مقالات

الهجمة الإيرانية في اليمن .. مستمرّة

 

المستقبل
19/3/2015

بقلم: خير الله خير الله

 
الهجمة الإيرانية مستمرة في کلّ مکان، خصوصاً في اليمن. هناک مناورات عسکرية في محافظة صعدة يقوم بها الحوثيون، أي «انصار الله«. الرسالة موجّهة مباشرة إلی المملکة العربية السعودية التي لديها حدود مع هذه المحافظة الشمالية.
فوق ذلک، يقول الحوثيون إنّ هذه المناورات، التي تقتصر حتّی الآن، علی تحريک دبابات وآليات أخری استولی عليها الحوثيون، هي من النوع المشترک. أي بين «اللجان الشعبية« وهي ميليشيات تابعة للحوثيين، وقوات من الجيش اليمني. إنّها رسالة فحواها أنّهم صاروا الدولة اليمنية من جهة وأنّ مؤسسات تلک الدولة، أو ما بقي منها، باتت تحت تصرّفهم وفي إمرتهم من جهة أخری.
لعلّ أخطر ما في الأمر ما وزعه الناطق باسم «انصار الله« عن اتفاقات وقعها الحوثيون باسم «الجمهورية اليمنية«، مع الجمهورية الإسلامية في إيران. قال الناطق بعد زيارة وفد يمني لطهران أنّه «تمّ التوقيع علی إطار تفاهم للشراکة الاقتصادية الشاملة بين الجمهورية اليمنية والجمهورية الإسلامية. شمل الاتفاق الاحتياجات الأساسية في مجال الکهرباء والنفط والتبادل التجاري والاقتصادي وتعزيز التعاون الثنائي والاستفادة من الخبرات والإمکانات الإيرانية في کلّ المجالات«.
من هو الوفد اليمني الذي وقّع «إطار التفاهم«؟ من أين يستمدّ شرعيته؟ من سمح له بذلک؟ هل يکفي أن يکون عبدالملک الحوثي، زعيم «أنصار الله«، أعلن عن قيام نظام جديد تحت مسمّی «ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر«، تاريخ وضع الحوثيين يدهم علی کلّ صنعاء في ايلول/سبتمبر من العام الماضي، حتّی يسلّم العالم ومعه مجلس التعاون لدول الخليج العربية بقيام نظام جديد في اليمن؟
هل هذا کافٍ کي يکون هناک اعتراف بهذا النظام وبأنّ إيران صارت جزءاً لا يتجزّأ من المعادلة اليمنية؟
المطلوب، في ما يبدو، الاعتراف أکثر من أيّ شيء آخر، بأنّ إيران صارت، في أقلّ تقدير، جزءاً من هذه المعادلة. وهذا ما يفسّر عدم إغلاق مجلس التعاون باب المشارکة، أمام الحوثيين، في مؤتمر المصالحة اليمنية في الرياض. هل يقبل الحوثيون المشارکة کطرف يمني، أم يصرّون علی أنّهم اليمن کلّه؟
هناک واقع تسعی ايران إلی تکريسه في اليمن، أقلّه في جزء من البلد، وذلک بعد فشلها في التقدم في اتجاه تعز وفي اتجاه المحافظات الجنوبية. يتمثّل هذا الواقع في تأکيد أنّ صنعاء والمنطقة المحيطة بها صارت تحت السيطرة وأنّ القرارات التي تتخذ في صنعاء مرتبطة مباشرة بما يقرّره المرکز، أي طهران. طهران التي تمتلک قرار صنعاء.
تبدو إيران، مستعجلة علی کلّ شيء. تبدو بکل بساطة المستفيد الأوّل من الرغبة الأميرکية في التوصّل إلی اتفاق معها في شأن ملفها النووي. بالنسبة إلی إيران المهتمّة في التوصل إلی الاتفاق من أجل رفع العقوبات المفروضة عليها، أو التخفيف منها، هناک فرصة زمنية لا تعوّض. تتمثّل هذه الفرصة بوجود إدارة أميرکية لا تفقه شيئاً في الشرق الأوسط نظراً إلی أنّها تعتبر أن الملفّ النووي الإيراني يختزل کلّ مشکلات المنطقة. هذه الإدارة مستعدة لتجاهل الدور الإيراني في سوريا والعراق وحتّی في لبنان وفلسطين. لماذا لا تستغلّ إيران الفرصة المتاحة؟
إذا توصّلت إلی إتفاق في شأن ملفّها النووي، يکون ذلک جيداً. وإذا لم تتوصّل إلی مثل هذا الاتفاق، ليس ما يمنع استغلال الموقف الأميرکي لتحقيق مکاسب في کل منطقة عربية تسعی إلی أن يکون لها موطئ قدم فيها، أي في اليمن والعراق وسوريا ولبنان والبحرين.
لم يعد المسؤولون العسکريون في طهران يخجلون من القول إن إيران «حرّرت« بنسبة خمسة وثمانين في المئة من الأراضي السورية وجعلتها تحت سيطرة نظام بشّار الأسد ذي الصلاحية المنتهية.
لم يعد سرّاً قيادة قاسم سليماني، قائد «فيلق القدس« في «الحرس الثوري« الإيراني المعرکة في تکريت. صار هناک قائد إيراني للقوات العراقية التي تخوض تلک المعرکة وإلی جانبها ميليشيات من أحزاب مذهبية عراقية. يفتخر قادة هذه الأحزاب للأسف الشديد، بالسير خلف سليماني والظهور معه في الصور…
بات المسؤولون في طهران يتفاخرون بوجود ميليشيا مذهبية في لبنان اسمها «حزب الله« وبأن هذه الميليشيا التي تسعی إلی الهيمنة علی البلد هي نتاج «الثورة الإيرانية«.
لا شکّ أن الاندفاعة الإيرانية في اليمن لم تتوقف بعد، علی الرغم من الحاجز الشافعي في الوسط والجنوب والتعبئة في أوساط القبائل في مأرب. ولکن ما يظل مطروحاً في نهاية المطاف ماذا ستفعل إيران بما حقّقته في العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ هل لديها القدرة علی البناء علی ما تعتبره انتصارات لها؟
الجواب إنّ في استطاعة إيران التخريب وليس البناء. تستطيع إستغلال کلّ ثغرة عربية من أجل تحسين مواقعها. استغلّت «داعش« في العراق، واستغلّت التقصير الدولي في دعم ثورة الشعب السوري علی نظام أقلّوي يريد استعباده، واستغلّت الرغبة الإسرائيلية الدائمة في وجود لبنان غير مستقرّ تکون فيه مجموعات مسلّحة غير خاضعة لسلطة الدولة. واستغلّت الانقلاب الذي نفّذه الإخوان المسلمون علی علي عبدالله صالح من أجل الحلول مکانه…
استغلّت ايران قبل کلّ شيء الغياب العربي، أو علی الأصحّ الاستفاقة العربية المتأخّرة علی خطورة مشروعها التوسّعي القائم أساساً علی الاسثمار في إثارة الغرائز المذهبية. ولکن ماذا بعد ذلک؟ هل يمکن لإيران أن تطرد السنّة العرب من العراق؟ هل تستطيع القضاء علی الشعب السوري الذي يقف بأکثريته الساحقة في وجه النظام الذي أراد استعباده؟ هل تستطيع وقف المقاومة اللبنانية لثقافة الموت التي تريد فرضها في بلد متمسّک بثقافة الحياة، التي هي علّة وجوده؟
حتّی بالنسبة إلی اليمن الفقير، ماذا لدی إيران لتقدّمه؟ صحيح أنها مستفيدة من الظلم التاريخي الذي عانت منه المناطق التي يقيم فيها الحوثيون، علی رأسها محافظة صعدة، لکن الصحيح أيضاً أن التذرّع بالظلم والحرمان الذي لحق بمجموعة من السکّان ليس سبباً کافياً للقضاء علی ما بقي من مؤسسات الدولة اليمنية بحجة قيام نظام جديد مبني علی اجتياح ميليشيا مذهبية لعاصمة هذا البلد.
لعلّ أسوأ ما في الأمر أن المشروع الإيراني مشروع من جانب واحد. هذا المشروع يدمّر الدول بدل أن يبنيها. ليس لدی إيران من نموذج تقدّمه، خصوصاً أنها بلد نفطي مضطر إلی استيراد النفط المکرّر، کما أنّ نصف الشعب الإيراني يعيش تحت خطّ الفقر.
المشروع الإيراني مخيف. لا يمکن لهذا المشروع إلّا أن يسقط ولکن بعد أن يکلّف المنطقة الکثير من الدمار والدمّ. الثابت أن اليمن ليس سوی نموذج ومثال صارخ علی ما يمکن أن يحلّ، علی يد إيران، ببلد مسکين آخر ما يحتاج إليه شعبه هو مزيد من السلاح ومزيد من التفتيت ومزيد من الفقر والبؤس والعصبيات المذهبية…

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى