهدنا کثيرا في الأفلام البوليسية مشهدا تورط فيه مجرم في مأزق حيث أجبروه علی أن يرفع يديه ليستسلم؛ غير أن المجرم لايزال يحمل أسلحته. وهنا يتوقف الأمر علی السيناريو: إما من طوقوه وأجبروه علی الاستسلام سيجردونه من أسلحته ويأخذونها، إما يتربص المجرم المذکور بالمرصاد ليقتنص الفرصة المناسبة وفجأة ينهض ويشهر أسلحته، وإما يقتل الطرف المقابل أو يلقي نفسه إلی التهلکة. ويعيش النظام هکذا ظروف بالذات. وهي ظروف مفروضة عليه تماما حيث وإذا وجد أقل فرصة ومجال سيتخلی عنه [عما اتفق عليه]. وعندما لاحظ الولي الفقيه أن العقوبات تظل تخنقه من طرف ويتوجه ضربات وحالات فشل ستراتجي في کل من العراق واليمن حيث أدرک أن الزمن يضره بشدة ولا يجد مناصا بعد، فحظر خلف طاولة المفاوضات فاستسلم. غير أن الاتفاق لم يصل إلی مرحلة التنفيذ بعد. وهي المرحلة التي وصفها روحاني في تصريحات أدلی بها بالخطوة الرابعة والتي يتم فيها تنفيذ الاتفاقات وذلک بعد التوصل إلی تفاصيل الاتفاق نهاية حزيران/ يونيو. ولکن وکما قال عراقجي في حديث لتلفزيون النظام: «من الممکن أن يغير الطرفان سياساتهما في کل لحظة وينکران بحسب الناس في الشارع». (تلفزيون النظام ـ 3نيسان/ أبريل 2015).
وهکذا إذا أردنا أن نوضح ما جری سياسيا، فحصل الطرفان علی فرصة تبلغ 3أشهر أخری. وأکد أوباما في تصريحات أدلی بها بعيد نهاية المفاوضات علی أنه لم يتم الحصول علی نجاح غير أنه أضاف أننا حصلنا علی فرصة تأريخية من شأنها أن تتکلل بالنجاح بعد ثلاثة أشهر. والنجاح هو أننا تمکنا من الحيلولة دون امتلاک النظام الإيراني القنبلة النووية.
ولا شک في أن المهمومين النوويين وخلال هذه الفرصة البالغة 3أشهر سيحشدون قواهم ليقلبوا طاولة هذا العقد. فلذلک تتحدث عصابة روحاني ـ رفسنجاني ووسائل الإعلام لهم وبکل قلق عن «هشاشة» الاتفاق ويذکرون بعضهم البعض بـ «صيانة المفاوضات». رغم أن الإنکار لايعد سهلا وبسيطا إطلاقا کما يعد ما يتربت عليه من تکاليف بالنسبة للنظام أثقل بالمقارنة بالمراحل السابقة؛ غير أن التداعيات القاتلة لتجرع السم تجعل هذه الحالة محتملة في أقل تقدير. فهکذا يجد الولي الفقيه نفسه أمام مفترق طرق مميت إما تجرع السم وإما التشدد ومواجهة المجتمع الدولي وليس المصير لکلا الطريقين إلا السقوط.


 

زر الذهاب إلى الأعلى