تقارير

رفيق الحريري في ذکراه العاشرة: جريمة إيرانية بحجم الأثر والدور!

 

اورينت نت
کتب: محمـــــد منصــــــور

لم يکن التحقيق الذي نشرته (نيويورک تايمز) قبيل أيام من مرور عشر سنوات علی اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ليقدم جديداً بالنسبة لمن قرؤوا دلالات التفجير ومعناه، بعد مرور سنوات اتضحت فيها الأدوار وکشفت فيها الأقنعة، وظهرت قذارة الشعارات التي تسوق من أجل نقيض ما يقال تماماً.
فتحقيق (نيويورک تايمز) الأميرکية، أفاد بأن (مصطفی أمين بدر الدين) أبرز المتهمين الخمسة في اغتيال الرئيس الحريري، قد يکون طلب موافقة من القائد العسکري السابق لحزب الله اللبناني عماد مغنية لتنفيذ التفجير الذي قتل فيه الحريري يوم 14 شباط / فبراير 2005 مع واحد وعشرين آخرين، بينهم الوزير باسل فليحان.
وأظهر التحقيق الذي أعده الصحفي المتخصص في الشؤون الأمنية رونين برغمان أن محققي المحکمة الدولية الخاصة بلبنان توصلوا إلی معلومات مفادها أن مصطفی أمين بدر الدين أجری اتصالا هاتفيا بمغنية قبل دقائق فقط من التفجير، وأن الاتصال الخاطف الذي لم يتجاوز ( 14 ) ثانية، أجري من منطقة قريبة من فندق سان جورج في بيروت الذي وقع التفجير قربه، وأن الخطوط الهاتفية الثلاثة عشر التي يستخدمها توقفت بشکل غير معهود لمدة ساعتين بعيد التفجير.
ليس مصطفی بدر الدين وحده المتهم بالضلوع في اغتيال الحريري، فثمة أربعة شخصيات من حزب الله أظهرت معلومات التحقيق أنهم متورطين بالعملية: (حسن حبيب – أسد حسن – حسين عيسی عنيسي – سليم جميل عياش) وعندما نشرت مجلة (دير شبيغل) الألمانية معلومات عام 2009 لأول مرة تشير إلی تورط الحزب، ثارت زوبعة في لبنان، وظهر حسن نصر الله ليقول بنرته الخطابية الرادحة أن المقصود هو القول أن رئيس وزراء سني قتله حزب شيعي، وأن المطلوب هو إثارة فتنة في لبنان، والنيل من سمعة وشرف المقاومة.
حينها صدّق البعض کلام نصر الله الذي يحاول درء فتنة تحاول مجلة ألمانية إشعالها، بتحريض من الموساد الإسرائيلي کالعادة، لکن المجلة عادت لتتمسک بروايتها التي أرجعتها لمصادر خاصة رفضت الکشف عنها… قبل أن تکشف الأحداث في المنطقة لاحقاً عن الوجه القبيح للحزب الطائفي الإيراني، الذي اتخذ من المقاومة قناعاً، لتنفيذ أجندات إيران التخريبية في المنطقة… ولإحکام السيطرة علی لبنان وسوريا والعراق، في تدخل لم يوفر أي وسيلة من وسائله العسکرية واللوجستيية والاقتصادية، ناهيک عن المذهبية!
اتهم حزب الله المحکمة الدولية لمحاکمة قتلة الحريري بأنها “مسيسة” وحاول عرقلتها بشتی السبل… لکن هذه المحکمة المسيسة، أمضت عشر أعوام وهي تجمع الأدلة والقرائن، وتعاقب عليها قضاة ومحققون ولم تصدر حکمها بعد، ناهيک عن أن الحزب أعلن جهاراً أنه لن يسلم المطلوبين إلی المحکمة ولو بعد 300 سنة کما قال نصر الله في إحدی جولاته الخطابية الرخيصة!
بعد عشر سنوات علی حدث الاغتيال الذي هز المنطقة، وأخرج جيش الأسد مذلولا صاغراً من لبنان تحت وطأة تهديدات الرئيس الأمريکي جورج بوش… يبدو اغتيال الحريري، أکبر من مجرد حادث تفجير استهدف رئيس وزراء سابق، أعاد إعمار وسط بيروت المدمر، وساهم بعشرات المشاريع الإنمائية والاقتصادية، وأرسل آلاف الطلاب علی حسابه الخاص للدراسة في الخارج.
فاغتيال الحريري قلص مساحة “مزرعة آل الأسد” التي قالت أنيسة مخلوف لابنها في نوبة حزن وغضب بعد انسحاب جيشه، إن حدودها هي (سورية ولبنان). ووضع النظام في عزلة دولة، هزت مکانته الإقليمية، وأضعف من قدرة الأسد، حين واجه ثورة شعبية ضد حکمه، ان يلعب بالأوراق الإقليمية کي يحمي حکمه الاستبدادي التسلطي في الداخل، کما کان يفعل الأسد الأب، الذي وجد في لبنان مزرعة خلفية لمزيد من المساومات والمناورات!
اغتيال الحريري الذي أکد الزمن بالقرائن السياسية علی الأقل، أنه کان يستهدف مشروعاً وطنياً سنياً جامعاً، يملک قوة اقتصادية، وعلاقات دولية، ووزناً إقليمياً، کان المقصود منه، إزاحة أي عقبة في مشروع التمدد الفارسي الإيراني في المنطقة، لتخلو الساحة للعبث بلبنان، وتعطيل عمليته السياسية واختراع أزمات انتخابية ونيابية لا تنتهي، ناهيک عن تطويق أي تحرک يمکن أن يهدد النظام الطائفي الأقلوي في دمشق.
فقد مثل الحريري وجهاً ليبراليا مدنياً، هو في جوهره نقيض للوجه المذهبي الراديکالي للولي الفقيه، الباحث عن ثارات الحسين، والذي يری المستقبل باعتباره خروج المهدي المنتظر من السرداب، علی أنقاض أحقاد تاريخية ومذهبية لا بد أن تسقی بالفتن والأکاذيب!

رفيق بهاء الدين، الحريري المولود في مدينة (صيدا) اللبنانية في الأول من نوفمبر عام (1944) والذي قضی عن واحد وستين عاماً في الاغتيال الغادر، لعب دورًا مهمًا في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية وإبرام اتفاق الطائف، وإعمار لبنان ما بعد الحرب، عرف بعصاميته السياسية والمالية، فهو لم يرث المال ولا السلطة کما معظم سياسيي لبنان، وأستاذ الرياضيات الذي ذهب إلی المملکة العربية السعودية بحثاً عن عمل في إحدی مدارس جدة في منتصف ستينيات القرن العشرين، غدا بعد أقل من ربع قرن، أحد أغنياء العالم نتيجة جهده الشخصي…

ففي أواخر سبعينيات القرن العشرين قام بشراء (شرکة أوجيه) الفرنسية ودمجها في شرکته، ليصبح اسمها (سعودي أوجيه)، ولتغدو من أکبر شرکات المقاولات في العالم العربي، واتسع نطاق أعماله ليشمل شبکة من البنوک والشرکات في لبنان والسعودية، إضافة إلی شرکات للتأمين والنشر والصناعات الخفيفة. وقد حظي بثقة الأسرة السعودية الحاکمة وتم منحه الجنسية السعودية في العام 1978
وقام رفيق الحريري بالعديد من الأعمال الخيرية وکان أشهرها تقديم منح طلابية للدراسات الجامعية لأکثر من 36000 طالباً من کل الطوائف اللبنانية علی مدی 20 عامًا، إضافة إلی دور الأيتام والعجزة وإنقاذ جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية من الديون.

أکثر من 1000 کلغ من الـ (تي إن تي) مليئة بالحقد الطائفي، والغل الفارسي، والتشفي الأسدي، والإجرام الشيعي لميليشيا حزب الله، کانت کفيلة بتفجير مشروع الحريري الناهض… الذي اختار في أواخر حياته أن يتمرد علی حماقات بشار الأسد، وإصراره علی التمديد للرئيس المنتهية صلاحيته (إميل لحود) ثم عاد لينحني لعاصفة من تهديد وقح لا يصدر إلا عن عصابة مجرمين، مدرکا أن بإمکانه أن يلعب دوراً في قلب معادلة أودت بحياته.. لکنها أشعلت الحرائق من حول الأسد… وترکته في متاهته کدمية کانت تصغر شيئاً فشيئا داخل الجلباب الإيراني… فتحول من وصي في لبنان، إلی موصی عليه في قصره يواجه ثورة شعبية لم يعرف کيف يخمدها!
رحم الله الشهيد رفيق الحريري… فقد جاء اغتياله بحجم الأثر المزعج الذي ناوئ فيه خصومه، أعداء لبنان وسورية معاً.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى