مقالات

هل الاحتلال الداعشي حرام والاحتلال الإيراني حلال؟

 



بقلم: د. فيصل القاسم
6/3/2015

 
کي لا يحاول أحد أن يصطاد في الماء العکر من مجرد قراءة عنوان المقال، سنقول: تصدوا کما تشاؤون لتنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش). احشدوا الجيوش، واصنعوا التحالفات من عشرات الدول، وهاجموا مواقع التنظيم في سوريا والعراق وليبيا وفي أي مکان آخر. واشغلوا الدنيا إعلامياً بأفعاله وشيطنوه. قولوا إن داعش أکبر تنظيم إرهابي متوحش لا يمت للحضارة الإنسانية بصلة. لن نعارضکم. ماذا تريدون أکثر من هذا؟ لا أعتقد أن أحداً يستطيع الآن أن يتهمنا بأننا داعشيون أو حنکوشيون أو فنطوشيون. الحمد لله.
وبما أننا الآن برأنا ذمتنا، واعترفنا لکم، لا بل زايدنا عليکم في شيطنة داعش، نرجوکم الآن أن تجيبوا علی بعض الأسئلة البسيطة التي يسألها ملايين العرب البسطاء وهم يرون الحشود الدولية التي تجهزونها ضد داعش إعلامياً وعسکرياً وأمنياً في العراق وسوريا وليبيا. لماذا ثارت ثائرتکم عندما احتل داعش مدينة عراقية، فأسرعتم إلی اتخاذ القرارات العاجلة حتی بدون العودة إلی مجلس الأمن الدولي أو استشارة أحد للتصدي لداعش وإخراجه من مدينة الموصل والمناطق العراقية الأخری أولاً، ثم محاربته لاحقاً علی الأرض السورية عن طريق جيش سوري جديد تدربه أمريکا خصيصاً لهذه المهمة؟ ما الفرق بين اقتحام داعش لمدينة الموصل العراقية واقتحام الحوثيين، أنصار إيران، لمدينة صنعاء اليمنية؟ لماذا الأول إرهاب والثاني ليس إرهاباً؟ أيضاً لا تفهمونا خطأً هنا، فنحن لا نعارض ما تقومون به أبداً. لکن بالله عليکم ألا يصب تصديکم لداعش بهذه الضراوة في سوريا والعراق في مصلحة نظام بشار الأسد وإيران أولاً وأخيراً؟
نحن نعرف جيداً أن إيران تعتبر داعش أکبر خطر يهدد أمنها القومي منذ عقود، بدليل أنها اختارت أبرز جنرالاتها قاسم سليماني ليقود المعارک ضد داعش في العراق. وفي المحصلة النهائية يشکل داعش أيضاً تهديداً رهيباً للنظام الأسدي، ولن نفاجأ ذات يوم إذا وجدنا قوات التنظيم في قلب الساحل السوري أو حتی في قلب دمشق يقطعون رؤوس أنصار الأسد. فإذا کان داعش يشکل کل هذا الخوف والرعب للإيرانيين وأذنابهم في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ألا يعتبر الحشد الدولي ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» عندئذ دعماً غير مباشر لإيران وبشار الأسد؟ بعض البسطاء يضعون السؤال بطريقة أبسط: ألا يصبح نظام الأسد بعد کل ما فعله بسوريا والسوريين في وضع مريح جداً بعد أن تتخلصوا له من أکبر خطر يهدد نظامه، ونقصد داعش طبعاً؟ من يبقی علی الأرض للتصدي لجيش الأسد وحلفائه الشيعة غير تنظيم الدولة، يتساءل محمد شام في موقع «تويتر»؟ نحن لا نقصد من هذا الکلام أننا نؤيد داعش. لکن من حقنا أن نسأل هذا السؤال: لماذا تقضون علی وحش داعش، وتترکون الوحش الأسدي؟ داعش ذبحت بضعة أشخاص بطريقة بشعة للغاية، وحرقت شخصاً بطريقة همجية، لکن بشار الأسد حرق وطناً بأکمله بطريقة نيرونية، وشرد خمسة عشر مليوناً من بيوتهم. أيهما أولی بالاجتثاث أولاً؟ جماعة إرهابية، أم دولة إرهابية؟
لا بأس. ربما لا نعرف مخططاتکم لاحقاً في سوريا بعد القضاء علی داعش. لکن يبقی سؤال أهم: ألا تعتبر الحملة الدولية ضد داعش محاولة مفضوحة لتسهيل التغلغل والتمدد والتوسع والاحتلال الإيراني للعديد من البلدان العربية؟ قبل أسابيع فقط تفاخر أحد أبواق الحرس الثوري الإيراني بأن إيران احتفلت أخيراً باحتلالها للعاصمة العربية الرابعة بعد أن سيطر أنصارها الحوثيون علی صنعاء. لم نسمع ولا حتی تعليقاً أو عتباً دولياً علی إيران بعد أن اعترفت بعظمة لسانها باحتلال بلدان عربية. وبينما کانت الطائرات العربية والأمريکية والغربية تدک مواقع داعش في العراق وسوريا، کان الحوثيون يغزون صنعاء، ويذبحون اليمنيين في الشوارع أمام عدسات التلفزيون والسفارة الأمريکية في صنعاء. ولم نسمع مجرد تعليق بسيط، فما بالک إدانة للغزو الحوثي الإيراني لا سمح الله.
وقبل أسابيع کلنا شاهد القائد العسکري الإيراني الشهير قاسم سليماني يقود القوات الإيرانية الغازية في العراق وسوريا أمام کاميرات التلفزيون العالمية. لم نسمع أي تعليق أمريکي علی الحشود والميليشيات الشيعية الأفغانية والباکستانية واليمنية والعراقية واللبنانية التي يقودها الإيراني سليماني في جنوب سوريا أو في تکريت العراقية.
العراقيون والسوريون باتوا يتندرون بأن بلديهما سيفقدان هويتهما العربية بعد أن تحولا إلی مستعمرات إيرانية شيعية مفضوحة. اذهبوا إلی دمشق القديمة کي تتأکدوا بأنفسکم. ولا داعي للحديث عن تغيير الخارطة الديمغرافية في العراق واستئصال السنة في مناطق کثيرة وإحلال سکان شيعة محلهم. إنه احتلال إيراني شيعي إحلالي مفضوح. مع ذلک لم يتحرک الضمير الدولي للحفاظ علی هوية العراق أو سوريا وقريباً اليمن من الأيرنة والفرسنة. کل ما يهم أمريکا وشرکاءها حتی العرب هو الخطر الداعشي «السني» ما شاء الله.
أخيراً: سؤال بسيط ألا يمکن أن نعتبر هذه الحملة الدولية علی داعش بأنها محاولة مفضوحة لتسهيل المهمة أمام إيران کي تحتل ما تبقی من العواصم العربية بدعم أمريکي ومساندة رسمية عربية؟ من المضحک أن بعض العرب اشتکی کثيراً من التغول الإيراني منذ الثورة الإيرانية، لکن مع ذلک شارکوا في القضاء علی صدام حسين الذي کان يشکل الحصن المنيع أمام التغول الإيراني. ثم راحوا بعدها يشتکون أکثر فأکثر من التمدد الإيراني في المنطقة العربية بعد سقوط البوابة الشرقية التي کان يحميها صدام حسين. لکن الغريب الآن أن بعض العرب يقترفون الخطأ نفسه، فبدلاً من أن يترکوا الجماعات الإسلامية کداعش تکون بعبعاً وتقف في وجه الهيمنة الإيرانية، راحوا أيضاً يشارکون في القضاء علی داعش وغيرها فاسحين بذلک المجال أمام إيران لتبتلع المزيد من العواصم العربية.
نرجوکم لا تتوقفوا عن اجتثاث داعش، لکن نرجوکم أيضاً أن تجيبونا: لماذا لا تتصدون للاحتلال الإيراني والإرهاب الشيعي، إلا إذا کنتم تعتبرون الاحتلال والإرهاب الداعشي السني محرماً، والاحتلال والإرهاب الإيراني والشيعي حلالاً.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى